الباحثُ الحقُّ كالمسافر ..
بتنا نفتقد للكتابات الساحرة، والبحوث الآسرة، قليلة هي الكتب والنّتاج، الذي تعب فيه أصحابه كتعب المسافر ..
يلتزم بخطوط الطّول والعرض، يراعي إرشادات الطريق، ومسافات السفر، وما ينبغي لها من الزّاد والوقود.
يُراعي ما يلزمه طيلة سفره، من دوام اليقظة والانتباه، والحذر من الشواغل والعوارض وبنيّات الطريق.
ولا يمكن للمسافر بالسيّارة مثلًا، أن يقفز ويطير ويحرق المراحل !
هو يلتزم التزامًا حرفيًّا بكلّ ما ينبغي عليه، حتى يصل إلى مقصده ووجهته بسلام.
السّفر قطعةٌ من العذاب، وخطره ومسؤوليته يدركها ويفهمها عموم النّاس؛ فأثر وقانون السببيّة فيه ظاهرٌ محسوس.
أمّا في شؤون العلم والعلوم، ومنها البحث العلمي ..
ففي ذلك مساحات واسعة لمغالطات النّفس، وترخّصها، وعبثيّاتها.
قليلون من يلتزمون في شؤون البحث والعمل العلمي، بشروطه ولوازمه ومقتضياته.
ولست أعني هنا الشّروط واللوازم والمقتضيات الأكاديميّة، بل العلميّة والأخلاقيّة.
البحث والعمل العلمي ..
كثيرا ما يكون عرضة للهوى والتحكّم !
بحسب الميل والمزاج ورغبات النّفس، والتي كثيرا ما تكون متّهمةً في مثل هذا، فهي هنا _ فيما تحسِبُ وتظنّ _ تستطيع أن تراوغ وأن تدلّس وتحتال، وأن تقفز، وتحرق المراحل، وأن تختصر وتطير !
وخاصة إذا سنحت الفرصة، وفتحَ لها صاحبُها أبواب الترخّص والتقليد ومتابعة المترخّصين !
ولذلك بتنا نفتقد للكتابات الساحرة، والبحوث الآسرة، قليلة هي الكتب والنّتاج، الذي تعب فيه أصحابه كتعب المسافر ..
في السّفر تعب وإرهاق وسهر ووعثاء، وكذلك في البحث العلمي أتعاب ووعثاء لا تقلّ عن أتعاب ووعثاء السّفر وربّما أشدّ.
وهذه مفاهيم ..
ينبغي أن تكون واضحة راسخة لطلبة الجيل الرّقمي، وللوافدين الجُدد إلى قاعات ومدرّجات الدّراسات العليا، إذا ما أراد أحدهم أن يكتب ما يفيد ويُضيف جديدا، وأن يكتب ما يشفي ويَسُرّ، وإذا ما أراد أن يكون له في رحلته، عرائس يفرح بها، وأبناء مخلّدون.
في العلم والقراءة والدّراسة والبحث، أمانة ومسؤولية، وعلى الإنسان أن يأخذها بحقّها، أو أن يغيّر وجهته، أو أن يفهم نفسه وموقعه وظرفه، ويختار الموقع والسّفر الذي يتناسب معه.
_____________________________________________________
بقلم : د.فواز بن عادل غنيم
- التصنيف: