قدرات الملائكة
من خصائص الملائكة: (القوةُ والشدةُ - عِظَمُ الأجسامِ، والخلْقِ - التفاوتُ في الخلْقِ، والمقدارِ - عِظمُ السرعةِ - العلْمُ - القدرةُ على التَّشكُّلِ )
اللهَ تعالى أعطى ملائكتَه عليهم السلام بعضَ الخصائصِ التي تعينُهم على تأدِيَةِ المهامِ التي كلَّفهُمُ اللهُ بها، ومِن هذه الخصائصِ:
الأولى: القوةُ والشدةُ:
قَالَ تَعَالَى: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وقالَ تعَالى في وصفِ جبريلَ عليه السلام: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5].
وقالَ في وصفِه أيضًا: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20].
الثانية: عِظَمُ الأجسامِ، والخلْقِ:
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أنَّها سأَلتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَولِهِ تَعَالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]، فَقَال: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» [1].
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ»[2] .
ورَوَى أَبُو دَاودَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ»[3].
الثالثة: التفاوتُ في الخلْقِ، والمقدارِ:
الملائكة ليسُوا على درجَةٍ واحدةٍ، فمنهمْ من له جَناحانِ، ومنهمْ من لهُ ثلاثةٌ، ومنهم من لهُ أربعةٌ، ومنهم من له سِتُّمائةِ جناحٍ.
قَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1].
الرابعة: عِظمُ السرعةِ:
سُرعةُ الملائكةِ لا تُقاسُ بمقاييسِ البشرِ، فقد كانَ السائلُ يأتي إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فلا يكادُ يَفرغُ من سؤالِه حتى يأتيَه جبريلُ عليه السلام بالجوابِ من ربِّ العزةِ سبحانه وتعالى.
الخامسة: العلْمُ:
الملائكةُ عندَهمْ عِلمٌ وفيرٌ علَّمَهم اللهُ إيَّاه، ولكنْ ليس عندهُم القدرةُ التي أُعطيتُ للإنسانِ في التعرفِ على الأشياءِ.
قَالَ تَعَالَى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 30، 31].
فالإنسانُ يتميزُ بالقدرةِ على التعرفِ على الأشياءِ، والملائكةُ يعلمونَ ذلك بالتلقِّي المباشرِ عنِ اللهِ سبحانه وتعالى.
ولكنِ الَّذِي علَّمهمُ الله إياهُ أكثرُ مما يعرِفهُ الإنسانُ، ومنَ العلمِ الَّذِي أُعْطوهُ علمُ الكتابةِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 - 12].
السادسة: القدرةُ على التَّشكُّلِ:
لقد أعطى اللهُ الملائكةَ القدرةَ على أنْ يتشكَّلوا بغيرِ أشكالهم، في صورٍ كريمةٍ، ومن ذلكَ:
الأول: إرسالُ جبريلَ عليه السلام إلى مريمَ في صورةِ بشرٍ.
قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 16 - 19].
الثاني: إرسالُ الملائكةِ إلى إبراهيمَ عليه السلام في صورةِ بشرٍ، ولم يعرفْ أنهم ملائكةٌ حتى كَشفوا لهُ عن حقيقةِ أمرهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 69، 70].
الثالث: إرسالُ الملائكةِ إلى لوطٍ عليه السلام في صورةِ شبابٍ حِسانِ الوجوهِ، وضاقَ لوطٌ بهمْ، وخَشيَ عليهم قومَه؛ لأنَّهم كانوا قومَ سَوءٍ يفعلونَ السيئاتِ، ويأتونَ الذكرانَ من العالمينَ.
قَالَ تَعَالَى:{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77].
الرابع: إرسالُ جبريلَ عليه السلام إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم في صفاتٍ متعددةٍ، فتارةً يأتي في صورةِ أعرابيٍّ، وتارةً في صورةِ صحابيٍّ جميلِ الصورةِ وهو دِحيةَ بنِ خليفةَ الكلبيِّ رضي الله عنه.
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَرضي الله عنها قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَعْرَفَةِ فَرَسٍ، وَهُوَ يُكَلِّمُ رَجُلًا، قُلْتُ: رَأَيْتُكَ وَاضِعًا يَدَيْكَ عَلَى مَعْرَفَةِ فَرَسِ[4] دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَنْتَ تُكَلِّمُهُ.
قَالَ: «وَرَأَيْتِ» ؟.
قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ عليه السلام وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ».
قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا مِنْ صَاحِبٍ وَدَخِيلٍ[5]، فَنِعْمَ الصَّاحِبُ، وَنِعْمَ الدَّخِيلُ[6].
ورَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عليه السلام قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا».
قَالَ: صَدَقْتَ.
فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ.
قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ».
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ.
قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ.
قَالَ: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ».
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا[7].
قَالَ: ««أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا[8]، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ[9] الْعُرَاةَ[10] الْعَالَةَ[11] رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ».
ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا[12]، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ» ؟.
قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»[13].
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الإيمانَ بالملائكة يثمرُ ثمراتٍ عظيمةً في نفسِ المؤمنِ، منها:
1- أَنَّك لن تستعظمَ عبادتَك وإن كثُرت؛ لأن الملائكة يطيعون الله تعالى، ولا يعصونه ما أمرهم.
2- أنك تستحيي من ارتكابِ المعاصي؛ لأنك تُوقِنُ أنهم معك حيثما كنت يكتبون أفعالك كلَّها.
3- أنك تشعر بالطُّمأنينة؛ لأنك تُوقن أنَّ اللهَ جعل عليك ملائكة حفظة يحفظونك، فإذا جاء قدرُ الله خَلَّوا بينك، وبينه.
4- أنك تشكر اللهَ تعالى على عظيم إحسانه، وفضله عليك حيث وكَّل الملائكةَ بمهامٍ، ووظائفَ؛ للعناية بك خاصةً، وببني آدم عَامة.
فانظر رحمك الله إلى عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى في خلق الملائكة، فهل آنَ لك أن تعرف مَدى ضَعفِك، ومدى عظمةِ ربك، وقدرته عليك، فبادر بالرجوع إليه.
[1] متفق عليه: رواه البخاري (3234)، ومسلم (177)، واللفظ له.
[2] متفق عليه: رواه البخاري (3232)، ومسلم (174).
[3] صحيح: رواه أبو داود (4727)، وصححه الألباني.
[4] معرفة فرس: أي أعلى رأسه.
[5] الدخيل: أي الضيف.
[6] صحيح: رواه أحمد (24462)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (3 /105).
[7] أمارتها: أي علاماتها.
[8] ربتها: أي سيدتها.
[9] الحفاة: الذين لا نعال لهم.
[10] العراة: الذين لا ثياب لهم.
[11] العالة: أي الفقراء.
[12] مليًّا: أي وقتًا طويلًا.
[13] صحيح: رواه مسلم (8).
__________________________________________________________
الكاتب: د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
- التصنيف: