هَمَسات .. في كلمات ... (13)

منذ 2022-11-02

مع الحلقة الثالثة عشر من سلسلة (همسات في كلمات)، والتي نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من الكلمات الطيبات، والذخر بعد الممات

الحمد لله رب العالمين وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين ومع الحلقة الثالثة عشر من سلسلة (همسات في كلمات)، والتي نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من الكلمات الطيبات، والذخر بعد الممات، في يوم الحسرات، والآن مع الـ همسات:

هناك أنواع متعددة للتأليف منها ما انتشر في القرن الماضي الذي برز فيه فن كتابة المقالة، وكانت الصحف والمجلات ميدان ذلك الفن، ثم جمعت ما تفرق من تلك المقالات فصارت كتابا، فكثير من الكُتَّاب جمع مقالاته أو جمعها غيره لتكون في مكان واحد بين دفتي كتاب، هذا النوع من الكتب لازال موجودا، ونحن اليوم في زمن التدوين المصغر وأشهر تطبيق لذلك التغريدات، وظهرت في هذا الزمان كتبا أصلها تغريدات، وهناك الكثير من الحسابات النافعة التي لو جمعت تغريداتها في كتاب لكانت نافعة ومسلية في نفس الوقت، لأن التغريدة قصيرة فلا يمل منها القارئ، فتكون وجبة سهلة الهضم لمن يعانون من سوء هضم الكتب، كما أنها مناسبة للقراءة في السفر والمواصلات العامة وأماكن الانتظار بخلاف المقالات الطويلة، كما أن جمع تغريدات في مجال ما في كتاب واحد كالتربية مثلا، سيكون مفيدًا، وينتشر على أوسع نطاق، فمن لم يستطع أن يغرد فليجمع المفيد من التغريدات في باقة ويقدمها للناس، فاختيار المرء جزء من عقله، ولعله يكون من العلم الذي يُنتفع به، والصدقة الجارية.

---------------------

الزواج نعمة عظيمة وآية من آيات الله الباهرة، وأول ليلة فيه توصف بليلة العمر، والشهر الذي يليها بشهر العسل، ثم تتناقص حلاوة هذا العسل وقد تنعكس إلى علقم، ما يعنينا هنا هو أنه بمرور الأيام يسيطر الروتين اليومي على حياة الزوجين، وتبدأ الرتابة والكآبة تتسلل إلى المملكة الصغيرة، ولكن هناك أمور كثيرة تنعش عش الزوجية وتجدد فيه البهجة والسرور، وتطرد الملل وتكسر الروتين وتزيح الكآبة وتقضي على الرتابة، من أعظمها الاجتماع على طاعة الله، والطاعات أنواع عديدة، ويمكن للزوجين الاجتماع على مائدة القراءة عموما ومدارسة القرآن خصوصا، أما الكتب فكثيرة أيضا ولكن كتب السيرة وقصص الأنبياء والصالحين تجمع بين المتعة والفائدة، ومن الطاعات أيضاً الصيام إن تيسر ذلك فإن الصوم يذهب وحر الصدر، وساعات السحور والإفطار فيها الهدوء والسكينة والبهجة للنفوس والسرور وواقع رمضان خير شاهد، حيث تلتقي في موائد السحور والإفطار الأرواح والأبدان، وتقوى بذلك أواصر المحبة المودة في العائلة .

---------------------

من عظمة وروعة الإسلام أن فيه جنة الذِّكر، فكل حال تقريبا لها ذكر خاص، من التقلب أثناء النوم ليلاً مروراً بالاستيقاظ والطعام واللباس، حتى قضاء الحاجة لها آدابها وأذكارها، هذا فضلاً عن الذكر المطلق، ومن الأذكار التي يغفل عنها كثير من الناس أذكار طرفي النهار وفيها أجر عظيم وحفظ للعبد من الأمراض الحسية والمعنوية والشهوات والشبهات، ربما لكثرتها حيث يظن البعض أن عليه الإتيان بها كلها، وهذا خطأ بل يمكنه قول بعضها، ومن أكثر ما يعين على ذلك، حفظها أو حفظ القصير منها، فالحافظ للأذكار يسهل عليه قولها في أي مكان وعلى أي حال مناسب، هذا يقودنا إلى الأهمية العظمى لغرس هذا الأذكار في عقول أبنائنا منذ نعومة أظفارهم حتى تكون سبب لحفظهم وسجية في مقتبل أعمارهم، وللأسف الشديد أن تعليم الأذكار مفقود في مناهج المسلمين إلا ما رحم ربك، كما أن مما سهل قول أذكار طرفي النهار على المسلم وجودها في جواله الذي يرافقه في حله وترحاله.

---------------------

التسول من الظواهر السيئة والمنتشرة في المجتمعات، والمتسولون أصناف منهم الصادق والعاجز، أي أنه محتاج فعلا وعاجز عن سد حاجته أو حاجة أبناءه، ومنهم صنف محتاج ولكنه كسول، جرب التسول فوجد أنه يجذب مال بلا تعب؛ كل ما يحتاجه فقط اختلاق قصة مؤثرة، والأهم إلقاؤها بأسلوب آسر ومؤثر، ولو كانت من نسج الخيال، بالإضافة إلى ثياب رثه، وشعر أشعث أغبر، وتكون هيئته يرثى لها، وصنف آخر من المتسولين يسأل تكثُّرًا، أي عنده ما يكفيه لكن وجد أن التسول تجارة مريحة ومربحة، فيكفي أن يظهر أنه صاحب عاهة أو أنه أعمى، وبعضهم يعطف رجليه بحيث تبدوا مقطوعتين، وهكذا ... وإذا ما رأيت مستول فاحمد الله أن عافاك مما ابتلاه به إن كان محتاجا مستحق أن أغناك، وكف ماء وجهك أن تريقه من أجل لقمة لك أو لأولادك فـ «(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرها)» ، وإن كان كاذبا احمدِ الله أن جنبك طريق الكسب المحرم هذا؛ فإن «(مَنْ سأل الناس أموالهم تكثُّرًا، فإنما يسأل جمرَ جهنَّم، فَلْيَسْتَقِلَّ أو لِيَسْتَكْثِرَ)» .

---------------------

في البشر يوجد ناجحون وفاشلون، وبينهم فروق كثيرة، ومن هذه الفروق أن الناجح يستفيد مما حوله من الظروف ولو كانت في غاية السوء والإحباط، ويحول المحن إلى منح، والعقبات والمعوقات إلى بطولات، بالمقابل الفاشل توجد لديه الكثير من الفرص والمزايا ولا يستفيد منها، بل يصل به الأمر إلى لوم الآخرين على فشله، فيبرئ نفسه ويلوم غيره، وبهذا يبقى في قاع الإحباط ولا يقوم منها إلا أن يشاء الله، ولو نظرنا إلى حياة الناجحين وعلى رأسهم الأنبياء وورثتهم من العلماء الربانيين نجد أنهم لم يجدوا بساط أحمر فرش لهم ليصلوا إلى ما وصلوا إليه، وإنما تعرضوا لجميع أنواع المعوقات والمحاربة بل والقتل أحيانا، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعث في قوم يعبدون حجارة ويأكلون الميتة ويعتدي فيهم القوي على الضعيف، ولم يلقِ اللوم على أحد وتواني بل قال له ربه {(قم فأنذر)} ، وقال له أيضا: {(فاصدع بما تؤمر)} ،فقام بالأمانة خير قيام، وبلغ الرسالة أتم بلاغ، ولذلك من أفضل العلاجات لمشكلة الكسل والتواني هو مصاحبة الناجحين، أو قراءة سيرهم وعلى رأسهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فهذا هو الوقود الذي يتحرك به الناجح، والحرارة التي تذيب جليد الكسل، والشعلة التي تضيء درب المجتهد، فلنبادر إلى الصالحات حتى نصل إلى {(جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)}

---------------------

وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن رب الأرض والسماوات

  • 6
  • 1
  • 761

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً