مظاهرات الخبز

منذ 2022-11-18

فالشعار تطبيق الشريعة والواقع في سبيل الخبز، ولا يسمع لتطبيق الشريعة صوت في أثناء المظاهرات فضلا عما يكون بعد نجاحها

المتابع للأخبار لا تخطئ عينه كثرة المظاهرات في هذا الزمان، ونحن في بلاد المسلمين كان لنا نصيب وافر منها في الماضي القريب، ونتائج تلك المظاهرات لا زالت مستمرة، وهي سيئة في معظمها، ولا يزال المجتمع المسلم يتجرع ويلات تلك المظاهرات حتى الساعة، وأصبح الناس يترحمون على ماضي ما قبل المظاهرات لأنهم أصبحوا (كالمستجير من الرمضاء بالنار)، فلا الأهداف العسلية اللذيذة التي وعدوا بها تحققت، ولا رجع الناس إلى ما كانوا عليه من قبل، ولا استطاعوا حتى أن يوقفوا طوفان الظلم الواقع بهم، بل انفتح باب عظيم للشرور شمل جميع جوانب الحياة بما فيها الدين والعقيدة، وتسلط الظلمة أكثر من ذي قبل، وتمكنوا من استباحة الحقوق والأعراض والدماء وأصبحوا ما يفعل من جرائم في سنة يكون في يوم أو بعض يوم، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومضار ومفاسد ما حصل من خروج بالمظاهرات واضح حتى للعوام بل هم أكثر من اكتوى بنارها، وهنا بعض النقاط حول هذا الموضوع:

  • المظاهرات في بلاد المسلمين كانت لها نتائج، وحصل منها تغيير، أما نتائجها فغالبها مريرة، أما تغييرها فمن سيء إلى أسوء، ولنا في ذلك عبرة، فكيف نقدم على شيء احتمال غلبة الإصلاح فيه ضعيفة أو معدومة، وقد رأينا ذلك بأم أعيننا؛ فقد نجحت المظاهرات في الخراب كثيرًا، وقلما تنجح في الإصلاح لا سيما في بلاد المسلمين (فاعتبروا يا أولى الأبصار).
  • من المضحك المبكي أن بعض دعاتها يذرعون بأن الحاكم لا يقيم شرع الله ولا يحكم بما أنزل الله، بل يحكم بالطاغوت من علمانية وبرلمان وديمقراطية وغيرها، ولكن عندما يدعون الناس للاحتشاد والتظاهر لا مكان للدين ولا لحكم الله، وإنما يدعونهم للخروج والتظاهر على الفساد و والغلاء والفقر وتدهور سعر الصرف  وكسرة الخبز، فالشعار تطبيق الشريعة والواقع في سبيل الخبز، ولا يسمع لتطبيق الشريعة صوت في أثناء المظاهرات فضلا عما يكون بعد نجاحها، وهل تعرفون دولة استبدلت فيها القوانين الوضعية المخالفة بشرع الله عن طريق المظاهرات العارمة.
  • من السهل التعبئة للمظاهرات وحشد الناس إليها عن طريق دغدغة عواطفهم لا سيما الدينية، لكن من الصعب وربما من المستحيل التحكم بزمام المظاهرات، فالدعوات سلمية، والبداية شبه سلمية، والنهاية اختلاط الحابل بالنابل، والمجرم بالصالح، وبدء موسم للسرقة والاغتيالات والقتل والتخريب والنهب العشوائي، وفقدان الأمن، فهو كمن أراد إصلاح سد مائي به بعض الشقوق فقام بهدمه ليجرف ما أمامه من ثمار وزروع، فالقادم مجهول وقد يكون أسوأ خصوصا في الدين، وهذا ما حدث بالفعل.
  • حتى يحصل المتظاهرون على دعم داخلي وخارجي يرفعون شعار الوطنية، والوطنية شعار مطاط كلٌ يستعمله حسب هواه، فمن كان اليوم وطني يكون بالغد خائن يجب قتله، ومن كان بالأمس متمردًا على الوطن يصبح رمزا للوطن، وهكذا فالوطنية عندهم وثن يعبد من دون الله، وعلى هذا فأول ما يحارَب باسم الوطنية الإسلام وتطبيق أحكامه، فالوطنية تتناقض مع قولنا (الله أكبر)، فعندما لا يوافق ما جاء عن الله كهنة الوطنية يقدمونه على شرع الكبير سبحانه، وبذلك تكون المظاهرات وما يتبعها لا علاقة لها بالدين لا من قريب ولا من بعيد، وغالبا عندما يصل زعماء المظاهرات للكراسي فإنهم يحاولون إرضاء الغرب العلماني باسم الوطنية وعلى حساب شرع الله الحكيم.
  • معروف عن المظاهرات أنها قد تتنشر كالنار في الهشيم ومسرحها قد يتخطى حدود المدن إلى الدول خصوصًا أنها تنقل بالصوت والصورة وتُذْكِي نارها وكالات أنباء عالمية لأغراض فاسدة، ولهذا السبب تخاف الحكومات عندما تكون مظاهرات في دول مجاورة لها، فيتعاونون ويتكاتفون على كبت هذه المظاهرات ولو بالتنكيل بالناس وأخذهم بالشبهة وبالاعتقالات العشوائية المسعورة، فيحدث بذلك ظلم كبير وردة فعل من الناس وكره وتصادم مع السلطات وتنتشر الوشايات والرشوات ويزيد الفساد في المنظومة الأمنية عما كان عليه سابقًا.
  • عندما تشتد المظاهرات فإن أعداء الإسلام ليسوا بمنأى عنها بل يترقبونها ويتمنون خراب البلاد وانفلات الأمن، ثم يظهرون بمظهر المشفق على أرواح الناس وممتلكاتهم، وقبل ذلك حقوقهم وحرياتهم، مع العلم أنهم كانوا من أشد المساندين للنظام الذي تظاهر الناس ضده، ثم بعد ذلك يبحثون عمن يقدم لهم فروض الولاء والطاعة ويعطي تنازلات أكثر ويمكن لهم في القوانين ليعبثوا ها ويلوثنها بمزيد من العلمانية، كما أنهم لا ينسون الثروات وما هو نصيبهم منها، فتعقد الاجتماعات والاتفاقات ويكثر زوار السفارات ليلا، وكل واحد منهم يريد أن يخلف النظام (البائد) ويحافظ على حقوق الناس لا سيما الأقليات ، ويعمل إصلاحات خصوصًا في تنحية الشريعة عن حياة الناس، أو محاربتها إذا لزم الأمر، وبذلك يكون الخاسر الأكبر عامة الناس والمستضعفين منهم، والرابح الأكثر الأعداء وأذنابهم الذي يحسنون الركوع لهم وينفذون رغباتهم بالنيابة عنهم وباسم (الوطنية).
  • في حالة نجاح المظاهرات في التخلص من النظام (البائد)، فإن من ورثوا كرسيه، يرثون معه كم هائل من المشاكل المعقدة والمتشابكة والديون الثقيلة التي تتضخم تلقائيا بمرور الوقت لأن عليها (فوائد) ربوية،  وهذه المشاكل يحتاج إلى وقت وصبر، ولا ننسى أن زعماء المظاهرات قد وعدوا الشعب بالازدهار والتطور والقضاء على الفساد والجهل والفقر، ومحاربة الفساد والمفسدين لا سيما السابقين منهم، والتوزيع العادل للثروة، وأن الحكم للشعب، ولا سلطة فوق سلطة الشعب، والمصلحة الوطنية فوق الجميع وغيرها من الشعارات التي خدروا بها الناس رغبة في الوثوب على الكرسي وتسنم السلطة، ولكن تحقيق كل تلك الأحلام يحتاج إلى وقت وضبط ومال، والناس لا صبر لهم، يكفي أنهم صبروا سنين على النظام (البائد)، وهكذا يبدأ الحكام الجدد في البحث عن أي وسيلة لإسكات الناس بما فيها التنكيل بهم أشد مما كان عليه النظام (البائد)، وأما بالنسبة للمال فكهنة الربا يلوحون لهم من بعيد وهم في استعداد لوضع أغلال الربا في أعناقهم والتحكم والتدخل في البلد أكثر وأكثر، وإفقاره وتقييده بالديون التي لا تعطى إلا بمفاوضات وتنازلات وقبل ذلك فوائد ربوية فاحشة سدادها يحتاج إلى سنوات وسنوات، ومع الربا الفقر والتضييق على الناس في معيشتهم.
  • زعماء المظاهرات قبل وأثناء وبعد المظاهرات يعطون الضمانات والتعهدات بأن الدولة ستكون مدنية(وطنية) وليست دينية والمقصود طبعا طمأنة كهنة العلمانية في شأن تنحية الشريعة الإسلامية عن حياة الناس خصوصًا الحكم والقضاء وحتى الأحوال الشخصية، كما يؤكدون وبصوت مرتفع التزامهم بكامل الاتفاقيات والمعاهدات ولو كانت ظالمة-التي حصلت في عهد النظام (البائد) وأيضا تحمَّل الديون الربوية التي كانوا بالأمس يزعمون أن النظام (البائد) اقترضها وسرقها.

 وبهذا تنتهى رحلة المظاهرات بحرب على الشريعة أكثر، وولاء لأعداء الفضيلة أعظم، هذا إذا لم تنزلق البلاد في حرب لا تبقي ولا تذر، وتغرق البلاد في أنهار الدماء وانفلات الأمن، وانتشار النهب والسلب، والنزوح بالآلاف أو الملايين، عندها يجأر الناس بأعلى صوتهم أن النظام (البائد) كان أرحم، ويتمنون رجوعه على علّاته، وأن الذي حصل تغيير ولكن إلى الأسوأ، وأن وقود المظاهرات (الشعب) كانوا أول ضحاياها، وأعظم من اكتوى بنارها واصطلى بلظاها.

  • 3
  • 0
  • 784

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً