تأملات فى سورة الشرح

منذ 2022-11-23

هى سورة مكية  تدور حول محورين الأول  هو تعداد نعم الله على الرسول صلى الله عليه وسلم والمحور الثانى  ما يستوجب المحافظة على  النعم وحق شكرها

تأملات فى سورة الشرح :

هى سورة مكية  تدور حول محورين الأول  هو تعداد نعم الله على الرسول صلى الله عليه وسلم

والمحور الثانى  ما يستوجب المحافظة على  النعم وحق شكرها

وهى تكملة لسورة الضحى فى استعراض مظاهر العناية الإلهية بالنبى صلى الله عليه وسلم  فإذا كانت الضحى تتحدث عن النعم الحسية فإن الشرح تتحدث عن النعم المعنوية كما أن فيها بشرى باليسر والفرج لكل مكروب

قال تعالى :" {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} "  استفهام تقريرى يفيد التأكيد  وهو تذكير النبى بمنة الله عليه وفضله فى شرح صدره والشرح حدث فعليا للنبى فى ليلة الإسراء ةوالمعراج حين أخذه جبريل وشق صدره ليخرج منه حظ الشيطان ويملأه حكمة وعلم فهذا الشرح الحسى وهناك الشرح المعنوى بانبساطه وسعته ليخفف عنه أعباء الحياة وما يتكلفه من مشاق فى معاملة الناس وتحمل الايذاء فى سبيله  وهذه الآيات ليست للنبى صلى الله عليه وسلم فقط إنما لنا أيضا فمن شرح الله صدره يفتح له باب الإقبال على الطاعة  والتوفيق فى حياته والصبر على متاعب الحياة  فليست المنة أن تغيير العالم من حولك ولكن المنة الكبرى حقا أن تتغير أنت ويتسع صدرك لتسع من حولك

يقول ابن القيم :"  إن شرح الصدر له أسباب : فأعظمها توحيد الله عز وجل كلما عَظُمَ التوحيد زاد الانشراح والانبساط فعلى حسب كماله وقوته يكون انشراح الصدر وإن الشرك والضلال من أعظم اسباب ضيق الصدرقال الله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}  ....." الأنعام

ومنها: النورُ الذى يقذِفُه الله فى قلب العبد، وهو نورُ الإيمان، فإنه يشرح  الصدر ويُوسِّعه، ويُفرح القلبَ. فإذا فقد هذا النور من قلب العبد، ضاقَ وحرج، وصار فى أضيق سجن وأصعبه. وقد روى الترمذى فى جامعه عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: «إذا دَخَلَ النور القلبَ، انْفَسَحَ وانشرحَ . قالوا: وما عَلاَمَةُ ذَلِكَ يَا رسُولَ اللهِ؟ قال: "الإنَابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ، والتَجَافِى عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزوله» ."   فيُصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور

ومنها: العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتَّسع علمُ العبد، انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم، بل للعلم الموروث عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو العلمُ النافع، فأهلُه أشرحُ الناس صدراً منها: الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، فلا شىء أشرحُ لصدر العبد من ذلك. ومنها  دوامُ ذِكره على كُلِّ حال، وفى كُلِّ موطن، فللذِكْر تأثير عجيب فى انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثيرٌ عجيب فى ضِيقه وحبسه وعذابه. ومنها: الإحسانُ إلى الخَلْق ونفعُهم بما يمكنه من المال، والجاهِ، والنفع بالبدن كما أن منها تطهير القلب من أمراض القلوب من حسد وغل وحقد وغضب فإن صاحب هذه الصفات يعيش فى كدر وهم ولا ينعم  بحياته  "  بتصريف

يقول أهل التفسير" لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب؟ والجواب: لأن محل الوسوسة هو الصدر على ما قال: (يوسوس في صدور الناس) فإزالة تلك الوسوسة وإبدالها بدواعي الخير هي الشرح، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب" وقال ألم نشرح  ولم يقل ألم أشرح ؟ ( والجواب ) : إن حملناه على نون التعظيم ، فالمعنى أن عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة "

وفى قوله :" ووضعنا عنك وزرك : المقصود بالوزر  الذنب على الأرجح وقد ثبت بالآيات  أمر الله عزوجل للنبى بالاستغفار إذ يقول تعالى :" {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) } كما ثبت بالحديث  أن النبى كان يستغفر فى اليوم مائة مرة كما ورد بالحديث الصحيح وكان يدعو :"اللهم اغفر لى ذنبى كله سره وعلانيته ودقه وجله "وقوله :"  { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}

وفى قوله " {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } "  أى خففنا عنك ما تجد من عبء قد اثقل ظهرك  وبتوفيقك وتيسيرك للدعوة وبجعل كلامك سهلاً ليناً يدخل القلوب ويتسلل إلى النفوس فيعالج أدرانها ويطهرها من خبثها   

وتأمل معى كيف استشعر أحد الصالحين زياد بن حدير قال لحفص بن حميد اقرأ على فلما قرأ عليه:" {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) } "

فقال : يا بنَ أُمِّ زياد ، أنقضَ ظهرَ رسولِ الله ؟!!!

أي : إذا كان الوزرُ أنقضَ ظهرَ الرسولِ فكيفَ بك ؟!! فجعلَ يبكي كما يبكي الصبيُّ  فإذا كان هذا حال الصالحين فى  عصر قريب من النبى  فما بالك بحالنا نحن  الان ألا تستحق هذه الآية أن نقف عندها بقلوبنا

قوله تعالى :﴿ {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ﴾ إنه تفضل الله على النبى صلى الله عليه وسلم وبيان عظم مكانته عند ربه إذ رفع ذكره فى العالمين رفعه  فى الأرض فما ذكر اسم الله إلا وكان مقرونا به اسم النبى صلى الله عليه وسلم  ورفعة فى السماء بين الملائكة ورحلة المعراج تشهد على ذلك ورفع ذكره فى الآخرة بأنه جعله شفيعا لأمته فكل نبى يقول نفسى نفسى إلا النبى صلى الله عليه وسلم يقول أمتى أمتىو رفع ذكره بأخذ الميثاق له  على الأنبياء، وإلزامهم الإيمان به إذ يقول تعالى :"  {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ  قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي  قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81)}

ذكره فمهما نسجوا من شبهات وحججاً فاسدة  ليطفئوا نور الحق  فلن يستطيعوا  فمن رفعه الله من ذا الذى يستطيع أن يحط من شانه هذا بالنسبة للنبى صلى الله عليه وسلم وانت كلما رفعت من شأن النبى فى قلبك وقدمت طاعته على هوى نفسك ففيه رفعه لشأنك وعلو قدرك عند الله ومن علا قدره عند الله فما يضيره إذا كاد ت له الدنيا بما فيها  

وقوله {"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)"}

إذا تأملنا نجد أن العسر معرف واليسر نكرة وهو مكرر أى أنه  عسر  واحد بين يسرين و أن اليسر هو الأغلب فى  حياتنا أما الشدة والابتلاء تأتى على فترات  وليس بشكل دائم يقول الزحيلى : جعل الله تيسيرا ورحمة على العباد يسرين مع كل عسر، قال قوم: إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرّفا، ثم كرروه، فهو هو، وإذا نكّروه فهو غيره، وهما اثنان، ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر فما رواه الحاكم عن ابن مسعود مرفوعا: «لو كان العسر في حجر، لتبعه اليسر حتى يدخل فيه، فيخرجه، ولن يغلب عسر يسرين،

إنهاطمأنة لنفس النبى صلى الله عليه وسلم وتسرية عنه فإن العسر لا يخلو من يسر يصاحبه وإذا تأملنا تكرار الآية مرتين و الغاية منه وكأن النفس يصيبها اليأس من الفرج نتيجة لطول  البلاء فتأتى الآية الثانية لتمحو الوساوس التى قد تساور الإنسان وتحدثه هل من فرج مما أنا فيه ؟ مهما كانت الشدة فسيكون منها الفرج القريب كما أنها دعوة إلى النظر فى المنحة  التى تصحب المحنة  واللطف الذى يصحب أقدار  الله فإنه سبحانه لا يترك عبده يواجه المحن والبلايا وحده  فتجده يبشره بالخير ويبعث له الرسائل بقرب الفرج كما كانت هذه الآيات بشارة للنبى بتبديل حاله من الضعف إلى العزة والقوة ومن عداوة قومه إلى محبتهم وتخيل أن الله عزوجل هو الذى يبشر بالخير فماذا يريد الانسان أكثر  من ذلك ؟!

وأنت أيها المسلم  ما وقع هذه الآيات عليك هل استشعرتها بقلبك استشعرت فضل الله عليك ومنته يوم أن أعطاك كذا وكذا كم مرة كنت فى ضيق وكدر فتلفت يمياً ويسارفلم تجد إلا الله عزوجل بجوارك وقد تخلى عنك الصاحب والقريب ؟

أتذكر يوم أن أخرجك من ظلمات المعاصى والذنوب ومن عليك بالهداية وأرشدك إليه ودلك عليه

أتذكرين يوم أن دعوتيه بالولد وقد مرت سنوات ولم تنجبى فإذا به يعيد إليك الأمل وأنك ستصبحين أم

هل تذكر يوم أن آذاك الناس وسخروا من تدينك فأواك وأيدك بصحبة صالحة تعينك على أمر دينك وقد ثبت قلبك على الطاعة متى تخلى عنك ونسيك أيها العبد الآبق ؟!

 لم يتخل عنك يوما فهل سيتخلى عنك هذه المرة ؟ أمازلت يائساً وقانطاً من رحمته ؟ انظر لمن حولك من كملت له حياته هذا عنده الولد ولكنه فقير وهذا عنده المال وليس عنده الصحة التى ينفق فيها المال وهذه تتمنى أن تتزوج  وتلك لها زوج ولكنه سبب شقائها وهكذا فالنعيم والسعادة الكاملة لا تُدرك إلا فى الجنة وإن كان الكمال غاية وهدفاً فلما لم تكمل حياة الأنبياء ويرزقهم كل ما يتمنونه أو أن  يعيشوا ملوك الأرض تدين لهم الدنيا بالولاء والطاعة ولكن الذى حدث هو العكس كانوا أكثر الناس وأشدهم ابتلاءً رضوا من الدنيا بالكفاف ورغم ذلك كانوا أسعد الناس لقرب صلتهم بالله ولعلمهم أن الدنيا إلى فناء فاشتروا الباقى وزهدوا فى الفانى وأنت عندك من نعيم الدنيا الكثير ولكنك تظل حزينا على الجزء المفقود أليس هذا شيئا يدعو إلى العجب ؟

إنما الدنيا  اختبار.....اختبار لثباتك مع الله فإذا سلمت لقدرك وأيقنت أنه من عند الله وأنه لا يريد بك إلا الخير حينها تكون قد نحجت فى الامتحان اختبار لحسن ظنك به هل بعد أن سلبت منك النعمة وابتليت بكذا وكذا هل مازلت تحبه وتحمده على ما عندك من نعم ؟أعلم ان جحود النعم لا ينقص من ملك الله شيئا أنت فقط الخاسر الوحيد إن لم تحمد الله بقلبك على كل حال

وفى قوله " {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7)} " فإذا فرغت من شواغل الحياة الدنيا توجه بقلبك إلى الله انصب قدميك فى محراب العبادة والتجرد لله وهذه الآية تدل على ان المؤمن لا ينبغى له أن يفرغ بل عليه أن يستمر في العمل الصالح والخير والمثابرة على الطاعة فإن انتهى من عمل انشغل بآخر  صدقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" «اغتنم خمسا قبل خمسا شبابك قبل هرمك وصحتك قبل مرضك» " وقال بعض الصالحين: "كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس ولا يرضون إلا بالزيادة من عمل الخير  " فهل تدبرنا فاغتنمنا ما بقى من العمر ؟

وقوله " {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} " ارغب فى ما عند الله واجعل الله عزوجل غايتك من كل عمل وانشغل بما يرضيه

وتقديم الجار والمجرور دليل الحصر  فلا ترغب في شىء سواه فكل ما دون الله يخذلك ولا تطلب أجرا إلا منه وهى  دعوة إلى الإخلاص لله فهو وحده صاحب الإنعام والفضل عليك  

قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الرغبة في الله، وإرادةُ وجهه، والشوقُ إلى لقائه، فهي رأس مال العبد، وملاكُ أمره، وقوامُ حياته الطيبة، وأصلُ سعادته وفلاحه ونعيمه، وقرةُ عينه، ولذلك خلق، وبه أُمِرَ، وبذلك أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ولا صلاح للقلب ولا نعيم إلا بأن تكون رغبته إلى الله عز وجل وحده، فيكون هو وحده مرغوبه ومطلوبه ومراده، كما قال الله تعالى: { {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} }[الشرح: 7، 8]"

إن سورة الشرح فيها من الدلالات والمعانى الكثير التى نسأل الله أن نستشعرها بقلولبنا ونكون أهلاً للعمل بها

  • 4
  • 0
  • 2,813

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً