التاريخ الإسرائيلي في فلسطين
إن علاقة الإسرائيليين بأرض فلسطين أيام يشوع، لم تتعد قيامهم بعملية تخلل لبعض أجزائها، وتمكنهم من العيش وسط شعوبها، وكان على الإسرائيليين بعد يشوع أن يستمروا في أعمال الحرب ضد الشعوب الفلسطينية، حتى ترسخ أقدامهم
مقدمة:
يقول جيمس باركس في كتابه: تاريخ الشعب اليهودي: "لا يمكن القول بأن تاريخ اليهود هو تاريخ عنصر من العناصر البشرية، ذلك أن اليهود لم يكونوا من أصل نقي منذ بدء تاريخهم، كما أنهم في شتاتهم بين الأمم اكتسبوا منها كثيرًا من الخواص الجسمانية والنفسية والذهنية، ومن الخطأ الاعتقاد بأنهم لم يقبلوا متهودين من عقائد وأجناس أخرى.
ولقد كانت المجموعات المختلفة من اليهود - في الواقع - أجزاءً من مختلف الحضارات والثقافات"[1].
وينقسم التاريخ الإسرائيلي بفلسطين إلى المراحل الآتية:
إسرائيل تحت قيادة موسى ويشوع:
أخرج موسى بني إسرائيل من مصر وعبر بهم سيناء في طريقه إلى فلسطين، حتى يجد لهم بين ربوعها مكانًا آمنًا ينعمون فيه بحرية العقيدة، فيعبدون الإله الواحد، إله آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
لكن ما أن عرف الإسرائيليون أن عليهم اقتحام فلسطين بالقوة، حتى تذمروا على الله وعلى نبيه، فسخط الله عليهم وشرَّدهم في البرية أربعين عامًا، يتيهون بين الفيافي والقفار، حتى يفني ذلك الجيل المتقاعس:
"وكلم الرب موسى وهارون قائلاً: حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة والمتذمرة عليّ، قد سمعت تذمر بني إسرائيل الذي يتذمرونه عليّ، قل لهم: لأفعلن بكم كما تكلمتم في أذني، في هذا القفر تسقط جثثكم..، لن تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لأسكنكم فيها، ما عدا كالب بن يفنه ويشوع بن نون، وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمة، فإني سأدخلكم فيعرفون الأرض التي احتقرتموها..، تحملون ذنوبكم أربعين سنة، فتعرفون ابتعادي، أنا الرب قد تكلمت: لأفعلن هذا بكل هذه الجماعة الشريرة المتفقة عليّ؛ عدد 14: 26 - 35.
بل إن موسى نفسه قد حرمت عليه أرض فلسطين، فلم يحظ منها ولو بموطئ قدم، وكان في يوم وفاته أن قال له الله: «اصعد إلى جبل عباريم الذي في أرض موآب، وانظر أرض كنعان من قبالتها، ولكنك لا تدخل إلى هناك؛ تثنية 32: 49 - 52.
"وكان بعد موت موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً، موسى عبدي قد مات، فالآن قم اعبر هذا الأردن أنت وكل الشعب إلى الأرض..، تشجع جدًّا؛ لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي..، لا ترهب ولا ترتعب؛ يشوع 1: 1 - 9.
ولقد استطاع يشوع أن يقود القبائل الإسرائيلية، ويقتحم بها بعض الأجزاء الشرقية والجنوبية من فلسطين، ويستولي على بعض المدن؛ مثل: أريحا، وعاي.
وتقول الأسفار: إن عملية الغزو المسلح هذه على يد يشوع، قد صاحبتها معجزات حين استخدم «تابوت عهد الرب» وَفق طقوس خاصة.
«قال يشوع للشعب: تقدَّسوا؛ لأن الرب يعمل غدًا في وسطكم عجائب، وقال يشوع للكهنة: احملوا تابوت العهد، واعبروا أمام الشعب؛ يشوع 3: 5 - 6.
وكان من عادة الإسرائيليين حين يقتحمون إحدى المدن أن يوقعوا بها القتل والتخريب، ويسوقوا الموت لكل نفس حية، حتى البهائم والأطفال.
فعلوا ذلك بأريحا، فقد صعد الشعب إلى المدينة، كل رجل مع وجهه، وأخذوا المدينة وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف..، وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، إنما الفضة والذهب، وآنية النحاس والحديد، جعلوها في خزانة بيت الرب.
وحلف يشوع في ذلك الوقت قائلاً: ملعون قدام الرب الرجل الذي يقوم ويبني هذه المدينة أريحا؛ يشوع 6: 20 - 26.
وبالمثل فعل الإسرائيليون بعاي:
«وكان لما انتهى إسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل بحد السيف حتى فنوا، أن جميع إسرائيل رجع إلى عاي وضربوها بحد السيف، فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء اثنى عشر ألفًا جميع أهل عاي.
لكن البهائم وغنيمة تلك المدينة، نهبها إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي أمر به يشوع، وأحرق يشوع عاي، وجعلها تلاًّ أبديًّا خرابًا إلى هذا اليوم.
وملك عاي علقه على الخشبة إلى وقت المساء، وعند غروب الشمس أمر يشوع، فأنزلوا جثته عن الخشبة، وطرحوها عند مدخل باب المدينة؛ يشوع 8: 24 - 29.
وفعل الإسرائيليون نفس الشيء بكل أعدائهم الذين تمكَّنوا منهم:
«وكان لما أخرجوا أولئك الملوك إلى يشوع، دعا كل رجال إسرائيل، وقال لقواد رجال الحرب الذين ساروا معه: تقدموا وضعوا أرجلكم على أعناق هؤلاء الملوك، فتقدموا ووضعوا أرجلهم على أعناقهم، فقال لهم يشوع: لا تخافوا ولا ترتعبوا، تشددوا وتشجعوا؛ لأنه هكذا يفعل الرب بجميع أعدائكم الذين تحاربونهم.
وضربهم يشوع بعد ذلك وقتلهم وعلَّقهم على خمس خشبٍ.
وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم وضربها بحد السيف، وحرم ملكها هو وكل نفس بها، لم يُبق شاردًا، وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا.
ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى لبنة، فضربها بحد السيف وكل نفس بها لم يُبق بها شاردًا، وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا.
ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها، وضربها بحد السيف وكل نفس بها حسب كل ما فعل بلبنة .........
فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح، وكل ملوكها لم يُبق شاردًا، بل حرم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل؛ يشوع 10: 24 - 40.
لكن كثيرًا من المدن الهامة استعصت على الإسرائيليين، ومن بينها مدينة يبوس التي استولى عليها داود بعد ذلك بنحو مائتين وخمسين عامًا، واتخذها عاصمة له:
«أما اليبوسيون الساكنون في أورشليم، فلم تقدر بنو يهوذا على طردهم، فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم؛ يشوع 15: 63.
لكنا نقرأ بعد ذلك في الأسفار أن مدينة يبوس كانت غريبة تمامًا بالنسبة للإسرائيليين، ولم تكن لهم فيها موضع قدم إلى أن جاء داود:
«وفيما هم عند يبوس، قال الغلام لسيده: تعال نمل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده: لا نميل إلى مدينة غريبة؛ حيث ليس أحد من بني إسرائيل هنا، نبيت في جبعة أو الرأمة؛ فضاة 19: 11 - 13.
وعلى كلٍّ، فإن علاقة الإسرائيليين بأرض فلسطين أيام يشوع، لم تتعد قيامهم بعملية تخلل لبعض أجزائها، وتمكنهم من العيش وسط شعوبها، وكان على الإسرائيليين بعد يشوع أن يستمروا في أعمال الحرب ضد الشعوب الفلسطينية، حتى ترسخ أقدامهم، وينجز كل سبط من أسباط إسرائيل مهمة الغزو التي حددها يشوع بالقرعة لكل منهم.
وكان قبل موت يشوع أن دعا جميع إسرائيل وشيوخه ورؤسائه وقضاته وعرفائه، وقال لهم: أنتم قد رأيتم كل ما عمل الرب إلهكم بجميع أولئك الشعوب من أجلكم؛ لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم.
وانظروا قد قسَمت لكم بالقرعة هؤلاء الشعوب الباقين، ملكًا حسب أسباطكم.
الرب إلهكم هو ينفيهم من أمامكم، ويطردهم من قدامكم، فتملكون أرضهم كما كلمكم الرب إلهكم، فتشددوا جدًّا؛ لتحفظوا وتعملوا كل المكتوب في سفر شريعة موسى.
ولكن إذا رجعتم ولصقتم ببقية هؤلاء الشعوب، أولئك الباقون معكم وصاهرتموهم، ودخلتم إليهم وهم إليكم، فاعلموا يقينًا أن الرب إلهكم لا يعود يطرد أولئك الشعوب من أمامكم، فيكونون لكم فخًّا وشركًا وسوطًا، حتى تبيدوا عن تلك الأرض الصالحة.
لم تسقط كلمة واحدة من جميع الكلام الصالح الذي تكلم به الرب عنكم.
ويكون كما أنه أتى عليكم كل الكلام الصالح الذي تكلم به الرب إلهكم عنكم، كذلك يجلب عليكم الرب كل الكلام الرديء، حتى يبيدكم عن هذه الأرض الصالحة، حينما تتعدون عهد الرب إلهكم الذي أمركم به، وتسيرون وتعبدون آلهة أخرى؛ يشوع 23.
وتبرز هنا نقطتان هامتان:
الأولى: أن إقامة الإسرائيليين بفلسطين مرتبطة منذ بدئها بصدق العقيدة وحسن السلوك، حتى إذا ما نقضوا العهد، وانحرفوا عن الصراط المستقيم، أنزل الله بهم غضبه، واقتلعهم من الأرض، وجعلهم هزوًا بين الشعوب، ومثلاً سيئًا.
الثانية: أنه بصرف النظر عما يقال في حقيقة مفهوم الوعد الإلهي لإبراهيم، وفي أبنائه الذين يحق لهم اقتسام ميراثه في كل صوره الروحية والمادية - وحتى لو سلمنا جدلاً - أن أولئك الأبناء هم بنو إسرائيل وحدهم، وأسقطنا مَن عاداهم من ذرية إبراهيم، لوجدنا من كلام يشوع أن الوعد الإلهي قد تحقق في أيامه وانتهى الأمر:
«لم تسقط كلمة واحدة من جميع الكلام الصالح الذي تكلم به الرب عنكم، الكل صار لكم»، وما على الإسرائيليين منذ أيام يشوع حتى أيام المسيح إلا أن يعلموا كما قال لهم يسوع:
«بالكيل الذي تكيلون يكال لكم»، أو كما قال لهم يشوع: كما أنه أتى عليكم الكلام الصالح، وهكذا يجلب عليكم الرب كل الكلام الرديء؛ حتى يبيدكم عن هذه الأرض الصالحة حينما تتعدون عهد الرب إلهكم».
ثم جاء المسيح وكان بينهم وبينه ما كان وقد عرَفنا - مما سبق - نذيره إليهم بنزع ملكوت الله منهم وإعطائه لأمة تعمل أثماره، فلم يبق لهم بعد ذلك أن ينتظروا تحقيق وعود.
[1] المرجع 19 ص 7.
- التصنيف: