الحاجة إلى العلم

منذ 2022-12-11

تفضيلِ العلْمِ وأَهْلِهِ: أَنَّهُ سبحانه نَفَى التسْويَةَ بَيْنَ أَهْلِهِ وبينَ غَيْرِهِمْ كما نفى التسويةَ بين أصحاب الجنة وأصحاب النار.

قَالَ ابنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:

الأَصْلُ الأولُ فِي الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَبَيَانِ عُمُومِ الْحَاجَةِ إِليهِ وَتَوَقُّفِ كَمَالِ الْعبدِ ونَجَاتِهِ في مَعِاشِهِ وَمَعادِهِ عليهِ.

 

قَالَ اللهُ تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، استشْهدَ سبحانه بأولي العلمِ على أَجَلِّ مَشْهودٍ عَلَيْهِ وَهُو توحيدُهُ، فقَالَ: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُو الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ}، وَهَذا يدلُّ على فضْلِ الْعِلْمِ وأهلِهِ مِنْ وُجوِهٍ، أَحدُها: استشهادُهُمْ دُونَ غَيْرِهمْ من الْبَشَر.

 

والثاني: اقترانُ شهادَتِهِمْ بِشَهَادِتِهِ.

 

والثالثُ: اقترَانُها بشهادَةِ مَلائِكتِهِ.

 

والرابعُ: أنّ في ضِمْنِ هذا تزْكِيَتَهُمْ وَتَعْدِيلَهُمْ، فإنّ اللهَ لا يستشْهِدُ من خلقِهِ إلا العُدولَ، ومنْهُ الأثَرُ الْمَعْرُوفُ عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَحْمِلُ هذا الْعِلْمَ مِنْ كلِّ خَلَفِهِ عُدُوله ينفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغالين وانْتِحَالَ الْمُبْطِلينَ وَتَأويلَ الْجَاهِلين».

 

والْخَامِسُ: أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهمْ أَوْلَي الْعِلْمِ، وهذا يدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِمْ بهِ، وَأَنهُمْ أَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ لَيْسَ بِمُسْتَعَارٍ لَهُمْ.

 

السَّادِسُ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتشهد بنفسِهِ، وَهو أجلُّ شاهدٍ ثُمْ بِخِيارِ خلقِهِ، وهم ملائكتُهُ والْعلماءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَكْفِيهِمْ بِهَذَا فَضْلاً وَشَرفًا.

 

السَّابعُ: أَنَّهُ اسْتَشْهَدَ بِهمْ على أجَلِّ مشهودٍ بِهِ وَأَعظمِهِ وَأَكْبرهِ، وَهو شهادةُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ والعَظِيمُ الْقَدْرِ إِنَّما يَسْتَشْهِدُ عَلى الأمرِ العظيمِ أكابِرَ الْخَلْقِ وَسَادَاتِهمْ.

 

الثامِن: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْمنكِرِينَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَدِلَّتِهِ وآيَاتِهِ وَبَرَاهِينِهِ الدَّالة على توحيدِهِ.

 

التاسع: أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَفردَ الْفعلَ الْمُتضمنَ لِهَذِهِ الشَّهادَةِ الصَّادرةِ منهُ ومِنْ مَلائكتِهِ، وَمِنْهُمْ وَلَمْ يعطِفْ شهادَتَهُمْ بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرَ شِهادتِهِ.

 

وهذا يدلُ على شدةِ ارتباطِ شهادتِهمْ بشهادِتِهِ، فكأنَّهُ سُبْحانَه شَهِدَ لنفْسِهِ بَالتَّوْحِيدِ على ألسِنَتهِمْ وأنْطَقَهُمْ بِهَذِهِ الشَّهْادةِ، فَكَانَ هو الشاهدّ بِها لِنَفْسِهِ إِقامَةً وَإِنْطَاقًا وَتَعْلِيمًا وَهُمْ الشَّاهِدُونَ بِهَا لَهُ إقْرارًا واعْتِرَافًا وَتَصْدِيقًا وَإِيمَانًا.

 

العاشرُ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُمْ مؤدّينَ لحقِّهِ عندَ عبادِهِ بهذهِ الشهادةِ، فَإِذَا أدَّوْهَا فَقَدْ أدَّوْا الحقَّ المشهودَ بِهِ، فَثبتَ الحقُّ المشهودُ بِهِ، فَوَجَبَ عَلى الْخَلْقِ الإقرارُ بِهِ، وَكَانَ ذلك غايةَ سَعَادَتِهمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَكلُّ مَنْ نالهُ الْهُدَى بشهادتِهم، وَأقرَّ بهذا الحقِّ بسببِ شهادتِهم، فلهُمْ مِنَ الأَجْرِ مثلُ أَجْرِهِ أَيْضًا فَهِذِهِ عَشرةَ أوجُهٍ في هذه الآيةِ.

 

الحادي عَشَرَ: في تفضيلِ العلْمِ وأَهْلِهِ أَنَّهُ سبحانه نَفَى التسْويَةَ بَيْنَ أَهْلِهِ وبينَ غَيْرِهِمْ كما نفى التسويةَ بين أصحاب الجنة وأصحاب النار.

 

فقَالَ تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، كما قَالَ تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20]، وَهَذا يَدُلُّ عَلى غايةِ فَضْلِهِمْ وَشَرَفِهِمْ.

 

الوجهُ الثاني عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ أَهْلَ الْجَهْلِ بِمَنْزِلَةِ الْعُمْيانِ الذينَ لا يُبْصِرونَ فقَالَ: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19]، فَمَا ثَمَّ إِلا عَالِمْ أَوْ أَعْمَى وَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانَه أَهْلَ الْجَهْلِ بأنَّهمْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ في غير مَوْضِعٍ مِنْ كتابِهِ.


شعرًا:

مَا أَقْبَحَ الْجهْلَ يُبْدِي عَيْبَ صَاحِبهِ   ***   لِلنَّاظِرين وعن عَيْنَيْهِ يُخْفِيــــــيهِ 

كَذَالِكَ الثُومُ لا يَشْمُمْهُ آكِلُـــــــــــهُ   ***   والناسُ تَشْتَمُّ نَتَنَ الرِّيحِ مِنْ فِيـهِ 

 

الوجهُ الثالثَ عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخبَرَ عَنْ أُولي الْعِلْمِ بَأنَّهُمْ يَرَوْن أنَّ مَا أُنْزِلَ إليهِ مِنْ رَبِّهِ حَقٌّ وَجَعل هذا ثَنَاءً عَلَيْهِمْ وَاسْتِشْهَادًا بهم. فقَالَ تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6].

 

الوجهُ الرابعَ عَشَرَ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِسُؤالهِمْ والرجوعِ إِلى أقْوَالِهمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ مِنْهُمْ. فقَالَ: {مَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، وَأَهْلُ الذَّكْرِ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ.

 

الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ شَهِدَ لأَهْلِ الْعِلْمِ شَهَادَةً في ضِمْنِهَا الاسْتِشْهادُ بِهِمْ عَلى صِحَّةِ ما أَنْزَلَ اللهُ على رَسولِهِ فقَالَ تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الأنعام: 114].

 

الوجهُ السادسَ عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ سَلَّى نَبيَّهُ، بإيمانِ أهلِ الْعِلْمِ به وَأمَرَهُ أَنْ لا يَعْبَأ بَالجْاَهِلِينَ شَيْئًا. فقَالَ تَعَالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} [الإسراء: 106 - 108]، وهذا شَرَفٌ عظيمٌ لأهْلِ الْعِلْمِ وَتَحْتَه أنَّ أَهْلَهُ الْعَالِمُونَ قَدْ عَرَفوهُ وآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا فَسواءٌ آمنَ بِهِ غيرُهُم أوْ لا.


الوجهُ السابعَ عَشَرَ: أنهُ سُبْحَانَهُ مَدَحَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَشَرَّفَهُمْ بَأنْ جَعَلَ كِتَابَهُ آياتٍ بَيْناتٍ فِي صُدورِهِمْ وَهَذِهِ خاصةٌ وَمَنْقَبَةٌ لَهُمْ دَوُنَ غَيْرِهِمْ. فقَالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} [العنكبوت: 47]، {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: 48، 49].

 

وَسَواء كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُسْتَقِرٌ فِي صُدُوِرِ الذين أوتوا الْعِلْمَ ثابتٌ فِيهَا مَحْفوظٌ، وَهَو في نفسِهِ آياتٌ بيناتُ، فيكونُ أَخبَرَ عَنهُ بَخَبَرَيْنِ، أَحدُهُمَا: أنه آياتٌ بيناتٌ، الثاني: أنهُ محفوظٌ مُسْتَقرٌّ ثَابتٌ في صدورِ الذين أوتوا العلمَ، أو كان الْمَعْنَى أَنَّهُ آيات بينات في صدورهم؛ أي كونُه آياتٍ بيناتٍ مَعْلومٌ لَهمْ ثابتٌ في صدورِهِمْ، والْقَوْلانِ مُتَلازِمانِ لَيْسَا بمُخْتَلِفَيْن، وَعلى التَّقْدِيرَيْنِ فَهوَ مَدْحٌ لَهُمْ وَثَنَاءُ عليهم في ضِمْنِهِ الاستشهادُ بِهمْ فتأمَّلْهُ.

 

الوجهُ الثامنَ عَشَرَ:أنهُ سُبْحَانَهُ أمرَ نَبيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ مَزِيدَ الْعِلْمِ فقَالَ تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وَكَفَى بِهَذَا شَرفًا لِلْعِلْمِ أَنْ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزيدَ مِنْهُ، اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعْنَا وَانْفَعْنَا وَارْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا.

 

شعرًا:

الْعِلْمُ مُبْلِغُ قَوْمٍ ذُرْوَةَ الشَّـــرَفِ   ***   وَصَاحُب الْعِلْمِ مُحْفُوظٌ مِن التَّلَفِ 

يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ مَهْلاً لا تُدَنّسَهُ   ***   بَالْمُوبِقَاتِ فَمَا لِلْعِلْمِ مِنْ خَلَـــــــفِ 

الْعِلْمُ يَرَفَعُ بَيْتًا لا عِمَادَ لَـــــــهُ   ***   وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ الْعِزِّ والشَّـــرَفِ 



الوجهُ التاسِعَ عَشَرَ: أنهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ رَفْعِهِ دَرَجاتِ أهلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ خَاصَّةً. فقَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11].


قَصِيدةٌ في الْحَثِّ على طَلَبِ الْعِلْمِ:

يَا تَارِكًا لِمَرَاضِي اللهِ أَوْطَانًــــــــــــــا   ***   وَسَالِكًا فِي طَرِيقِ الْعِلْمِ أَحْزَانَــــــــــــــــــا 

كُنْ باذِلَ الْجدِّ فِي عِلْم الحديثِ تَنَــلْ   ***   كُلَّ الْعُلومِ وَكُنْ بالأَصْلِ مُشْتَانَــــــــــــــــا 

فَالْعِلْمُ أَفْضَلُ مَطْلُوبٍ وَطَالبُــــــــــــهُ   ***   مِنْ أَكَمْلِ النَّاسِ مِيزَانًا وَرُجْحَانَــــــــــــــا 

وَالْعِلْمُ نُورٌ فَكُنْ بَالْعِلْمِ مُعْتَصِمًـــــــــا   ***   إِنْ رُمْتَ فَوْزًا لَدَى الرَّحْمَنِ مَوْلانَـــــــــــــا 

وَهُوَ النَّجَاةِ وَفِيهِ الْخَيْرِ أَجْمَعَــــــــــهُ   ***   وَالْجَاهِلُونَ أَخَفَّ النَّاسِ مِيزَانَــــــــــــــــا 

وَالْعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا كَانَ مُنْخَفِضًـــــــــــا   ***   وَالْجَهْلُ يَخْفِضُهُ لَوْ كَانَ مَا كَانَـــــــــــــــا 

وأرفعُ الناسِ أهلُ الْعِلْمِ مَنْزِلـــــــــــــةً   ***   وَأَوْضَعَ النَّاسِ مَنْ قَدْ كان حَيْرَانَـــــــــــا 

لا يَهْتَدِي لِطَرِيقِ الْحَقِّ مِنْ عَمَـــــــــــهٍ   ***   بَلْ كَانَ بِالَجَهْلِ مِمَّنْ نَال خُسْرانَـــــــــــا 

تَلقاهُ بَيْنَ الوَرَى بالْجَهْلِ مُنْكَسِـــــــــرًا   ***   لا يَدْرِ مَا زَانَهُ في النَّاسِ أَوْ شَانَــــــــــــا 

وَالْعِلْمُ يَرْفَعُهُ فَوْقَ الْوَرَى دَرَجَـــــــــــا   ***   وَالنَّاسُ تَعْرفُهُ بالْفَضْلِ إِذْ عَانَـــــــــــــــا 

وَطَالبُ العِلمِ إِنْ يَظْفَرْ بِبُغْيَتِـــــــــــــهِ   ***   يَنَالُ بالعلمِ غُفْرانًا وَرِضْوَانَـــــــــــــــــــا 

فَاطْلُبْهُ مُجْتَهِدًا مَا عِشْتَ مُحْتَسِبًــــــا   ***   لا تَبْتَغِي بَدَلًا إِنْ كُنْتَ يَقْظَانَـــــــــــــــــا 

مَنْ نَالَهُ نَالَ فِي الدَّارَيْنِ مَنْزِلَــــــــــــةً   ***   أَوْ فَاتَهُ نَالَ خُسرانًا وَنُقْصَانَـــــــــــــــــا 

وَبَاذِلُ الْجِدِّ فِي تَحْصِيلِهِ زَمَنًــــــــــــا   ***   وَلَمْ يَكنْ نَالَ بَعْدَ الْجِدِّ عُرْفَانَـــــــــــــــا 

فَلَنْ يَضِيعَ لَهُ سَعْيٌّ وَلا عَمَــــــــــــــلٌ   ***   عِنْدَ الإِلَهِ وَلا يُولِيهِ خَسْرَانَـــــــــــــــــــا 

فَطَالِبُ الْعِلْمِ إِنْ أَصْفَى سَريرَتَـــــــــهُ   ***   يَنَالُ مِنْ رَبِّنَا عَفْْوًا وَرِضْوَانَــــــــــــــــــا 

فَالْعِلْمُ يَرْفَعُ فِي الْخُلْدِ مَنْزِلَــــــــــــــةً   ***   وَالْجَهْلُ يُصْلِيهِ يَوْمَ الْحَشْرِ نِيرَانَـــــــــا 

والْجَهْلُ في هذِهِ الدُّنْيَا يَنْقُصْـــــــــــهُ   ***   وَالْعِلمُ يَكْسُوهُ تاجَ الْعِزِّ إِعْلانَــــــــــــــا 

وَإِنْ تُرِدْ نَهْجَ هذا الْعِلْمِ تَسْلُكُــــــــــــهُ   ***   أَوْ رُمْتَ يَوْمًا لِمَا قَدْ قُلْتَ بُرْهَانَـــــــــــا 

فَألْقِ سَمْعًا لِمَا أُبْدِي وَكُنْ يَقْظًـــــــــــا   ***   وَلا تَكُنْ غَافِلًا عَنْ ذَاكَ كَسْلانَــــــــــــــا 

قَدْ أَلَّفَ الشَّيْخَ فِي التَّوْحِيدِ مُخْتصَرًا   ***   يَكْفِي أَخَا اللُبِّ إِيضَاحًا وَتِبْيَانَـــــــــــــا 

فِيهِ الْبيانُ لتَوْحِيدِ الإِلهِ بِمــــــــــــــــا   ***   قَدْ يَفْعَلُ الْعَبْدُ لِلطَّاعاتِ إِيمِانَــــــــــــــا 

حُبًّا وَخَوْفًا وَتَعْظِيمًا لَهُ وَرَجَـــــــــــــا   ***   وَخَشْيَةً مِنْهُ لِلرَّحْمَنِ إذْعَانَــــــــــــــــــا 

كَذَاكَ نَذْرًا وَذَبْحًا وَاسْتَغَاثَتُنَـــــــــــــا   ***   والاستعانةُ بالْمَعْبُودِ مَوْلانَـــــــــــــــــــا 

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يَفْعَلُـــــــــــــــــــهُ   ***   للهِ مِنْ طَاعَةٍ سِرًّا وَإِعْلانَـــــــــــــــــــــا 

وَفِيهِ تَوْحيدُنَا رَبَّ الْعِبَادِ بِمَـــــــــــــا   ***   قَدْ يَفْعَلُ اللهُ أَحْكَامًا وَإِتْقَانًــــــــــــــــــا 

خَلْقًا وَرِزْقًا وَإِحْيَاءً وَمَقْــــــــــــــدُرةً   ***   بالاخْتِرَاعِ لِمَا قَدْ شَاءَ أَوْ كَانَـــــــــــــــــا 

وَيَخْرُجُ الأمرُ عَنْ طَوْقِ الْعَبادِ لَـــــــهُ   ***   وَذَاك مِنْ شَأْنِهِ أَعْظِمْ بهِ شَانَــــــــــــــــا 

وَفِيهِ تَوْحِيدُنَا الرَّحْمَنَ أَنَّ لَـــــــــــــهُ   ***   صِفَاتِ مَجْدٍ وَأسْمَاءً لِمَوْلانَــــــــــــــــــا 

تِسْعٌ وَتَسعُونَ اسْمًا غَيرَ مَا خَفِيـــــتْ   ***   لا يَسْتَطِيعُ لَهَا الإِنْسَانُ حُسْبَانَــــــــــــا 

مِمَّا بِهِ اسْتَأْثَرَ الرَّحْمَنُ خَالِقُنَــــــــــــا   ***   أَوْ كَانَ علَّمَهُ الرَّحْمَنُ إِنْسَانَــــــــــــــــــا 

نُمِرُّهَا كَيْفَ جَاءت لا نُكَيِّفْهَــــــــــــــا   ***   بَلْ لا نُؤَوِّلَهَا تَأْوِيلَ مَنْ مَانَــــــــــــــــــا 

وَفِيهِ تَبْيَانُ إِشْرَاكٍ يُنَاقُضُـــــــــــــــهُ   ***   بَلْ مَا يُنَافِيهِ مِنْ كُفْرَانِ مَنْ خَانَـــــــــا 

أَوْ كَانَ يَقْدَحُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ بِـــدَعٍ   ***   شَنْعاءَ أَحْدَثَهَا مَنْ كان فَتَّانَـــــــــــــــا 

أَوْ الْمَعَاصِي الَّتِي تُزْرِي بِفَاعِلِهَـــــــــا   ***   مِمَّا يُنَقِّصُ تَوْحِيدًا وَإِيمَانَــــــــــــــــــا 

فَسَاقَ أَنْوَاعَ تَوْحِيدِ الإِلهِ كَمَــــــــــــا   ***   قَدْ كانَ يَعْرفُهُ مِنْ كَانَ يَقْظَانَــــــــــــا 

وَسَاقَ فِيهِ الذي قد كان يَنْقُضُــــــــهُ   ***   لِتَعْرِفَ الْحقَّ بالأضْدَادِ إِمْعَانَـــــــــــــا 

مُضْمِّنًا كُلَّ بَابٍ مِنْ تَرَاجُمِـــــــــــــــهِ   ***   مِنْ النُّصوصِ آحَادِيثًا وَقُرْآنَـــــــــــــا 

فَالشيخُ ضَمَّنَهُ ما يَطْمَئِنَّ لَــــــــــــــهُ   ***   قَلْبُ الْمُوَحِّدِ إِيضَاحًا وَتِبْيَانَـــــــــــــا 

فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ فِي الأَصْلِ مُعْتَصِمًا   ***   يُورِثْكَ فِيمَا سِوَاهُ اللهُ عِرْفَانَــــــــــــا 

وَانْظُرْ بِقَلْبِكَ في مَبْنَى تَرَاجُمِــــــــهِ   ***   تَلقَى هُنالِكَ لِلتَّحْقِيقِ عُنْوَانَــــــــــــــا 

وَلِلْمَسَائِلِ فَانْظُرْ تَلْقَهَا حِكْـــــــــــــمً   ***   يَزْدَادَ مِنهنَّ أَهْلُ الْعِلْمِ إِتْقَانَـــــــــــــــا 

وَقُلْ جَزَى اللهُ شَيْخَ الْمُسْلِمِينَ كَمــا   ***   قَدْ شَادَ لِلْمِلَّةِ السَّمْحَاءِ أَرْكَانَـــــــــــــا 

فَقَامَ لِلَّهِ يَدْعُو النَّاسَ مُجْتَهِـــــــــدًا   ***   حَتَّى اسْتَجَابُوا لَهُ مَثْنَى وَوُحْدَانَـــــا 

وَوَحَّدُوا اللهَ حَقًّا لا شَرِيكَ لَــــــــــهُ   ***   مِنْ بَعْدِ مَا انْهَمَكُوا فِي الْكُفْرِ أَزْمَانَـــا 

وَأَصْبَحَ الناسُ بعدَ الْجَهْلِ قَدْ عَلِمُوا   ***   وَطَالَ مَا هَدَمُوا لِلدِّين بُنْيَانَـــــــــــــا 

وَأَظْهَرَ اللهُ هَذَا الدِّينَ وَانْتَشَــــــرَتْ   ***   أَحْكَامُهُ فِي الْوَرَى مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَــــا 

بَالْجَهْلِ وَالْكُفْرِ قَدْ أَرْسَتْ مَعَالِمُـــــهُ   ***   لا يَعْرِفُ النَّاسُ إِلا الْكُفْرِ أَزْمَانَــــــــــا 

يَدْعُونَ غَيْرَ الإِلِهِ الْحَقَّ مِنْ سَفَــــــهٍ   ***   وَيَطْلُبُونَ مِنَ الأَمْوَاتِ غُفْرَانَـــــــــــا 

وَيَنْسِكُونَ لِغَيْرِ اللهِ مَا ذَبَحُــــــــــوا   ***   وَيَنْذِرُونَ لَغَيْرِ اللهِ قُرْبَانَــــــــــــــــــا 

وَيَسْتَغِيثُونَ بَالأَمْوَاتِ إِنْ عَظُمَـــتْ   ***   وَأَعْضَلَتْ شِدَّةُ مِنْ حَادِثٍ كَانَــــــــــا 

وَيَنْدِبُونَ لَهَا زَيْدًا لِيَكْشِفَــــــــــــها   ***   بَلْ يَنْدِبُونَ لَهَا تَاجًا وَشُمْسَانَـــــــــــــا 

فَزَالَ ثَمَّ بِهَذَا الشَّيخِ حِينَ دَعَـــــا   ***   مَنْ صَدَّ أَوْ نَدَّ عَنْ تَوْحِيدِ مَوْلانَــــــــــا 

فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو وَلِيجَتَــــــهُ   ***   يَوْمًا بِنَجْدٍ وَلا يَدْعُونَ أَوْثَانَـــــــــــــــا 

بَلْ الدُّعَا كَلُّهُ وَالدِّينُ أَجْمعُـــــــــهُ   ***   للهِ لا لِسِوَى الرَّحْمَنِ إِيمَانَــــــــــــــــــا 

فَاللهُ يُعْلِيهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مَنْزِلَــةً   ***   فَضْلًا وَجُودًا وَتَكْرِيمًا وَإِحْسَانَـــــــــــا 

وَاللهُ يُولِيهِ أَلْطَافًا وَمَغْفِــــــــــرَةً   ***   وَرَحْمَةً مِنْهُ إِحْسَانًا وَرِضْوَانَـــــــــــــــا 

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى الْمَعْصُومِ سَيَّدِنَــا   ***   أَزْكَى الْبَرِيةِ إِيمَانًا وَعِرْفَانَــــــــــــــــــا 

مَا نَاضَ بَرْقٌ وَمَا هَبَّ النَّسِيمُ وَمَا   ***   مِسَّ الْحَجِيجُ لِبَيْتِ اللهِ أَرْكَانَــــــــــــا 

أَوْ قَهْقَهَ الرَّعْدُ فِي هَدْبَاءَ مُدْجِنَـةٍ   ***   أَوْ نَاحَ طَيْرٌ عَلَى الأَغْصَانِ أَزْمَانَـــــــــا 

وَلآلِ والصَّحْبِ ثُمَّ التَّابِعينَ لَهُـمْ   ***   عَلَى الْمَحَجَّةِ إِيمَانًا وَإِحْسَانَــــــــــــــــا

___________________________________________________________

 

الكاتب: الشيخ عبدالعزيز السلمان

  • 2
  • 0
  • 856

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً