استئناف العلاقات المصرية ـ الإيرانية.. بين الحقيقة والوهم

منذ 2011-08-19

ظلت مسألة استئناف العلاقات المصرية - الإيرانية لسنوات طويلة محلاً للخلافات والجدل بين النخبة السياسية في داخل مصر وخارجها، فبينما يرى البعض أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يمكن أن تكون ورقة رابحة لدعم المحور الإسلامي الجديد في الشرق الأوسط الذي من خلاله يمكن مواجهة التوسع الأمبريالي الأمريكي في المنطقة، وإحباط المحاولات "الإسرائيلية" لتكريس احتلالها للمناطق العربية؛ اعتبرها البعض الأخر بأنها ستكون أكثر خطورة على مصر وتعرضها لعزلة عربية قبل أن تكون دولية وأن خسائر استئناف تلك العلاقات ستكون أكبر من مكاسبها.

ويبدو أن ملامح هذا الجدل لم تتغير كثيراً منذ ثورة 25 يناير المجيدة، لكن الحديث عن استئناف العلاقات المصرية - الإيرانية بات أكثر توسعاً وعلانية وبدأ يحتل مكانة ملحوظة في الحديث عن السياسة الخارجية الجديدة المتبلورة لمصر.

صعود وهبوط:
على أية حال فقد شهدت العلاقات بين القاهرة وطهران منذ منتصف القرن العشرين حالات من الصعود والهبوط، ارتبطت فى بعض الأحيان بالعلاقات الشخصية بين الأسر الحاكمة في البلدين، حيث شهدت تلك العلاقات توطيداً كبيراً وملحوظاً منذ زواج الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، ملك مصر في الأربعينيات من القرن الماضي من نجل شاه إيران، ثم ما لبثت أن توترت تلك العلاقات بشدة بعد إنفصالهما، ثم تدهورت أكثر عقب ثورة 1952م في مصر بعد تعارض مصالح النظامين في كلا البلدين كانت "إسرائيل" فيها كلمة السر.

لكن العلاقات بين البلدين تم استئنافها بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وشهدت مرة أخرى تدعيماً قوياً خلال فترة حكم الرئيس أنور السادات، لكن انقطعت تلك العلاقات تماماً مع إنقلاب الخوميني في عام 1979م، خاصة بعد موافقة السادات على استضافة شاه إيران في مصر بعد إسقاطه، ودعم مصر للعراق في حربها ضد إيران التي استمرت ثمان سنوات.

هكذا ظلت العلاقات المصرية - الإيرانية جامدة لسنوات طويلة إلى أن جاء الرئيس أحمدي نجاد بعد توليه الرئاسة في طهران عام 2005م لتشهد العلاقات بين البلدين مزيد من التوتر والتدهور، انعكس من خلال الاتهامات التي وجهتها مصر لإيران بممارسة التشييع فى مصر ومحاولات إغراء الفقراء المصريين بالأموال لاعتناق التشيع إلى جانب إتهامها بالتجسس ودعم أنظمة إرهابية تعمل ضد مصر.
ورغم المحاولات العديدة التي بّذلت لاستئناف العلاقات بين القاهرة وطهران خلال حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، لكن باءت جميعها بالفشل خاصة وأن هذا النظام البائد كان يستخدمها كورقة مساومة وضغط على كل من "إسرائيل" والولايات المتحدة لتحقيق أغراض شخصية تخدمه هو ونظامه، هدفها في المقام الأول إجبار واشنطن على تجاهل انتهاكات نظامه ضد الشعب المصري وقمع حرياته، ومن ناحية أخرى ليثبت للمصريين بأن نظامه لا يزال قوياً وأنه قادر على وقف المخططات التوسعية الإيرانية في المنطقة.

التحول المصري:
لكن بعد سقوطه المدوي عقب ثورة 25 يناير اختلفت لغة الحديث المصرية مع إيران، بالرغم من عدم تغير الموقف المصري الرسمي حتى الآن، لكنها باتت أكثر انفتاحاً ومرونة نحوها وانعكس ذلك من خلال عدة تصريحات لوزير الخارجية المصري السابق نبيل العربى، وموافقة السلطات المصرية على عبور سفينتين حربيتين إيرانيتين عبر قناة السويس.
هذا التحول الشكلي فقط في الموقف المصرى حيال إيران بعد الثورة شجع طهران كثيراً للوقوف في مواجهة الغرب من ناحية، وشجعها أكثر على استفزاز دول الخليج العربى من ناحية أخرى، ولعل أبرز تلك الاستفزازات على الإطلاق إثارة إيران للقلاقل في مملكة البحرين من خلال تحريض الشيعة فيها على قلب نظام الحكم هناك.

في المقابل لاحظنا منذ اندلاع ثورة 25 يناير وجود إصرار إيراني على اجتذاب مصر لاستئناف العلاقات معها ومحاولة تحسين صورتها بين أبناء الشعب المصري، انعكس ذلك من خلال مواقف رسمية إيرانية مؤيدة للثورة المصرية وداعمة لمصر بعد سقوط نظام مبارك، وربما كان أبرزها خطاب علي خامنئ باللغة العربية الذي وجهه للشعب المصري قبل تنحي الرئيس مبارك لمغازلته واستقطابه، إلى جانب تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الداعية لاستئناف العلاقات مع القاهرة والمكاسب التي ستحققها الدولتين من التعاون المشترك بينهما، ومن بينها تصريحه الصادرة في 1/6/2011 الذي أكد فيه على أن التعاون بين مصر وإيران سيؤدي إلى بلورة قوة عظمى تجبر أعدائها والصهاينة على الهروب من المنطقة، كما أعرب الرئيس الإيراني عن استعداده للقبول فوراً لأية دعوة توجه له لزيارة مصر.

مؤامرات متشابهة:
هذا الموقف الإيراني المريب حيال تدعيم العلاقات مع مصر ما بعد الثورة يذكرنا بالموقف الصهيوني مع النظام المصري السابق، فكلاهما يستخدم الوسائل والأدوات ذاتها في التلاعب بمصر لتحقيق أغراضه الدنيئة ومخططاته الخبيثة، بما تخدم مصالحه فقط، وكل طرف يسعى لوضع مصر في خندقه لمواجهة أعدائه للاستقواء بها، نظراً لمكانتها الإقليمية المهمة وتاريخها العريق.
فكما سعت تل أبيب لاستغلال مصر خلال حكم مبارك في حربها ضد إيران، تفعل إيران الشئ نفسه مع مصر بعد حكم مبارك لتسخدمها ضد "إسرائيل"، حيث تلعب إيران على الوتر الشعبي والديني الحساس واستقطابها لعدد من الشخصيات العامة المصرية لتحسين صورتها بين أبناء الشعب المصري وذلك باستقبالها مؤخراً لوفد ضم 45 مصرياً للمشاركة في مؤتمر إسلامي في إيران.
والمفارقة أن هذا الوفد قد سافر على نفس متن الطائرة التي تم فيها ترحيل دبلوماسي إيراني أُتهم بالتجسس على مصر لصالح إيران .

عراقيل ومعوقات:
لكن السؤال المطروح حالياً بقوة في هذه المرحلة هو: هل ستنجح إيران في اختراق السياج المصري وتستأنف العلاقات الدبلوماسية معها بعد قطيعة دامت لأكثر من ثلاثة عقود؟ وهل يمكن لإيران أن تتغلب على المعوقات التي تقف أمامها للوصول إلى مصر، والتي يمكن إجمالها في النقاط التالية:
- معارضة الدول العربية وبخاصة دول الخليج العربي التي تتعرض للتهديد المباشر من إيران لمثل هذه العلاقات، والتي ترى أن استئنافها سيكون تشجيعاً للعربدة الإيرانية في المنطقة والإعتداء على سيادتها، كما حدث مع مملكة البحرين، وقد عكس الموقف الخليجي بوضوح هذا خلال زيارة رئيس الوزراء المصري عصام شرف لمنطقة الخليج في مايو الماضي
- استئناف العلاقات سيلزم مصر التنسيق مع السياسة الإيرانية ضد "إسرائيل" بينما ترى القيادات المصرية في السلام مع "إسرائيل" مصلحة إستراتيجية عليا.
- قبل أن تقرر استئناف العلاقات سيتعين على مصر التفكير في الموقف الأمريكي الذي يدعم النظام المصري الجديد ويقدم له المساعدات المالية السخية، فهل تستطيع إيران توفير هذه المساعدات لكي تكون بديلاً لواشنطن في العلاقات مع مصر؟
- هل ستوافق إيران على محو اسم قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات من على أهم شوارع طهران لإرضاء الحكومة المصرية رغم رفض النظام الإيراني لذلك في مناسبات عديدة سابقة، خاصة مع إصرار حزب الله الإيراني على أن محو اسم الإسلامبولى، قاتل السادات، سيغضب الله؟
- هل لدى إيران ما تقدمه لمصر من مساعدات اقتصادية ومالية يمكن تعويضها عما قد تخسره من دعم خليجي وغربي في حال موافقتها على إستئناف العلاقات معها؟
- هل ستوقف إيران مخططاتها ومؤامرتها ضد مصر لنشر الفكر الشيعي في أكبر دولة سنية في العالم الإسلامي؟ أم ستتخذ مسألة استئناف العلاقات كمرحلة انتقالية في تنفيذ خططتها التشيعية بالمنطقة؟

كل هذه المعوقات سالفة الذكر من الصعب على النظام الإيراني الحالي التغلب عليها دفعة واحدة، في ظل التهديدات التي تواجهه سواء من جانب الغرب بسبب البرنامج النووي، أو بسبب المخاوف من أن يصل تسونامي الثورات العربية إلى بلاد فارس، لا سيما وأن محاولات الإنقلاب ضد نظام الملالي فى طهران قد تكررت كثيراً رغم أنها قد باءت بالفشل نتيجة للقمع الوحشي للنظام الإيراني ضد المتظاهرين.
لكن عند الحديث عن ثورات التحرر العربية ضد الأنظمة القمعية يتبادر إلى الأذهان الثورة السورية والتي تثير التساؤل مجدداً هل ستدفع إمكانية إسقاط النظام السوري برئاسة بشار الأسد إيران للسير قدما نحو استئناف العلاقات مع مصر بأي ثمن لتكون بديلاً للنظام السوري الموالي لها، بعد أن باتت أيام انهياره معدودة، لكي تكون قاعدة راسخة ترتكز عليها في تحركاتها بمنطقة الشرق الأوسط، كما كانت سوريا طوال العقود الماضية؟
على أية حال فإن مسألة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران باتت مرهونة بأوضاع إقليمية ودولية وداخلية متشابكة، وأنها ستكون أكثر ارتباطاً بهوية النظام الجديد الذي سينشأ في مصر عقب إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، وليس هناك أدنى شك أنه في حال عودة العلاقات المصرية الإيرانية سيحمل الكثير من الدلالات والأبعاد الإقليمية والدولية، وستتغير معها مجدداً صورة الخريطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، لكنها في نهاية المطاف ستظل متأرجحة بين الحقيقة والوهم.


 

  • 2
  • 0
  • 4,561

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً