حنحارب إسرائيل الأرانب

منذ 2011-08-20

..مرت عقود والصهاينة واثقين من أن مصر لن تتحرك قيد أنملة تجاه أي استفزاز أو تدنيس للمقدسات في القدس طالما اللامبارك يحكمها، لذلك كانت مصيبتها كبيرة وفادحة في سقوط مبارك .


مازلت أتذكر وأنا طفل صغير عقب هزيمة 67 كنا نخرج في الحارة ونهتف جميعاً: "حنحارب حنحارب إسرائيل الأرانب"، وُنكرر الهتاف ونطوف بكل مكان بكل حماس نهتف: "حنحارب حنحارب إسرائيل الأرانب"، وما هي إلا سنوات حتى حاربنا وتحقق نصر العاشر من رمضان بفضل الله ثم العزيمة والإصرار، وقد ظن العدو الصهيوني أنه بتقييد مصر باتفاقية كامب ديفيد والحكام العملاء أن مصر لن تقوم مرة ثانية، فجعل مصر ملطشة لكل ما يريده من انتهاكات على الحدود من حوادث قتل متفرقة يقابلها حسنى اللامبارك بموقف باهت، بخلاف طغيان اليهود على إخواننا في فلسطين، وقتلهم للفلسطينيين ليل نهار، ونظام اللامبارك كأنه نظام رومانيا لا يعنيه شيء وليس نظام يحكم شعب مسلم عربي.


الشاهد أنه مرت عقود والصهاينة واثقين من أن مصر لن تتحرك قيد أنملة تجاه أي استفزاز أو تدنيس للمقدسات في القدس طالما اللامبارك يحكمها، لذلك كانت مصيبتها كبيرة وفادحة في سقوط مبارك، وكأني أسمع أيام الثورة ويوم خلع مبارك بكاء وعويل خنازير اليهود وحسرتهم على فقده وقد قالوا ولم يستخفوا أن خسارته عظيمة.

وتغيرت مصر بعد الثورة في كل شيء والعدو الصهيوني يترقب ويتحين الفرصة، فهو يعلم أن القوات المسلحة موجودة في كل مكان على أرض مصر، وقواتها متفرقة وسيناء شبه خالية من القوات العسكرية، ولكنه يعلم أنه الجيش الذي قهره وأذله في عام 73.


ولا يجب أن ننسى مخطط الفوضى الخلاقة، فاليهود ومن ورائهم الأمريكان وعملائهم يعلمون يقيناً أن استقرار النظام السياسي في مصر، وإجراء انتخابات تأتى بأغلبية إسلامية وطنية سيُشكل أكبر مصيبة لأهداف ومخططات اليهود والأمريكان في مصر، وسوف يأتي على كل ما حصدوه في فترة حكم العملاء.

لذلك أعتقد أن ما يحدث في سيناء مخطط صهيوأمريكي، بداية من أحداث قسم العريش ودفع السلطة إلى حملات أمنية تطيح بالصالح والطالح بدون تمييز، مما يعمق من مشاكل معقدة فى سيناء كان الأولى حلها سياسياً وحصر المواجهة الأمنية في أضيق الحدود، ولكن للأسف مازال البعض يتحرك بعقلية أمن الدولة السابق في حملاته ضد الجميع مما ترك مشكلة ثأرية في سيناء لن تحل إلا بالسياسة.


ثم كانت حادثة إيلات التي أصابت اليهود في مقتل، مما دفعهم إلى إخراج خطة إشعال الموقف واستغلال الحدث، فضربوا في غزة ثم ضربوا في مصر، فاستشهد هنا وهناك العشرات، وهنا لنا وقفة، فقد سكتنا كثيراً بل سنوات وسنوات على ذل واستكبار وغرور صهيوني بسبب قهر عملاء اليهود، ويظن اليهود أنهم يحرجون السلطة في مصر، وقد حدث وخرج بيان كما في السابق يحتج ولكننا نقول لهم كفى احتجاجاً نريد موقف عملي يشعر به كل صهيوني ومن ورائه أن دمائنا ليست رخيصة وأننا مهما كانت المشاكل قادرين بفضل الله على اتخاذ المواقف القوية،
ولتعلم السلطة في مصر أنها ليست وحدها كما كان حسنى إنما ورائها شعب 85 مليون،
تخيلوا كم الرعب لدى اليهود عندما يتيقنوا أن الجيش والشعب ايد واحدة حقاً وأن الشعب المصري كله جيش قادر -بفضل الله- على المواجهة، تخيلوا كم الرعب الذي سيزلزل قلوبهم ويعصف بعقولهم، لذلك أعتقد أننا في مرحلة هامة ودقيقة تحتاج إلى حكمة وقوة بدون تهور، فأقل موقف هو سحب السفير المصري وطرد السفير الإسرائيلي كشخصية غير مرغوب فيها،
ويقيناً العدو الصهيوني لن يحاربنا حرب شاملة لأنه يعلم أنه يشعل النار تحت قدميه إن فعل ذلك، ولكنه يحاول إحراجنا وإضعافنا واستغلال الوضع لابتزازنا، ولكن مصر لم تعد مصر مبارك أو مصر السادات ولا مصر العملاء، ولكن مصر عادت للمصريين عادت مصر إلى شعب مصر العربي المسلم الذي سطّر في التاريخ صفحات مجد ضد كل الطغاة والمستكبرين وأعداء الإسلام،
من هنا حتى يوم الوعد بتحرير فلسطين والأقصى يجب أن يعلم اليهود وكل إسرائيلي أننا سنحارب سنحارب إسرائيل الأرانب، نعم هم جبناء سريعي الهرب كالأرانب عندما يجدوا رجال مسلمين صادقين، وحتى يأتي اليوم -كما جاء في العاشر من رمضان من قبل- لابد له من إعداد كما قال الحق تبارك وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّ‌بَاطِ الْخَيْلِ تُرْ‌هِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِ‌ينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّـهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:60] والإعداد يشمل مع الإعداد العسكري الإعداد الإيماني والصناعي والتنموي والتقني.

والله كأني أشم رائحة القدس والأقصى تقترب من أنفى، وإنها لقريبة بإذن الله، ولكن تحتاج إلى رجال صادقين ينصروا الله في شرعه وحكمه ودينه وسنّة نبيه كما قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُ‌وا اللَّـهَ يَنصُرْ‌كُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] ولن نيأس وسنعود والله لقوتنا كأسود لاتخشى الوغى بعد أن حطمنا قيود عملاء اليهود، وأسأل الله أن يرزقني شهادة خالصة على أعتاب المسجد الأقصى.. اللهم آمين.

ممدوح إسماعيل محام وكاتب
[email protected]
 

  • 4
  • 0
  • 2,805
  • mustafa85

      منذ
    ويقول تبارك و تعالى: * وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * [الإسراء: 6] وفعلاً أمدّهم الله بالمال حتى أصبحوا أصحاب رأس المال في العالم كله، وأمدّهم بالبنين الذين يُعلِّمونهم ويُثقّفونهم على أعلى المستويات، وفي كل المجالات. ولكن هذا كله لا يعطيهم القدرة على أن تكون لهم كَرَّة على المسلمين، فهم في ذاتهم ضعفاء رغم ما في أيديهم من المال والبنين، ولا بُدًّ لهم لكي تقوم لهم قائمة من مساندة أنصارهم وأتباعهم من الدول الأخرى، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان منذ الخطوات الأولى لقيام دولتهم ووطنهم القومي المزعوم في فلسطين، وهذا معنى قوله تعالى: * وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * [الإسراء: 6] فالنفير مَنْ يستنفره الإنسان لينصره، والمراد هنا الدول الكبرى التي ساندت اليهود وصادمت المسلمين. ومازالت الكَرَّة لهم علينا، وسوف تظل إلى أنْ نعود كما كُنَّا، عباداً لله مُسْتقيمين على منهجه، مُحكِّمين لكتابه، وهذا وَعْد سيتحقّق إنْ شاء الله، كما ذكرتْ الآية التالية: * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا... *. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) ومازال الخطاب مُوجّهاً إلى بني إسرائيل، هاكم سُنّة من سنن الله الكونية التي يستوي أمامها المؤمن والكافر، وهي أن مَنْ أحسن فله إحسانه، ومَنْ أساء فعليه إساءته. فها هم اليهود لهم الغَلبة بما حدث منهم من شبه استقامة على المنهج، أو على الأقل بمقدار ما تراجع المسلمون عن منهج الله؛ لأن هذه سُنّة كونية، مَنِ استحق الغلبة فهي له؛ لأن الحق سبحانه وتعالى مُنزّه عن الظلم، حتى مع أعداء دينه ومنهجه. والدليل على ذلك ما أمسى فيه المسلمون بتخليهم عن منهج الله. وقوله تعالى: * إِنْ أَحْسَنْتُمْ.. * [الإسراء: 7] فيه إشارة إلى أنهم في شَكٍّ أنْ يُحسِنوا، وكأن أحدهم يقول للآخر: دَعْكَ من قضية الإحسان هذه. فإذا كانت الكَرَّة الآن لليهود، فهل ستظل لهم على طول الطريق؟ لا.. لن تظل لهم الغَلبة، ولن تدوم لهم الكرّة على المسلمين، بدليل قول الحق سبحانه وتعالى: * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ.. * [الإسراء: 7] أي: إذا جاء وقت الإفسادة الثانية لهم، وقد سبق أنْ قال الحق سبحانه عنهم:* لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ.. *[الإسراء: 4] والإفساد الأول حينما نقضوا عهدهم مع رسول الله في المدينة. وفي الآية بشارة لنا أننا سنعود إلى سالف عهدنا، وستكون لنا يقظة وصَحْوة نعود بها إلى منهج الله وإلى طريقه المستقيم، وعندها ستكون لنا الغَلبة والقوة، وستعود لنا الكَرَّة على اليهود. وقوله تعالى: * لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ.. * [الإسراء: 7] أي: نُلحق بهم من الأذى ما يظهر أثره على وجوههم؛ لأن الوجه هو السِّمة المعبرة عن نوازع النفس الإنسانية، وعليه تبدو الانفعالات والمشاعر، وهو أشرف ما في المرء، وإساءته أبلغ أنواع الإساءة. وقوله تعالى: * وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. * [الإسراء: 7] أي: أن المسلمين سيدخلون المسجد الأقصى وسينقذونه من أيدي اليهود. * كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. * [الإسراء: 7] المتأمل في هذه العبارة يجد أن دخولَ المسلمين للمسجد الأقصى أول مرة كان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن الأقصى وقتها في أيدي اليهود، بل كان في أيدي الرومان المسيحيين. فدخوله الأول لم يكُنْ إساءةً لليهود، وإنما كان إساءة للمسيحيين، لكن هذه المرة سيكون دخول الأقصى، وهو في حوزة اليهود، وسيكون من ضمن الإساءة لوجوههم أن ندخل عليهم المسجد الأقصى، ونُطهِّره من رِجْسهم. ونلحظ كذلك في قوله تعالى: * كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. * [الإسراء: 7] أن القرآن لم يقُلْ ذلك إلا إذا كان بين الدخولين خروج. إذن: فخروجنا الآن من المسجد الأقصى تصديق لِنُبوءَة القرآن، وكأن الحق سبحانه يريد أنْ يلفتنا: إنْ أردتُمْ أنْ تدخلوا المسجد الأقصى مرة أخرى، فعودوا إلى منهج ربكم وتصالحوا معه. وقوله تعالى: * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ.. * [الإسراء: 7] كلمة الآخرة تدلُّ على أنها المرة التي لن تتكرر، ولكن يكون لليهود غَلَبة بعدها. وقوله تعالى: * وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً.. * [الإسراء: 7] يتبروا: أي: يُهلكوا ويُدمِّروا، ويُخرِّبوا ما أقامه اليهود وما بنَوْهُ وشيَّدوه من مظاهر الحضارة التي نشاهدها الآن عندهم. لكن نلاحظ أن القرآن لم يقُلْ: ما علوتُم، إنما قال * مَا عَلَوْاْ * ليدل على أن ما أقاموه وما شيدوه ليس بذاتهم، وإنما بمساعدة من وراءهم من أتباعهم وأنصارهم، فاليهود بذاتهم ضعفاء، لا تقوم لهم قائمة، وهذا واضح في قَوْل الحق سبحانه عنهم:* ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ.. *[آل عمران: 112] فهم أذلاء أينما وُجدوا، ليس لهم ذاتية إلا بعهد يعيشون في ظِلِّه، كما كانوا في عهد رسول الله في المدينة، أو عهد من الناس الذين يدافعون عنهم ويُعاونونهم. واليهود قوم منعزلون لهم ذاتية وهُويّة لا تذوب في غيرهم من الأمم، ولا ينخرطون في البلاد التي يعيشون فيها؛ لذلك نجد لهم في كل بلد يعيشون به حارة تسمى " حارة اليهود " ، ولم يكن لهم ميْلٌ للبناء والتشييد؛ لأنهم كما قال تعالى عنهم:* وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً.. *[الأعراف: 168] كل جماعة منهم في أمة تعيش عيشة انعزالية، أما الآن، وبعد أنْ أصبح لهم وطن قومي في فلسطين على حَدِّ زعمهم، فنراهم يميلون للبناء والتعمير والتشييد. ونحن الآن ننتظر وَعْد الله سبحانه، ونعيش على أمل أن تنصلح أحوالنا، ونعود إلى ساحة ربنا، وعندها سينجز لنا ما وعدنا من دخول المسجد الأقصى، وتكون لنا الكرّة الأخيرة عليهم، سيتحقق لنا هذا عندما ندخل معهم معركة على أسس إسلامية وإيمانية، لا على عروبة وعصبية سياسية، لتعود لنا صِفَة العباد، ونكون أَهْلاً لِنُصْرة الله تعالى: إذن: طالما أن الحق سبحانه قال: * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ.. * [الإسراء: 7] فهو وَعْد آتٍ لا شَكَّ فيه اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً...
  • mustafa85

      منذ
    ويقول تبارك و تعالى: * وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * [الإسراء: 6] وفعلاً أمدّهم الله بالمال حتى أصبحوا أصحاب رأس المال في العالم كله، وأمدّهم بالبنين الذين يُعلِّمونهم ويُثقّفونهم على أعلى المستويات، وفي كل المجالات. ولكن هذا كله لا يعطيهم القدرة على أن تكون لهم كَرَّة على المسلمين، فهم في ذاتهم ضعفاء رغم ما في أيديهم من المال والبنين، ولا بُدًّ لهم لكي تقوم لهم قائمة من مساندة أنصارهم وأتباعهم من الدول الأخرى، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان منذ الخطوات الأولى لقيام دولتهم ووطنهم القومي المزعوم في فلسطين، وهذا معنى قوله تعالى: * وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * [الإسراء: 6] فالنفير مَنْ يستنفره الإنسان لينصره، والمراد هنا الدول الكبرى التي ساندت اليهود وصادمت المسلمين. ومازالت الكَرَّة لهم علينا، وسوف تظل إلى أنْ نعود كما كُنَّا، عباداً لله مُسْتقيمين على منهجه، مُحكِّمين لكتابه، وهذا وَعْد سيتحقّق إنْ شاء الله، كما ذكرتْ الآية التالية: * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا... *. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) ومازال الخطاب مُوجّهاً إلى بني إسرائيل، هاكم سُنّة من سنن الله الكونية التي يستوي أمامها المؤمن والكافر، وهي أن مَنْ أحسن فله إحسانه، ومَنْ أساء فعليه إساءته. فها هم اليهود لهم الغَلبة بما حدث منهم من شبه استقامة على المنهج، أو على الأقل بمقدار ما تراجع المسلمون عن منهج الله؛ لأن هذه سُنّة كونية، مَنِ استحق الغلبة فهي له؛ لأن الحق سبحانه وتعالى مُنزّه عن الظلم، حتى مع أعداء دينه ومنهجه. والدليل على ذلك ما أمسى فيه المسلمون بتخليهم عن منهج الله. وقوله تعالى: * إِنْ أَحْسَنْتُمْ.. * [الإسراء: 7] فيه إشارة إلى أنهم في شَكٍّ أنْ يُحسِنوا، وكأن أحدهم يقول للآخر: دَعْكَ من قضية الإحسان هذه. فإذا كانت الكَرَّة الآن لليهود، فهل ستظل لهم على طول الطريق؟ لا.. لن تظل لهم الغَلبة، ولن تدوم لهم الكرّة على المسلمين، بدليل قول الحق سبحانه وتعالى: * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ.. * [الإسراء: 7] أي: إذا جاء وقت الإفسادة الثانية لهم، وقد سبق أنْ قال الحق سبحانه عنهم:* لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ.. *[الإسراء: 4] والإفساد الأول حينما نقضوا عهدهم مع رسول الله في المدينة. وفي الآية بشارة لنا أننا سنعود إلى سالف عهدنا، وستكون لنا يقظة وصَحْوة نعود بها إلى منهج الله وإلى طريقه المستقيم، وعندها ستكون لنا الغَلبة والقوة، وستعود لنا الكَرَّة على اليهود. وقوله تعالى: * لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ.. * [الإسراء: 7] أي: نُلحق بهم من الأذى ما يظهر أثره على وجوههم؛ لأن الوجه هو السِّمة المعبرة عن نوازع النفس الإنسانية، وعليه تبدو الانفعالات والمشاعر، وهو أشرف ما في المرء، وإساءته أبلغ أنواع الإساءة. وقوله تعالى: * وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. * [الإسراء: 7] أي: أن المسلمين سيدخلون المسجد الأقصى وسينقذونه من أيدي اليهود. * كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. * [الإسراء: 7] المتأمل في هذه العبارة يجد أن دخولَ المسلمين للمسجد الأقصى أول مرة كان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن الأقصى وقتها في أيدي اليهود، بل كان في أيدي الرومان المسيحيين. فدخوله الأول لم يكُنْ إساءةً لليهود، وإنما كان إساءة للمسيحيين، لكن هذه المرة سيكون دخول الأقصى، وهو في حوزة اليهود، وسيكون من ضمن الإساءة لوجوههم أن ندخل عليهم المسجد الأقصى، ونُطهِّره من رِجْسهم. ونلحظ كذلك في قوله تعالى: * كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. * [الإسراء: 7] أن القرآن لم يقُلْ ذلك إلا إذا كان بين الدخولين خروج. إذن: فخروجنا الآن من المسجد الأقصى تصديق لِنُبوءَة القرآن، وكأن الحق سبحانه يريد أنْ يلفتنا: إنْ أردتُمْ أنْ تدخلوا المسجد الأقصى مرة أخرى، فعودوا إلى منهج ربكم وتصالحوا معه. وقوله تعالى: * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ.. * [الإسراء: 7] كلمة الآخرة تدلُّ على أنها المرة التي لن تتكرر، ولكن يكون لليهود غَلَبة بعدها. وقوله تعالى: * وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً.. * [الإسراء: 7] يتبروا: أي: يُهلكوا ويُدمِّروا، ويُخرِّبوا ما أقامه اليهود وما بنَوْهُ وشيَّدوه من مظاهر الحضارة التي نشاهدها الآن عندهم. لكن نلاحظ أن القرآن لم يقُلْ: ما علوتُم، إنما قال * مَا عَلَوْاْ * ليدل على أن ما أقاموه وما شيدوه ليس بذاتهم، وإنما بمساعدة من وراءهم من أتباعهم وأنصارهم، فاليهود بذاتهم ضعفاء، لا تقوم لهم قائمة، وهذا واضح في قَوْل الحق سبحانه عنهم:* ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ.. *[آل عمران: 112] فهم أذلاء أينما وُجدوا، ليس لهم ذاتية إلا بعهد يعيشون في ظِلِّه، كما كانوا في عهد رسول الله في المدينة، أو عهد من الناس الذين يدافعون عنهم ويُعاونونهم. واليهود قوم منعزلون لهم ذاتية وهُويّة لا تذوب في غيرهم من الأمم، ولا ينخرطون في البلاد التي يعيشون فيها؛ لذلك نجد لهم في كل بلد يعيشون به حارة تسمى " حارة اليهود " ، ولم يكن لهم ميْلٌ للبناء والتشييد؛ لأنهم كما قال تعالى عنهم:* وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً.. *[الأعراف: 168] كل جماعة منهم في أمة تعيش عيشة انعزالية، أما الآن، وبعد أنْ أصبح لهم وطن قومي في فلسطين على حَدِّ زعمهم، فنراهم يميلون للبناء والتعمير والتشييد. ونحن الآن ننتظر وَعْد الله سبحانه، ونعيش على أمل أن تنصلح أحوالنا، ونعود إلى ساحة ربنا، وعندها سينجز لنا ما وعدنا من دخول المسجد الأقصى، وتكون لنا الكرّة الأخيرة عليهم، سيتحقق لنا هذا عندما ندخل معهم معركة على أسس إسلامية وإيمانية، لا على عروبة وعصبية سياسية، لتعود لنا صِفَة العباد، ونكون أَهْلاً لِنُصْرة الله تعالى: إذن: طالما أن الحق سبحانه قال: * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ.. * [الإسراء: 7] فهو وَعْد آتٍ لا شَكَّ فيه اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً...

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً