الاستعاذة بالله تعالى
الاستعاذة: هي الالتجاء إلى الله، والاعتصام به، والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فالاستعاذة بالله تعالى لها ثمرات مباركة؛ فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى الاستعاذة:
الاستعاذة: هي الالتجاء إلى الله، والاعتصام به، والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر؛ [تفسير ابن كثير، ج: 1، ص: 175].
الاستعاذة وصية رب العالمين:
الاستعاذة من أمور العبادات التي أمر الله تعالى بها عباده الموحدين في كتابه العزيز.
1- قال سبحانه: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 98، 99].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "هذا أمرٌ مِنَ الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: إذا أرادوا قراءة القرآن، أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وهو أمر ندب ليس بواجب، حكى الإجماع على ذلك الإمام أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 8، ص: 353].
• معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه؛ [تفسير ابن كثير، ج: 1، ص: 114].
2- وقال جل شأنه: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97، 98].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97]: أمر الله نبيه أن يستعيذ به من الشياطين؛ لأنهم لا تنفع معهم الحيل، ولا ينقادون بالمعروف"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 10، ص: 145].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله تعالى: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98]؛ أي: في شيء من أمري"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 10، ص: 145].
3- وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّ} هِ ﴾ [الأعراف: 200]؛ أي: إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه، فأما شيطان الجن، فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس، إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه، كفَّه عنك ورد كيده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه الخنق، ونفخه الكبر، ونفثه الشِّعر»"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 12، ص: 243].
4- وقال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1].
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: أستجير برب الفلق من شر ما خلق من الخَلْقِ"؛ [تفسير الطبري، ج: 27، ص: 791].
5- وقال جل شأنه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1].
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: أستجير برب الناس، ملك الناس، وهو ملك جميع الخلق؛ إنسهم وجنهم، وغير ذلك، إعلامًا منه بذلك من كان يعظم الناس تعظيم المؤمنين ربهم، أنه ملك من يعظمه، وأن ذلك في ملكه وسلطانه، تجري عليه قدرته، وأنه أولى بالتعظيم، وأحق بالتعبد له ممن يعظمه، ويتعبد له، من غيره من الناس"؛ [تفسير الطبري، ج: 27، ص: 805].
6- قال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 35 - 37].
• قوله: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا} [آل عمران: 36]؛ أي: أحفظها وأمنعها وأجيرها وأولادها بك وحدك سبحانك.
• قوله: {مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]؛ الشيطان: هو الطريد اللعين، والرجيم: هو الـمرميُّ بالشهب؛ [تفسير البغوي، ج: 2، ص: 30].
الاستعاذة بغير الله شرك:
قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6].
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: "لما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، فزادوهم رهقًا؛ أي: خوفًا وإرهابًا وذعرًا، حتى تبقوا أشد منهم مخافةً، وأكثر تعوذًا بهم"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 14، ص: 148].
قال عكرمة: "كان الجن يفرقون - يخافون - من الإنس كما يفرق – يخاف - الإنس منهم أو أشد، وكان الإنس إذا نزلوا واديًا هرب الجن، فيقول سيد القوم: نعوذ بسيد أهل هذا الوادي، فقال الجن: نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم، فدنَوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون؛ فذلك قول الله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6]"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 14، ص: 149:148".
نبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على الاستعاذة بالله تعالى:
• روى مسلم عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من نزل منزلًا، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك»؛ (مسلم، حديث: 2708).
• قوله: (بكلمات الله التامات): قيل: التامات: أي: الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل: النافعة الشافية، وقيل: المراد بالكلمات هنا القرآن؛ (صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 17، ص: 31).
• روى الشيخان عن سليمان بن صرد رضي الله عنه، قال: ((استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لَأعلم كلمةً، لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لست بمجنون))؛ (البخاري، حديث: 6115، مسلم، حديث: 2610).
• روى البخاري عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يُحدِّث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره، فليتعوَّذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، ولْيَتْفُل ثلاثًا، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره»؛ (البخاري، حديث: 7044).
• قوله: (وليتفل ثلاثًا): التفل: هو: نفخ لطيف معه ريق قليل جدًّا؛ [النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، ج: 1، ص: 192].
• روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله ولْيَنْتَهِ»؛ (البخاري، حديث: 3276، مسلم، حديث: 134).
• قوله: «يأتي الشيطان أحدكم»؛ أي: يوسوس له.
• قوله: «فيقول: من خلق كذا» ؟: يعني: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ وغرض الشيطان أن يوقعه في الكفر، ويكثر السؤال على هذا الـمنوال.
• قوله: «فإذا بلغ ذلك»: أي: إذا بلغ الشيطان في وسوسته هذا القول؛ يعني: من خلق ربك؟
• قوله: «فليستعذ بالله»: طردًا للشيطان؛ فيجب على العبد أن يلتجئ إلى مولاه، ويعتصم بالله من الشيطان الذي أوقعه في هذا الخاطر، الذي لا أقبحَ منه؛ فيقول بلسانه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويلوذ إلى الله سبحانه وتعالى أن يدفع عنه شر الشيطان وكيده.
• قوله: «ولينتهِ»: أي: يترك التفكر في هذا الخاطر، ويشتغل بأمر آخـــــر؛ لئلا يستحوذ عليه الشيطان، فإنه إنما أوقعه الشيطان فيه رجاءَ أن يتمكن في نفسه، فيحصل له الشك في الله تعالى؛ (مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 1، ص: 137).
ثـمرات الاستعاذة بالله تعالى:
نستطيع أن نوجز ثـمرات الاستعاذة بالله سبحانه في الأمور الآتية:
1- الاستعاذة حصن قوي للمسلم من شياطين الجن والإنس.
2- الاستعاذة دليل على إظهار ضعف المسلم وشدة حاجته لله تعالى، وتلك حقيقة العبودية.
3- الاستعاذة بالله سبحانه تزيل الغضب وتريح النفس.
4- الاستعاذة بالله تعالى تقي الإنسان من شرور جوارحه؛ (موسوعة نضرة النعيم، ج: 2، ص: 226).
أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة؛ {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكـــــرام، وآخــر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.
_____________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق
- التصنيف: