كيف واجه الإسلام مشكلة الفقر؟
لماذا ينتشر الفقر بهذه الصورة رغم ما تمتلكه الدول الإسلامية من موارد وإمكانات هائلة؟ وما الآثار المترتبة على ذلك؟ وكيف واجه الإسلام تلك المشكلة؟
الفقرُ من أبرز المشكلات التي تواجه شريحة لا يستهان بها في المجتمعات الإسلامية، وتنتشر الظاهرة بشكل ملفت للنظر، رغم الإمكانيات الإسلامية الهائلة، إذ تشير إحصاءات الجامعة العربية إلى أن نحو 140 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، أي ما يعادل 40% من سكان الدول العربية الإسلامية.
ويصنف البنك الدولي 45 دولة إسلامية ضمن الدول الفقيرة، مشيرًا إلى أن 90% من المسلمين حول العالم يعيشون تحت خط الفقر، وأن 90% من اللاجئين والمشردين ينتمون إلى دول إسلامية.
ولاشك في أن مشكلة الفقر تترك آثارًا خطيرة على الدول الإسلامية، والتي قد تدفع إلى الفساد والرشوة والسرقة، نتيجة الحاجة إلى تأمين مسلتزمات الحياة الضرورية.
وتختلف تعريفات الفقر من مجتمع لأخر، ومن حضارة لأخرى، إلا إن تقرير التنمية البشرية لعام 1990م أوضح بأنه: عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة.
وفي التحقيق التالي نحاول الإجابة على عدد من التساؤلات هي: لماذا ينتشر الفقر بهذه الصورة رغم ما تمتلكه الدول الإسلامية من موارد وإمكانات هائلة؟ وما الآثار المترتبة على ذلك؟ وكيف واجه الإسلام تلك المشكلة؟
البعد عن القيم الإسلامية:
في البداية يقول الدكتور زيد بن محمد الرماني عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض إن هناك أسبابًا عديدة لانتشار الفقر، منها البعد عن أدب الإسلام في حفظ النعمة، والاعتدال في الإنفاق من غير إفراط ولا تفريط، إلى جانب انخفاض مستوى التعليم، وقلة الخبرات الفنية في كثير من الأقطار الإسلامية، مع قلة السعي للتنمية، وتحسين الإنتاج، والتشرد الذي يعانيه كثير من المسلمين الذين تركوا أوطانهم لاضطراب الأوضاع ولفقدان الأمن، والأوضاع السياسية غير المستقرة في بعض الأقطار؛ مما يضيع كثيرًا من الطاقات والثروات، علاوة على التبعية الاقتصادية للدول الغربية الكبرى التي تستغل ثروات العالم الإسلامي.
ويشير إلى أن هناك مخاطر عدة تهدد المجتمع إذا لم يعمل على سد احتياجات الفقراء والمساكين؛ فمنها خطر على العقيدة خاصة الفقير المدقع، إذا كان هو الساعي الكادح، وهو وسيلة الشك - ولا حول ولا قوة إلاّ بالله - في حكمة الله في الكون، والارتياب في عدالة التوزيع، فالشيطان يوسوس للفقير {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ} [البقرة: 268].
ويضيف الدكتور الرماني أن هناك أخطار على الأخلاق والسلوك، فإذا كان الفقر خطرًا على العقيدة، فليس بأقل خطورة على السلوك والأخلاق، فإن الفقير المحروم كثيرًا ما يدفعه بؤسه وحرمانه إلى سلوك لا ترضاه الفضيلة والخلق الكريم.
والخطر على أمن المجتمع كذلك تهديد من جانب الفقر، إذ إن الفقر خطر على أمن المجتمع وسلامته واستقرار أوضاعه، بل يحدث نتيجة انتشار الفقر والفتن والاضطراب، وتقويض أركان المحبة، والاخاء بين الناس. وهذا أمر مشاهد مجرب في الأفراد والمجتمعات والأمم. هذه أبرز المخاطر التي تهدد المجتمع إذا لم يعمل على سد احتياجات الفقراء والمساكين.
ويشدد الدكتور الروماني على أن القضاء على الفقر ضرورة دينية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية لسلامة المجتمعات والأمم، وان من أهم المفاتيح التي تعد أساسًا في القضاء على الفقر: التعليم، والعمل، والرعاية الصحية، والنمو السكاني المتوازن، لافتًا بقوله: ولو مس الإيمان شغاف القلوب، وأخذ الناس بالمبدأ النبوي القائل: من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له.
مخاطر الفقر:
بدوره يوضح الدكتور عبد الهادي علي النجار المفكر الإسلامي وصاحب كتاب الإسلام والاقتصاد إن الإسلام عرض لمشكلة الفقر قبل أن تَتَطَوَّر هذه المشكلة؛ لتصبح الشُّغْلَ الشاغلَ للدُّوَلِة المتخلفة عمومًا، ومن هنا اعتبر الإسلام المالَ زينةَ الحياة الدنيا؛ فقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف: 46].
ويضيف أن الإسلام ينظر للفقر على أنه خطر على العقيدة، وخطر على الأخلاق، وخطر على سلامة التفكير، وخطر على الأسرة، وعلى المجتمع، وفَضْلاً عن ذلك فإنه يُعتَبَر بلاءً يُستعاذُ بالله من شَرِّهِ؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ: «اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، ومن عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر»؛ (رواه البخاري).
وقد قَرَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الفقر في تعوُّذِهِ بالكفر، وهو شرُّ ما يُستعاذُ منه، دَلالةً على خَطَرِهِ،؛ فعن أبي بكر مرفوعًا: «اللهمَّ إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ من عذاب القبر، لا إله إلا أنت»؛ (رواه أبو داود).
فالفقر قد يَجُرُّ إلى الكفر، لأنه قد يَحْمِلُ على حَسَدِ الأغنياء، والحسد يأكل الحسنات، وقد يدفع إلى التَّذَلُّل لهم، وعدم الرضا بالقضاء، والسخط على كل شيء، ومن هنا فإن الفقر إن لم يكن كفرًا، فهو جارٌّ إليه.
ويشير الدكتور النجار إلى إن الإسلام يستهدف من محاربة الفقر، تحرير الإنسان من براثنه، بحيث يتهيأ له مستوى من المعيشة يليق بكرامة الإنسان، وهو الذي كرمه الله، وإذا ضمن الإنسان الحياة الطيبة، وشعر بنعمة الله، أقبل على عبادة الله في خشوع وإحسان، ومن ثم لا ينشغل بطلب الرغيف، ولا يبتعد عن معرفة الله وحسن الصلة به.
التكافل الاجتماعي:
من جانبه يؤكد الدكتور حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن التكامل الاقتصادي الإسلامي لمكافحة الفقر، ومواجهة أزمة الغذاء وغيرها من الأزمات الاقتصادية، يعتبر فريضةً شرعيةً وضرورةً حياتية؛ فقد وصف الله - سبحانه وتعالى - الأمة الإسلامية بأنها أمة واحدة، وأمرها بعبادته؛ قال - جل شأنه -: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وأمرَنَا بالتعاون في كل نواحي الحياة، وقد فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الذي يسع فقراءهم.
مشددًا على ضرورة إحياء قيمة العمل في المجتمع الإسلامي، والذي يعتبر عبادة فى الإسلام، وزيادة عطاء المسلم وإنتاجه، واعتداله في الاستهلاك؛ بحيث يفوق إنتاجه استهلاكه، وليس العكس الذي نراه الآن في المجتمعات الإسلامية؛ حيث تهدر قيمة العمل، ويقل الإنتاج، ويزيد الاستهلاك!
فالعمل هو خط الدفاع الأول ضد الفقر والحاجة، وهو الوسيلة الأولى لجلب الرزق، والعنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان وأمره أن يعمرها، عملاً بقوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
فلا إيمان إلا بالعمل الصالح الذي يؤكد هذا الإيمان تأكيدًا عمليًّا من خلال الكدِّ والاجتهاد، والبحث عن الرزق وإعمار الأرض، وقد وردت أحاديث كثيرة تبين فضل العمل والكسب والأكل من عمل اليد؛ فعن المِقْدَام بن مَعْدِي كَرِب، أن رسول الله قال: «ما أكل أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» . وفي الحثِّ على المزارعة والغرس، روى البخاري عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: «ما من مسلم يزرع زرعًا أو يغرس غرسًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ، إلا كان له به صدقة».
ويوضح أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن جانبًا كبيرًا من مشكلة الفقر في العالم الإسلامي يتعلق بتلك الفئة من الفقراء والمساكين والمحتاجين الذين لا يستطيعون توفير القوت لأنفسهم، إمَّا لضعف، أو لعجز عن العمل، أو لمرض، أو لكِبَر سنٍّ، أو لعدم توافر فرص الكسب والعمل.
وهنا يبرز فرضٌ آخرٌ من الفرائض الإسلامية، وهو التكافل الاجتماعي، الذي يتحقق من خلال فريضة الزكاة وغيرها من الصدقات؛ فالإسلام لم يترك فئة من فئات المجتمع تتعرض للجوع والفقر والضياع دون أن يأمر بمعالجة أمرها، فقد وضع الإسلام نظامًا تكافليًّا متكاملاً، روعي فيه التوسُّط بين ما طالبت به فيما بعد الاشتراكية الشيوعية، وما انتهجته الرأسمالية الإقطاعية؛ لضمان سلامة توزيع الثروة، مما يحقِّق التوازن لمجتمع معافى، يرفل في مستوى لائق من العيش الكريم، ويقوم في الأساس علي الزكاة ونوافلها من الصدقات.
________________________________________________________
الكاتب: أحمد حسين الشيمي
- التصنيف: