الستر على المسلمين
إن فضيلة الستر من أخلاقيَّات هذا الدين، ومن مروءات القوم الكِرام.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمدٍ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون، جاء في السنة النبوية أن صحابيًّا يُقال له هزال وجد رجلًا قد زنا فأشار عليه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا هزال، لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك».
«لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك»: الستر هذه القيمة الأخلاقية العظيمة التي بدأت تفقد شيئًا من بهائها وقيمتها بسبب هذه الموجة الجديدة من وسائل التواصُل الاجتماعي.
ومبادرة البعض لنَشْر فضائح الآخرين، أو المسارعة إلى إظهار المستور وكشف المخبوء، بحثًا عن إثارة جديدة، أو انتقامًا من أحد، أو ترويجًا لأمر ما، أو تشجيعًا على باطل.
في وقت صار انتهاز الزلة عملًا عظيمًا، وكشف المسلم أو المسلمة شيئًا يُفاخر به، ولا يُستحى منه.
هذه المسارعة المحمومة في كشف الستائر، والفرح بزلَّات المؤمنين حتى لو كانت في شأن خاص، وتسريب بطريق خطأ، كيف لأحدهم أن ينشرها للعامة، ويشوِّه سمعة أصحابها، وربَّما هدم بيوتهم وأعمالهم إلى حينٍ من الدَّهْر.
أين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله حييٌّ سِتِّير» ؟! الله جل جلاله يصِفُ نفسَه بالستر، وفي الحديث عن القيامة يقول الله تعالى: «وأنا سترتها عليك في الدنيا وأسترها عليك في الآخرة».
أين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، ومن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته، ومَنْ فرَّج عن مسلم كربةً فرَّجَ اللهُ عنه بها كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومَنْ سَتَر مسلمًا ستره الله يوم القيامة»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وفي صحيح مسلم «ومَنْ سَتَر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة».
أهذا خيرٌ أم بعض إعجابات، وزيادة متابعين، وإثارة لا تلبث أن تنتهي؛ لكنها سيئة من السيئات لها تبعاتها عند الله تعالى.
وفي حديث أبي برزة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه مَنِ اتَّبَع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته»؛ (أخرجه أحمد وأبو داود وصحَّحه الألباني).
أيها المسلمون، إن فضيلة الستر من أخلاقيَّات هذا الدين، ومن مروءات القوم الكِرام.
وما يقع من بعض الناس في كشف مستور الآخرين إنما هو دليلٌ على قِلَّة التديُّن، وضعف التقوى، وليحذر المسلم أن ينطبق عليه قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].
اللهُمَّ لا تجعلنا ممَّن يكشف مستور المسلمين، ولا ممَّن يفرح بالزلَّات والهنات، يا أكرم الأكرمين.
_____________________________________________________
الكاتب: ساير بن هليل المسباح
- التصنيف: