القعنبي، عبد الله بن مسلمة
** ومن رجال الإسناد الأبرار الشوامخ «عبد الله بن مسلمة بن قعنب»، الإمام الثبت القدوة، شيخ الإسلام، نزيل البصرة، ثم مكة .
بسم الله الرحمن الرحيم
** عن محمد بن يحيى بن سعيد قال: سألت أبي قال سألت شعبة وسفيان وابن عيينة ومالكا عن الرجل يكون فيه تهمة أو ضعف أسكت أو أبين قالوا جميعا بين أمره،، رواه مسلم بنحوه في مقدمة صحيحه «باب بيان أن الإسناد من الدين» ورواه أحمد في العلل
** وروى مسلم في نفس الباب عن ابن سيرين قال: لم نكن نسأل عن الإسناد في الحديث حتى وقع الفتنة فلما وقعت الفتنة سئل عن الإسناد في الحديث لينظر أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر أهل البدعة فيرد حديثهم.
** وروى أيضا قال عبد الله بن المبارك «الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» فإذا قيل له من حدثك بقى متحيرا، وكان يقول: "بيننا وبين القوم القوائم" يعني الإسناد
** وقال سفيان الثوري «الإسناد سلاح المؤمن إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل»
** وحذف الأسانيد خسارة كبيرة، إذ الإسناد من الدين، وما كان سلفنا رحمهم الله يقبلون من محدث حديثًا حتى يسنده، وينظروا في رجاله رجلاً رجلاً، كما هو معروف من سيرهم رحمهم الله.
** وكانوا لا يقبلون حديثاً ورد إليهم إلا إذا أسنده صاحبه وتأكدوا من صحة هذا الإسناد مهما كانت مكانة من رواه، فقد روى مسلم في مقدمة الصحيح بسنده إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء (إن من البر بعد البر، أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك) قال: فقال عبد الله: "يا أبا إسحق عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش، فقال: ثقة، عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة، عمن؟ قال: قلت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي
** ومن رجال الإسناد الأبرار الشوامخ «عبد الله بن مسلمة بن قعنب»، الإمام الثبت القدوة، شيخ الإسلام، نزيل البصرة، ثم مكة .
** أحد فقهاء المالكية، بل وأبرزهم وأحد أوعية العلم، ومن المكثرين من الرواية، حتى غدا علم من الأعلام الفكرية في القرن الثاني وبدايات القرن الثالث الهجري.
** مولده سنة ثلاثين ومائة (130هـ) وتوفي: (221هـ) خلال العصر العباسي، فبداية الدولة العباسية كان130 هـ، وكان عمره تسعون عاما، وأدرك أول سبعة خلفاء في دولة بني العباس: أبو العباس السفاح، وجعفر المنصور، محمد المهدي، موسى الهادي، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم.
** سمع من: أفلح بن حميد [أحج الثقات المشهورين]، وابن أبي ذئب [هشام بن ربيعة أحد الفقهاء المشهورين]، وشعبة بن الحجاج، وأسامة بن زيد بن أسلم، وداود بن قيس الفراء، وسلمة بن وردان، ويزيد بن إبراهيم التستري، ومالك بن أنس، ونافع بن عمر الجمحي، والليث بن سعد، والدراوردي، وإبراهيم بن سعد، وإسحاق بن أبي بكر المدني، والحكم بن الصلت، وحماد بن سلمة، وسليمان بن بلال، وعيسى بن حفص بن عاصم بن عمر، وسليمان بن المغيرة، وهشام بن سعد، وعدة .
** وعنه: البخاري، ومسلم (وهو أكبر شيخ لمسلم، سمع منه في أيام الموسم في ذي الحجة سنة عشرين، ولم يكثر عنه)، وأبو داود، والخريبي وهو من شيوخه، ومحمد بن سنجر الحافظ، ومحمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبو حاتم الرازي، وعبد بن حميد، وعمرو بن منصور النسائي، وأبو زرعة الرازي، ومحمد بن غالب تمام، وإسماعيل القاضي، ومحمد بن أيوب بن الضريس، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن معاذ دران، وإسحاق بن الحسن الحربي، ومعاذ بن المثنى، وأبو مسلم الكجي، وأبو خليفة الجمحي، وخلق كثير .
ثناء العلماء عليه
** قال أبو زرعة الرازي: ما كتبت عن أحد أجل في عيني من القعنبي .
** وعن عبد الصمد بن الفضل: ما رأت عيناي مثل أربعة، فذكر منهم القعنبي .
** قال الذهبي: حد الولي الرسوخ في العلم والعمل مثل القعنبي .
** قال يحيى بن معين: ما رأيت رجلا يحدث لله إلا وكيعا والقعنبي .
** قال عمرو بن علي الفلاس: كان القعنبي مجاب الدعوة .
** قال أبو بكر الشيرازي في كتاب «الألقاب» له: سمعت أبا إسحاق المستملي، سمعت أحمد بن منير البلخي، سمعت حمدان بن سهل البلخي الفقيه يقول: ما رأيت أحدا إذا روئي ذكر الله تعالى إلا القعنبي رحمه الله، فإنه كان إذا مر بمجلس يقولون: لا إله إلا الله. وقيل: كان يسمى «الراهب» لعبادته وفضله .
** وروى عبد الله بن أحمد بن الهيثم، عن جده قال: كنا إذا أتينا القعنبي، خرج إلينا كأنه مشرف على جهنم.
** وقال إسماعيل القاضي: كان القعنبي من المجتهدين في العبادة .
القعنبي وشعبة
** وعن القعنبي، حدثنا شعبة، حدثنا منصور، عن ربعي، عن أبي مسعود: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت) .
** قال الحافظ أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري: سمعت أبي يقول: قلت للقعنبي: ما لك لا تروي عن شعبة غير هذا الحديث؟ [يعني حديث: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)] قال: كان شعبة يستثقلني، فلا يحدثني.. وفي الجملة لم يدرك القعنبي شعبة إلا في آخر أيامه، فلم يكثر عنه.
القعنبي ومالك
** من أجل تلامذة مالك، وكان مالك يكبره بأربعين سنة، وكان يجله ويجلسه بجواره، وإن غاب القعنبي بقى مكانه خاليا.
** عن الميموني: سمعت القعنبي يقول: اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة، ما من حديث في «الموطأ» إلا لو شئت قلت: سمعته مرارا .
** قال إسماعيل القاضي: كان القعنبي لا يرضى قراءة حبيب، فما زال حتى قرأ لنفسه «الموطأ» على مالك .
** وذكر العجلي أنه قرأ مالك على القعنبي نصف الموطأ، وقرأ القعنبي النصف الآخر.
** قال محمد بن سعد الكاتب: كان القعنبي عابدا فاضلا، قرأ على مالك كتبه .
** قال محمد بن عبد الله الزهيري، عن الجنيني قال: كنا عند مالك، فقدم ابن قعنب من سفر، فقال مالك: قوموا بنا إلى خير أهل الأرض .
** قال عبد الله الخريبي -وكان كبير القدر-: حدثني القعنبي، عن مالك، وهو والله عندي خير من مالك.
** وروى محمد بن علي بن المديني، عن أبيه قال: لا يقدم أحد من رواة «الموطأ» على القعنبي .
** وقال عثمان بن سعيد: سمعت علي بن المديني وذكر أصحاب مالك، فقيل له: معن ثم القعنبي، قال: لا بل القعنبي ثم معن .
** وقال الإمام ابن خزيمة: سمعت نصر بن مرزوق يقول: أثبت الناس في «الموطأ» القعنبي، وعبد الله بن يوسف بعده .
** قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: القعنبي أحب إليك في «الموطأ» أو إسماعيل بن أبي أويس؟ [ابن أخت مالك، والراوي عنه والملازم له] قال: بل القعنبي، لم أر أخشع منه .
** وقال أبو حاتم: ثقة حجة، لم أر أخشع منه، سألناه أن يقرأ علينا «الموطأ» فقال: تعالوا بالغداة، فقلنا: لنا مجلس عند حجاج بن منهال، قال: فإذا فرغتم منه. قلنا: نأتي حينئذ مسلم بن إبراهيم. قال فإذا فرغتم. قلنا: نأتي أبا حذيفة النهدي. قال: فبعد العصر. قلنا: نأتي عارما أبا النعمان، قال: فبعد المغرب. فكان يأتينا بالليل، فيخرج علينا، وعليه كبل ما تحته شيء في الصيف، فكان يقرأ علينا في الحر الشديد حينئذ .
** قال القعنبي: دخلت على مالك فوجدته باكيا، فقلت: يا أبا عبد الله، ما الذي يبكيك؟ قال: يا ابن قعنب على ما فرط مني، ليتني جلدت بكل كلمة تكلمت بها في هذا الأمر بسوط، ولم يكن فرط مني ما فرط من هذا الرأي، وهذه المسائل قد كان لي سعة فيما سبقت إليه .
** وعن القعنبي أنه دخل على مالك في مرضه الذي توفي فيه، فسلم عليه وجلس إلى جانبه فبكى مالك، فسأله القعنبي، فقال: وكيف لا أبكي وقد أفتيت برأيي، وودت أني أبرحت ضربا بالسياط ولم أقدم على ما فعلت.
** ويروى عن أبي سبرة المديني قال: قلت للقعنبي: حدثت ولم تكن تحدث! قال: إني أريت كأن القيامة قد قامت، فصيح بأهل العلم، فقاموا، وقمت معهم، فنودي بي: اجلس. فقلت: إلهي ألم أكن أطلب؟ قال: بلى، ولكنهم نشروا، وأخفيته. قال: فحدثت .
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: