الحرب على المخدرات
إن الإسلام حرَّم الخمر، وحرَّم المسكرات والمخدِّرات والمفتِّرات؛ لأن جنايتها على الناس جناية عظيمة؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر».
اعلموا أن عدوكم الشيطان ذليل لا عزة له؛ ولذلك فقد أقسم بعزة الرحمن: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82]، وإن من طرق إغوائه إفسادَه لدين العبد، ولأخلاقه، ولعلاقته بأسرته ومجتمعه، بل إفساده لدنياه وآخرته، وإن أكثر ما يمكِّن الشيطان من ذلك، ويأتي له بأسرع النتائج، وأخصر الطرق التي يسلكها لتحقيق أهدافه - هو إيقاع العبد في مستنقع المخدِّرات والإدمان، وهذا دليل على خذلان ذلك الإنسان، نعوذ بالله من الخذلان، فالمخدرات - يا عباد الله - والْمُنبِّهات والخمر، هي أخطر شيء في هذا العصر، وهي من أنفذ الأسلحة التي يستعملها أعداء الدين للفتك بأبناء وبنات المسلمين، والجناية عليهم بما يُفسِد دينهم وعقولهم وأخلاقهم، فيصبحون أداة فساد وشرٍّ وهدم، لأنفسهم وبيوتهم وأسرهم، فيهدمون بذلك مجتمعات المسلمين.
عباد الله، إن الإسلام حرَّم الخمر، وحرَّم المسكرات والمخدِّرات والمفتِّرات؛ لأن جنايتها على الناس جناية عظيمة؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر»، بل لعن النبي في الخمر عشرة؛ فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها»، والمخدرات - أيها الإخوة - أشد وأخبث من الخمر؛ فقد جمعت جميع الشرور وأسباب الفساد؛ والله تعالى يقول: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]، وأضرار المخدرات على متعاطيها، وعلى المجتمع كثيرة، يصعب حصرها؛ فهي تؤدي بمتعاطيها إلى ذهاب عقله، وتبدل طبائعه، ومسخه إلى شيطان في صورة إنسان، وهي تقوده إلى فقدان الأمانة، وتفريطه فيما يجب عليه حفظه ورعايته؛ فلا يُؤمَن على مصلحة عامة، ولا على أموال، ولا على عمل، بل حتى لا يُؤمَن على محارمه وأسرته؛ لأن المخدرات قد أفسدت عليه إنسانيته والعياذ بالله، وهي تجعل متعاطيها منبوذًا ومكروهًا حتى من أقرب الناس إليه؛ فينعزل عن المجتمع، ويتحاشى الجميع مجالسته والوثوق به، وهي تدمِّر صحة من يتعاطاها، فتهجُم عليه الأمراض المستعصية، والهموم والاكتئاب، والأمراض النفسية، حتى تُسلِمه إلى الموت؛ فهي هلاك لمتعاطيها في الدنيا والآخرة، تبتعد عنه ملائكة الرحمة، وتتسلط عليه الشياطين، حتى تورده جهنم؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 36، 37]، ويكفي في الهلاك بسبب الخمر والمخدرات أن لعنة الله قد حلَّت على متعاطيها بلسان محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله شارب الخمر».
وأما أضرارها على المجتمع؛ فمنها: ضياع الأسر، وانحراف الناشئة، وفشوُّ الجرائم المتنوعة فيه، وانتشار الفواحش والمنكرات، ونزول الفتن والعقوبات؛ قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]، عباد الله، هذه بعض أضرار ومفاسد المخدرات في الدنيا، وأما العقوبة لمن يتعاطى المخدِّر والمسكِر يوم القيامة، يوم يقف بين يدي الله عز وجل، فما أعظمها وأفظعها! وقد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصحًا للأمة، وتحذيرًا للعباد؛ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة مدمن خمر»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طِينة الخَبال»، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «عَرَق أهل النار أو عصارة أهل النار»، فيا أيها المسلم، ويا أيها الشاب خصوصًا، إن كنت في عافية من هذا الأمر، فاحمَدِ الله الذي عافاك، وسَلْهُ سبحانه وتعالى أن يثبتك على هذه العافية، وأن يعيذك من هذا البلاء، وأن يحفظ عليك دينك، وأن يعيذك من أبواب الشر والفساد، واحذر هذا الطريق ولا سيما في البدايات؛ فإن البدايات لها ما وراءها من سوء النهايات، وإن كنت وقعت في شيء من ذلك، فتدارك نفسك بتوبة نصوح، وعودة إلى الله سبحانه وتعالى، وعدم التمادي في هذا الطريق، فعاقبته خسارة الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون، اعلموا أن للمخدرات أسبابًا تؤدي إلى انتشارها في أي مجتمع، فواجب على الجميع التعاون فيما بينهم، والتصدي لها ولأسباب انتشارها، وإن أول الأسباب وأعظمها لانتشار المخدرات هو انعدام التربية السليمة في البيت؛ فالطفل كالصفحة البيضاء ترسم فيها ما تشاء، فأحسنوا تربية أبنائكم، وحُوطُوهم برعايتكم، وكونوا قدوة صالحة لهم، وإذا كبِروا فاملؤوا فراغهم بما يعود عليهم بالنفع، وإلا كان الفراغ وبالًا عليهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ»، واحذروا وحذِّروهم من الرفقة السيئة، لا تتركوهم فريسة لذئاب البشر الذين يبنون ثرواتهم الملوثة على حساب تدمير أبناء المسلمين، وإن مرافقة الأبناء لقوم منحرفين ومصاحبتهم يؤثر كثيرًا على عقولهم وتفكيرهم؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
واعلموا أن المخدرات بلاء ودمار على الإنسان والمجتمع، خصوصًا ما ظهر منها في هذا العصر من مركبات كيميائية خطيرة تعطَب العقل، وتقتل روح الحياة، وتسلُب الإنسانية، وتُعجِّل بالوسوسة والهلوسة، وتُوقِع الإنسان في جرائم القتل والاعتداء على الأنفس والممتلكات، ومن أخطر هذه المواد مادة الشبو الخبيثة، فما تسمعون وتقرؤون وتشاهدون عنها ما هو إلا قليل من كثير من شرها، وعظيم خطرها، وإن أضرار المخدرات أكبر مما تتصورون، ونحن في بلدنا المبارك الآمن المطمئن مستهدفون بهذه المخدرات، وتشُنُّ علينا عصاباتها حربًا ضروسًا، وجميع أفراد المجتمع متضررون من المخدرات، والمستفيد الوحيد من المخدرات هو ذلك المجرم المروِّج الذي يريد أن يدمر أخلاق الناس، وأعراضهم وأموالهم، ودينهم ودنياهم، ويُفسِد ويُضيِّع أبناءهم وبناتهم وأُسَرهم؛ ولذلك فقد حاربتها دول العالم جميعه بلا استثناء، ولا ينبغي أن تقتصر مكافحتها ومحاربتها على جهة معينة، بل يجب أن يشترك الجميع في محاربتها، ودولتنا - ولله الحمد - لها قصبُ السَّبق؛ فقد حاربتها وأعدت في المنافذ والمطارات أجهزة ومسؤولين، همُّهم وشغلهم حفظ البلد، وإحباط تهريب المخدرات، وكذلك قامت بالحملات لمنع ودحر المجرمين المروِّجين، وكل منا مسؤول وعلى ثغر يجب عليه أن يشارك في منع دخول الشر والدمار، وانتشاره في مجتمعنا، والإبلاغ عن مروجيها، وهي أمانة يُسأل عنها كل إنسان، ويعظُم الدور على الأب والأخ والمعلم والأم؛ بإحسان رعاية أولادهم، وتوجيههم، وتحذيرهم من جلساء السوء، ومن أماكن الفساد.
نسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومن شر طوارق الليل والنهار، وأن يوفِّق رجال أمننا، وأن يحفظهم ويسددهم، وأن يكلل جهودهم بالنجاح، وأن يقمع بهم أهل الشر والفساد.
___________________________________________________
الكاتب: ناصر عواز العتيبي
- التصنيف: