المرأة الصالحة
قالﷺ: «خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ».
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].
قوله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} في تفسيرها قولان:
أحدهما: أن المرأة الصالحة هي المداومة على صلاحها، فالقنوت هو الدوام ويشمل ذلك صلاحها بطاعة ربها وطاعة زوجها.
والثاني: أن قانتات صفة للصالحات على معنى أن الصالحة هي الطائعة لزوجها، وتكون الآية خاصة بذكر صفات المرأة في تعاملها مع زوجها، وعلى هذا المعنى يكون في الآية صفتان للمرأة لا يكون الصلاح إلا بهما.
إحداهما: طاعة زوجها، نقل ذلك ابن كثير عن ابن عباس في تفسيره للقنوت.
وثانيهما: أن تكون حافظة للغيب، ويشهد لهذا المعنى أن ظاهر سياق الآية في النساء ذوات الأزواج، ولذلك قال في آخرها: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}.
وقد جاءت السنة ببيان ذلك وإيضاحه؛ لما له من أهمية عظمى في صلاح المجتمعات وبنائها بناءً سليمًا ثابتًا لا تزعزعه الشبهات ولا الشهوات، فروى ابن جرير في تفسيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ»، ثُمَّ قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ}.. الآية [1].
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: وهذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على صحة ما قلنا في تأويل ذلك، وأن معناه صالحات في أديانهنَّ، مطيعات لأزواجهنَّ، حافظات لهم في أنفسهن وأموالهم[2]، في هذا الحديث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن خير النساء من اتَّصفت بهذه الصفات.
فالأولى: أنها تسر زوجها إذا نظر إليها، إن سرور النفس مطلب لكل أحد يفرح به، ولو لم يحصل إلا في بعض الأحيان، فكيف به إذا كنت تراه في جميع زوايا بيتك، وفي مدخلك، ومخرجك وحال نومك، واستيقاظك، إنها نعمة عظيمة ما أجل قدرها وما أعظم خيرها.
والثانية: أن تطيع زوجها فيما يأمرها به.
والثالثة: أن تحفظه في نفسها وماله، وهاتان الصفتان هما المذكورتان في الآية المتقدمة.
والطاعة هنا ليس طاعة استعباد كما يفسر ذلك بعض الحاقدين على الإسلام وأهله بل هي طاعة محبة وثقة.
أما عن الصفة الثانية، فإن القلق والوساوس التي تصيب الزوج حال غيابه عن زوجته وولده وماله، يزول بالمرأة الصالحة ويحل مكانه الراحة والاطمئنان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»[3].
إن جميع متاع الدنيا ينعكس عند التقلبات، أما المرأة الصالحة فإن الشدائد لا تزيدها إلا حسنًا، ولهذا كانت خير متاع الدنيا، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث سعد رضي الله عنه: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ»[4].
فهذه أربعة أركان للسعادة التي يسعى إليها كلُّ إنسان إلا أنها لا تكتمل إلا بالمرأة الصالحة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل، قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم ذلك لكم، فأوضع على بعيره فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في إثره، فقال: يا رسول الله، أي المال نتخذ؟ فقال: «لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً، تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ»[5].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة، وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيَامَتَاعٌهَا الْمَرْأَةُ المُؤْمِنَة، إِنْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا أعجبتك، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ»[6].
وهي التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لما سأله المهاجرون: أي المال نتخذ؟ فقال: «لِسَانًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا شَاكِرًا، أو امَرْأَةُ صَالِحَةُ تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى إِيمَانِهِ» [7]، يكون منها من المودة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه، فيكون ألم الفراق أشد عليها من الموت أحيانًا، وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان، خصوصًا إن كان بأحدهما علاقة من صاحبه، أو كان بينهما أطفال يضيعون بالفِراق ويفسُد حالُهم[8].
تنبيه: إن الله تعالى من رحمته خفَّف عن المرأة أمور العبادة رحمة منه وفضلًا، فلم يلزمها بحضور الجمعة والجماعات، ولا الجهاد ولا غيرها من الأمور العامة، وما ذاك إلا لتتفرغ لبيتها والقيام بأمور زوجها وأولادها، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا؛ قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةِ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الجنَّةِ شِئتِ»[9].
وهذا ما فهمته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فروى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله - أو برسول الله صلى الله عليه وسلم [10].
والنساء اللاتي عرفنَ هذه الحقيقة وعملن بها، خرج من تحت أيديهن رجال ملؤوا التاريخ علمًا وذكرًا صالحًا، وصح ما قيل أن كل وراء رجل عظيم امرأة.
ومما يؤسف له أن بعض النساء ممن يردنَ الخير لم يفهمن هذه الحقيقة، أو تجاهلنَ العمل بها وقضينَ الأوقات في أمور لا شك أنها من الخير؛ لكنهنَّ تركن ما هو أوجب وأعظم! فما أدري أيردن دخول الجنة من باب غير أبواب الجنة الثمانية؟
فالوصية للنساء المؤمنات أن يعتنين بأزواجهنَّ وأولادهن وبيوتهن، ويستيقنَّ قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: «إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا..» الحديث[11].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] (3/ 2291) برقم (9340)، وذكر الألباني رحمه الله له شواهد؛ انظر: السلسلة الصحيحة برقم (1838).
[2] جامع البيان (3/ 2291).
[3] برقم (1467).
[4] صحيح ابن حبان برقم (4021).
[5] (37/ 110) برقم (22437) وقال محققوه: حسن لغيره.
[6] سبق تخريجه ص (148).
[7] سبق تخريجه ص (149).
[8] الفتاوى (35/ 299).
[9] مسند الإمام أحمد (3/ 199) برقم (1661)، وقال محققوه: حسن لغيره.
[10] صحيح البخاري برقم (1950)، وصحيح مسلم برقم (1146).
[11] سبق تخريجه ص (150).
__________________________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي