عناية الإسلام بالمرأة
حفظ الإسلام للمرأة حقوقها الاجتماعية، فأمر بإصلاح الباطن للرجال والنساء على حد سواء، وأمر المرأة بالحجاب، ومنعها من الخلوة والاختلاط بالرجال الأجانب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ولنعلم أن الإسلام قد اهتمَّ بالمرأة واعتنى بها وحفظ لها حقوقها، وبيَّنَ واجباتِها، ورفَعَها من قرار الذِّلةِ والعار إلى مقامِ العِزِّ والفَخار، فحارب التشاؤمَ بولادتها، وحرَّمَ وَأْدَها؛ بل أعلنَ أنَّ الإحسانَ إلى المرأة وإعالتَها سببٌ في دخول الجنة.
والإسلام هو الذي كرم المرأة أُمًّا، وأعلم الابنَ بأنَّ أحقَّ خَلْقِ الله بإكرامه وتعظيمه وحُسْن مُعاملته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أمُّه، وأنَّ الجنة تحت أقدام الأُمَّهات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: «أُمُّكَ»، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: «ثُمَّ أبُوكَ» [2].
وكرَّمها أختًا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» [3]، وكرمها بنتًا؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ» [4].
ورغَّب الإسلام في الإحسان إلى المرأة؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ معهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِندِي شيئًا غيرَ تَمْرَةٍ، فأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا، ولَمْ تَأْكُلْ منها، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلَيْنَا، فأخْبَرْتُهُ فَقالَ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِن هذِه البَنَاتِ بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ» [5].
وحفظ الإسلام حقوق المرأة زوجةً، وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا واستَوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّما هُنَّ عوانٍ عندَكم» [6]، وأعلم الإسلام الزوج بأن الزوجة الصالحة من أكبر نعم الله عليه؛ أخرج مسلم من حديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» [7].
والإسلام هو الذي قرَّر للمرأة حق الإرث بعد أن كانت لا ترث في الجاهلية؛ قال عز وجل: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]. وحفظ الإسلام للمرأة حقوقها الزوجية فلها الحقُّ في الموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوز إجبارُها على الاقتران برجل لا تريده، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ»، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ إذْنُها؟ قالَ: «أنْ تَسْكُتَ» [8]، وأوجب لها المهر في النكاح وجعله ملكًا لها، وجعل المعاشرة بينها وبين زوجها قائمة على المعروف، وجعل نفقة الزوجة حقًّا واجبًا على الزوج.
وحفظ الإسلام للمرأة حقوقها الاجتماعية، فأمر بإصلاح الباطن للرجال والنساء على حد سواء، وأمر المرأة بالحجاب، ومنعها من الخلوة والاختلاط بالرجال الأجانب؛ قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلَّا وكانَ الشَّيطانُ ثالثَهما» [9].
عباد الله، ومن الأمور التي اهتم بها الإسلام تجاه المرأة المسلمة أن تلبس ما تشاء من أنواع اللباس ما لم يكن محذورًا بأصل الشرع أو مباحًا ولكن يتعدى صاحبه فيه الحدود، وحرم الإسلام على المرأة الاقتصار على اللباس الذي يصف لون بدنها أو مفاصل جسمها، إلا الزوجة عند زوجها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما: قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا» [10].
ويحرم كذلك تشبُّه النساء بالرجال في اللباس، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تشبُّه الرجال بالنساء، وتشبُّه النساء بالرجال، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِن الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِن النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ"[11].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ"[12].
وهذه الأحكام والتعليمات التي بيَّنها الإسلام للمرأة هي عز وشرف وكرامة لها، فمتى التزمت المرأة بتعاليم الإسلام واستجابت لأمر الله تعالى ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم نالت العزة والكرامة في الدنيا والآخرة، وفازت في الدنيا في أن تعيش سعيدةً آمنة مطمئنة وفي الآخرة بالجنة التي أعدها الله تعالى لعباده المتقين المطيعين لأوامره"[13].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، إنه تعالى جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، ولنعلم أن من عناية الإسلام بالمرأة اعتناءه بالآداب التي تحفظ للمرأة عفتها وكرامتها، ومن تلك الآداب:
1- عدمُ التبرجِ وإظهارِ الزينة؛ لما في ذلك من الفتنة والشرور.
2- عدمُ الميوعة في الصوت والترخيمِ في اللهجة ونحو ذلك.
3- الابتعادُ عما يثير الفتنة بالمرأة من قِبَلِ الرجال الأجانب؛ كالطيب ونحوه.
4- منعُ سفر المرأة بدون مَحْرَم لها.
5- النهيُ عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، وعن الاختلاط بين الرجال والنساء.
عباد الله، إن الله عز وجل عندما شرع الحجاب للمرأة المسلمة فإن ذلك من أجل صيانتها عن الابتذال والامتهان، ولإحاطة كرامتها وعفتها بسياج من الاحترام، ولمنع النظرات الطائشة والتطلعات الفاجرة من الوصول إلى محاسن المرأة، والحجاب هو طاعةٌ لله تعالى وامتثالٌ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30 - 31].
فاتقوا الله عباد الله وصَلُّوا وسَلِّمُوا رَحِمَكُم اللهُ على عبدالله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
[1] ينظر: محمد بن حسن أبو عقيل، الحياة الطيبة، الطبعة الأولى، 1432هـ، ص 187- 188.
[2] صحيح البخاري، رقم: 5971.
[3] صحيح أبي داود، رقم: 236.
[4] صحيح مسلم، رقم: 2631.
[5] صحيح البخاري، رقم: 1418.
[6] صحيح الترمذي، رقم: 3087.
[7] صحيح مسلم، رقم: 146.
[8] صحيح البخاري، رقم: 5136.
[9] صحيح الترمذي، رقم: 2165.
[10] صحيح مسلم، رقم: 2128.
[11] رواه البخاري (5885).
[12] رواه أبو داود (4098).
[13] محمد بن حسن أبو عقيل، الحياة الطيبة، 188.
_______________________________________________
الكاتب: محمد بن حسن أبو عقيل
- التصنيف: