الشباب والمستقبل
إذا لم تخطط للنجاح، فأنت تخطط للفشل، وهذا شيء مُخيف حقًّا؛ لأنَّ النجاح لا يأتي صدفة، أو من دون قصد وفعل جاد.
إنَّ الإنسان بفطرته ينظر إلى الأمام، فالفلاح يزرع البذر، وهو ينتظر يوم الحصاد، ويزرع الشَّجر، وهو ينتظر ثمرتها بعد خمس أو عشر سنوات، والإنسان يربِّي ولده، ويُنفق عليه عشرات السنين، وهو ينتظر بِرَّه عندما يكبر، والمسلم إنسانٌ مستقبلي من الطراز الرَّفيع الممتاز، فهو يربط سُلوكه، ويستنفر همَّته طوال حياته، في سبيل الحصول على شيء واحد، وهو الفوز برضوان الله - تعالى - وبنعيم الجنة، والنجاة من النار.
والمطلوبُ من المسلم أن يكونَ ملتزمًا بأمر الله، وقَّافًا عن حدوده، كما أنَّه مطالب بأن يعمم الفكرة المستقبليَّة على حياته على هذه الأرض، وإنَّ المستقبل الحقيقي الذي يجب أن يستحوذ على جُلِّ تفكيرنا واهتمامنا ليس على هذه الأرض؛ إنَّما هناك في عالم الآخرة، العالم الفسيح الرحب، حيث الخلودُ الأبدي، والنعيم الدائم، أو حيث الشَّقاء الدائم؛ يقول الله - سبحانه وتعالى -: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
وإذا كُنَّا نعتقد بأنَّ المستقبل الحقيقي هو المستقبل الأخروي، فنحنُ مُحتاجون إلى النظر إلى أنَّ الدُّنيا مزرعة الآخرة، وأنَّ جزءًا من النجاحِ الأخروي مُتوقف على نجاحنا الدنيوي؛ لذلك حين نتحدث عن النجاح الدنيوي نقول: إنَّ النجاح الدنيوي إذا كان على الأصول، وفي إطار أحكام الشريعة وآدابها، فإنه نجاح ضروري وأساسي في هذه الأيام.
ثم ينتقل الكاتبُ بنا إلى تحديد سمات المستقبل، وكيف يجب أن ننظر إليه فيقول: المستقبل الذي نرنو إليه ذو طبيعة خاصَّة، ورُبَّما كان من صفاته الأساسيَّة أنه:
أولاً: مُستقبل مليء بالفُرص، مليء بالإمكانات المتاحة؛ لأنَّا نعمل كثيرًا من الأشياء الجيدة من أجل المصلحة الشخصية، ومن أجل المصلحة العامة.
ثانيًا: مستقبل مليء بالتحديات؛ حيثُ الفرصُ المتعددة ليست مُتاحة لكُلِّ فرد، بل للأشخاص المتميِّزين الجادِّين المتدربين المتعلمين، ومع التعقيد تكثُر البدائل والخيارات.
ثالثًا: كثرة المغريات؛ حيثُ يزداد سلوك الرذيلة يومًا بعد يوم، وتزدادُ معها فُرص الوقوع بالرذيلة؛ ولهذا فالمغريات والانحرافات الخُلقيَّة والسلوكية كثيرة جدًّا، وهي في زيادة مستمرة؛ ولذا فإنَّ متانة الدين والخلق مطلب أساسي للوقاية من ُمغرِيات العصر والمستقبل.
التخطيط للمستقبل:
وهناك عدَّة مفردات تنضوي تحت هذا العنوان ومنها:
المفردة الأولى: النظر الدائم نحو الأمام، وعدم الإغراق في المشكلات، ومشاغل الحاضر، وهمومه وآلامه وأحزانه، وقد ثبت تمامًا أنَّ عدم وجود شيء نَحلُم به هو السَّببُ الجوهري في ضياع أعمالنا وأوقاتنا سُدًى، دون استثمار أو استفادة، فالوقت والعمر يذهبان في عمل أشياء تافهة، إذا لم نضغطْ عليه بآمال مستقبليَّة.
المفردة الثانية: إذا حَلَمْتَ بشيء، فلْيكُن مشروعًا مباحًا، ليس في تحقيقه إثْمٌ ولا ضرر على أحد، وهذه أدنى الدَّرجات.
المفردة الثالثة: حين تحلُم بشيء، فاحْرص على أنْ يكون حُلمًا لك ولمن حولك، حُلمًا لك ولأهلك ولجماعتك ولبلدك، ولْنحلم بمن حولنا حتَّى نسلك طريق الفلاح، وهو طريقُ ذوي النُّفوس الزكيَّة والقلوب الطاهرة.
المفردة الرابعة: التخطيط للمستقبل هو أنْ تَمتلك رأيًا بشأنِ الحال التي تودُّ أن تكونَ عليها، وأن تتصرف بناءً على هذه المعرفة، فتعرف الوضع الأليق والأنسب لك في المستقبل، وتُحاولُ أن تسلك المسالك، التي تقرِّبُك من تلك الوضعيَّة الملائمة والمفضَّلة.
المفردة الخامسة: علينا ونحن نخطط للمستقبل أنْ نتمتعَ بالنَّظرة الكلية وبالتَّوازن، وتتضَمَّن هذه النظرة الحاجاتِ الرُّوحيَّة والشخصيَّة والأسريَّة والمهنيَّة، ولا بُدَّ هذه النَّظرة أن تخدمَ شَيْئين أساسيَّيْن: القيم التي نؤمن بها، والأهداف التي نسعى إلى تحقيقها.
المفردة السادسة: مهما كان تخطيطنا مُحكمًا ودقيقًا وقويًّا وعلميًّا، فلا يعني السَّيطرة على الواقع والتحكُّم فيه؛ بل نستطيع تحقيقَ بعض ما نحلُم به، ونتطلع إليه، فالواقع معقد جدًّا، ولا يتحكم فيه على نحو مطلق وكلي إلاَّ الله - جل جلاله.
ولْنحذر من شَيْئَين في هذا المجال: الأمر الأول هو اليأس، والثاني هو تخشُّب الأهداف، فالهدف ليس شيئًا مقدَّسًا لا يعتريه التعديل.
المفردة السابعة: حاول أنْ تُحدِّد أهدافَك بدقَّة ووضوح، وحاولْ أنْ تستخدمَ الأسئلة والتَّساؤلات عن تكوين صورة مُتكاملة عن الهدف، الذي تسعى للوصول إليه، وعن متطلبات ذلك الهدف؛ لأنَّ من أكبرِ المشكلات في تحقيق الأهداف غموضَ التعريفات والمصطلحات.
متطلبات تحقيق الهدف
يحتاج أي هدف لكي يتحقق بالصورة التي نريدها إلى:
أولاً: المغامرة.
ثانياً: حجم التغيُّر الذي سندخله إلى حياتنا، وعلى سلوكنا، وارتباط ذلك التغيير بالأهداف التي نحققها.
مُتطلبات بلوغ الهدف: وهي الخُطوات الأساسيَّة على طريق الوُصول إلى الهدف وتتلخَّص في:
1- يَجب أنْ يكونَ هناك مشروعٌ أو خطة عمل، ونُضفي على هذا المشروع اسمًا يُوحي بالتفاؤل والأمل، وبالقُوَّة والتصميم والعزيمة.
2- تقسيم الهدف إلى مشروعات صغيرة ترفد بعضها بعضًا.
3- وضع بداية ونهاية المشروع "الزمان والمكان".
4- تقييم المشروع على المدَّة الزمنية المحددة له.
5- مراجعة الأهداف وتقييمها.
6- الحوار والمناقشة مع الأصدقاء والمختصين والزملاء.
7- الاستفادة من أخطاء الماضي، وتحويلها إلى نقاط قُوَّة في المستقبل.
8- الحذر من التخطيط الزَّائد، الذي ينقلب إلى وسوسة.
9- وفي نهاية الكتاب يرشدنا الكاتب إلى بعضِ الحِكَم الهامَّة على طريق المستقبل وأهمها:
الحكمة الأولى: إذا تخلَّينا عن مبادئنا وقِيَمنا في سبيل تحسين مَعيشتنا ومواقعنا ورفاهيتنا، فإنَّنا نوشك أن نفقد الاثنين معًا، وهذه مزلة أقدام، ويجب أن ننتبه لها غاية الانتباه.
الحكمة الثانية: الإيمان بالله وبلطفه وكرمه، وحسن معونته لعبده - ينبغي أنْ يدفعَنا إلى العمل النافع لنا، ولأهلنا وللمسلمين عامة، ونتذكر قول النبي - صلَّى الله عليه وسلم -: «اليد العُليا خير من اليد السُّفلى».
الحكمة الثالثة: الأمان الحقيقي ليس في تجنُّب الأخطار، بل في مواجهتها؛ لذا علينا مواجهة الأخطار بثبات، وعزيمة، وقُوَّة، واحتساب، وتوكل على الله، لا أنْ نتجاهلها أو نبتعد عنها وننزوي.
الحكمة الرابعة: الاكتشافُ الحقيقي ليس باكتشاف أراضٍ جديدة، أو مكامن ومناجم لثروات جديدة؛ بل يكمُن في العثور على رُؤى جديدة تصلح بها نفوسنا ومُجتمعاتنا، ونعمر بها علاقتنا بربنا، وتساعدنا على إحلال الرَّحمة محل القوة، والإيثار محل الأَثَرة، والتعاطف محل الجفاء.
الحكمة الخامسة: إذا لم تخطط للنجاح، فأنت تخطط للفشل، وهذا شيء مُخيف حقًّا؛ لأنَّ النجاح لا يأتي صدفة، أو من دون قصد وفعل جاد.
الحكمة الأخيرة: أمَّة الإسلام ضعيفة الآن؛ ولهذا فهي تحتاج اليوم إلى أكبر عدد ممكن من الناجحين، وفي كافة المجالات، فلا تحتقر نفسك، وتقلل من شأنك، ولا ترضَ بالقليل، قدِّم نموذجًا وقدوة في بعض أبواب الخير والفضل، وانتظر عوائد ذلك من ربٍّ رحيم غفور، حميد كريم، سميع مجيب.
وصلَّى الله وسلم على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________________________________________________________
الكاتب: فادي أحمد المسالمة
إضاءات من كتاب: (الشباب والمستقبل) للدكتور: "عبد الكريم بكار".
- التصنيف: