العبد الشكور ( محمد صلى الله عليه وسلّم)

منذ 2023-09-06

إن أعلى منازل الخلق وأرقى مقامات الناس عند الله سبحانه وتعالى مقام (العبودية) لله رب العالمين..

أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى {﴿ وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ﴾﴿ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْـًٔا إِدًّا ﴾﴿ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلْأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدًّا ﴾﴿ أَن دَعَوْا۟ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا ﴾﴿ وَمَا يَنۢبَغِى لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾﴿ إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ إِلَّآ ءَاتِى ٱلرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ﴾﴿ لَّقَدْ أَحْصَىٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴾﴿ وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فَرْدًا ﴾}

 أيها الإخوة الكرام: إن أعلى منازل الخلق وأرقى مقامات الناس عند الله سبحانه وتعالى مقام (العبودية) لله رب العالمين.. 

{﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا۟ لِى وَلْيُؤْمِنُوا۟ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾}

إذا أراد ربنا سبحانه وتعالى أن يشرف بعض خلقه خاطبهم أو تكلم عنهم بوصف (العبودية) قال الله تعالى في شأن نوح عليه السلام {﴿إِنَّهُۥ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾}

وقال عز من قائل في شأن يوسف عليه السلام {﴿ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾}

وقال في شأن إبراهيم عليه السلام {﴿ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾}

وقال في شأن هارون وموسى عليهما السلام {﴿ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾}

وقال في شأن إلياس عليه السلام {﴿ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾}

وقال في شأن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام {﴿ وَٱذْكُرْ عِبَٰدَنَآ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ أُو۟لِى ٱلْأَيْدِى وَٱلْأَبْصَٰرِ ﴾}

وبهذا الوصف:  وصف العبودية لله رب العالمين ( بشر الله تعالى) بنبي آخر الزمان محمدا صلى الله عليه وسلّم في كتب الأولين.. 

فعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: 
لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ.. 

{{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا }} وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ وَأَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَسْتَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ قَالَ يُونُسُ وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا قَالَ عَطَاءٌ لَقِيتُ كَعْبًا فَسَأَلْتُهُ فَمَا اخْتَلَفَا فِي حَرْفٍ إِلَّا أَنَّ كَعْبًا يَقُولُ بِلُغَتِهِ أَعْيُنًا عُمُومَى وَآذَانًا صُمُومَى وَقُلُوبًا غُلُوفَى "

وإذا أراد ربنا سبحانه وتعالى أن يفتح باب الأمل في عفو الله تعالى بين يدي الناس خاطبهم بوصف ( العبودية) ﴿ قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا۟ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾

أعلى مراتب الناس، وأرقى مقامات الناس عند الله سبحانه وتعالى مقام (العبودية) لله رب العالمين.. 

لذلك كان أحب الأوصاف إلى قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم هو وصف ( العبودية) لله رب العالمين، يحب أن يسمع من الناس أنه عبد الله ورسوله، ويحب أن يقول أنا عبد الله ورسوله.. 

وصفه ب(العبودية) ربه سبحانه وتعالى في قوله ﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ﴾ ووصفه به أيضا في قوله ﴿ وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا۟ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾

ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلّم نفسه بنفسه بوصف العبودية) لله رب العالمين مرارا وتكرارا.. 

كانت امرأةٌ ترافثُ الرجالَ وكانت بذيئةً فمرت بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يأكلُ ثريدًا على طربالٍ فقالت انظروا إليه يجلسُ كما يجلسُ العبدُ ويأكلُ كما يأكلُ العبدُ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأيُّ عبدٍ أعبدُ مني قالت ويأكلُ ولا يُطعمُني قال فكلِي قالت ناوِلْني بيدِك فناولَها فقالت أطعمْني مما في فيك فأعطاها فأكلت فغلبها الحياءُ فلم ترافثْ أحدًا حتى ماتت. 

و «عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قالت: إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ يصلي حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، قالَتْ عَائِشَةُ فقلت : لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟! فقَالَ النبي صلى الله عليه وسلّم:«أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا»»  

هذه الإقبال وهذه ( العبودية) جاءت من رسول الله على علم بالله تعالى، جاءت عن معرفة تامة بعظمة الله تعالى.. 

قَالَ أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( «جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. »

أما أحدهم فهو علي بن أبي طالب، وأما الثاني فهو عثمان بن مظعون، وأما الثالث فهو عبد الله بن عمرو بن العاص.. 

«جاء ثلاثتهم إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. (يسألون عن حاله مع ربه إذا غارت النجوم ونامت العيون) فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا أي ( عدوها قليلة) فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟  قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا..  وفي رواية قَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا آكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ» .. 

«قال أنس: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي "»

الشاهد من هذا الأثر:  هو قول النبي صلى الله عليه وسلّم «( أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ) »

هو يعبد الله على علم، هو يعبد الله عبادة من يعرف ربه الخالق العظيم سبحانه وتعالى ، عبادة من يحب معبوده، عبادة من يعشق العبادة، عبادة من يدمن ركوعه وسجوده، ويرى فيها راحة قلبه وقرة عينه.. 

«دخلوا علي عائشة رضي الله عنها فقالوا يا أم المؤمنين حدثينا بِأَعْجَبَ مَا رَأَيْتِ مِنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَتْ رضى الله عنها بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلُّ أَمْرِهِ كَانَ عَجَبًا، أَتَانِي ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ دَخَلْتُ فِرَاشِي، فَدَخَلَ مَعِي حَتَّى لَصَقَ جِلْدَهُ بِجِلْدِي، ثُمَّ قَالَ " يَا عَائِشَةُ ائْذَنِي لِي أَتَعَبَّدْ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ » " 

«قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ هَوَاكَ، قَالَتْ: فَقَامَ إِلَى قِرْبَةٍ فِي الْبَيْتِ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ دُمُوعَهُ بَلَغَتْ حُبْوَتَهُ، ثُمَّ جَلَسَ، فَدَعَا وَبَكَىَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ دُمُوعَهُ بَلَغَتْ حُجْزَتَهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ، وَجَعَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ دُمُوعَهُ قَدْ بَلَغَتِ الْأَرْضَ، ثُمَّ جَاءَهُ بِلَالٌ بَعْدَمَا أَذِنَ، فَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ , تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ..؟!  قَالَ وَمَا لِي لَا أَبْكِي، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الْآيَةَ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا، ثُمَّ لَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا، وَيْحَكَ يَا بِلَالُ أَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا "»

ربط رسول الله حياته كلها بعبادة الله تعالى ربطا وثيقا فتكلم لله،  وأمسك لله، وأعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، وصلى لله، وصام لله، وتصدق لله، حياة كاملة متكاملة لا يكل فيها ولا يمل ولا يفتر لسانه عن الذكر والشكر والتسبيح والتقديس لله رب العالمين، يستوي حاله في الليل والنهار، وفي الشتاء والصيف،وفي الحضر والسفر..

  «عن أبي الدَّرداءِ قالَ:خرَجنا معَ النبي ﷺ في بعضِ غزواتِهِ في حرٍّ شديدٍ حتَّى إنَّ أحدَنا ليضعُ يدَهُ على رأسِهِ من شدَّةِ الحرِّ ما فينا صائمٌ إلَّا رسولُ ﷺوعبدُ اللَّهِ بنُ رواحةَ)»

ما نود الحديث عنه: 
هو أن رسول الله قدوة كل مسلم، وهو المثال الذي يحتذى لكل مؤمن، ليس في أخلاقه فقط،بل وفي معاملاته وسلوكياته أيضا وفي عباداته، حياته صلى الله عليه وسلّم في أبسط تعبير خريطة بها نقتفي وبها نهتدي في ظلمات البر والبحر، وبدونها نضل ونتوه كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، هذا ما نود أن نؤكد عليه يومنا هذا وفي كل وقت وأوان.. 

{﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾}

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.. 

الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث أن نقول: 
وماذا يراد منا؟ 
وما الواجب العملي بعد ما تعرفنا على حال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه؟ 
أقول: يراد منا الكثير، يراد منا أن نغتنم أيامنا وليالينا في أعمال صالحة وأقوال نافعة ونوايا حسنة تبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، 

نود أن نؤكد على أننا خلقنا في هذه الحياة الدنيا للعبادة {﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾} خلقنا لنعبد الله وحده وليس لشيء آخر إلا العبادة.. 
لستَ خالقا ولا رزّاقا إنما أنت ( أكال) ورزقك وتصريف حالك، وتدبير أمرك إلى الله سبحانه وتعالى، فكن لله تعالى كما يريد يكن الله لك فوق تريد.. 

قال الإمام أحمد: 
(إذا أردت أن يكون الله لك كما تحب فكن كما يحب) 

قلت: وإلى هذا المعنى أشارت الآيات:  {﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴾ ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مِنْ أَمْرِهِۦ يُسْرًا ﴾ ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُعْظِمْ لَهُۥٓ أَجْرًا ﴾}

قال ابن القيّم في " طريق الهجرتين"ولا تركنن إلى الرسوم والآثار ولا تقنع بالخسيس الدون وعليك بالمطالب العالية والمراتب السامية التي لا تنال إلا بطاعة الله فإن الله سبحانه قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته.. 
ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد فمن أقبل إليه تلقاه من بعيد،  ترك لأجله أعطاه فوق المزيد ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد "

افعل الأسباب وبعد ذلك فوض أموك كلها إلى مسبب الأسباب سبحانه وتعالى..
  «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.. »
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. « يَقُولُ الْعَبْدُ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فيَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } فيَقُولُ اللَّهُ مَجَّدَنِي عَبْدِي، ويَقُولُ الْعَبْدُ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فَيقول الله تعالى هَذِا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فيَقُولُ الْعَبْدُ { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } فَيقول الله تعالى هَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ..»  

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 2
  • 0
  • 786

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً