العلم شرف عظيم ومنزل قويم
العلم ركيزة من ركائز الإيمان بالله تعالى، وكلَّما ازداد المسلم علمًا ازداد إيمانًا، فهم في الدنيا أعلى الناس قدرًا، وفي الآخرة أكثر الناس حظًّا؛ قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
الحمد لله الذي جعل العلم نورًا واضحًا، وجعل الجهل ظلامًا دامسًا، وجعل الحق ناصعًا أبلجَ، وجعل الضلال مرتعًا موبقًا، وجعل التعلُّم سبيلًا رشدًا، أعدَّ الله له منزلًا معظمًا، وجعل التقاعس عن العلم موطنًا وضيعًا، فجعل النائين عن العلم في زيغ وضلال، وبصَّر الله المتعلمين بالهدى، وأمدهم بالظلال، فجعل العلماء أشرف الخلق، وهم ورثة الأنبياء وخلفاؤه، وجعل طلاب العلم أشرف الناس مرتعًا، فقال فيهم صلى الله عليه وسلم: «من سلك سبيلًا يلتمس به علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة»، فهم على منابر النور الهدى، وأصلي وأسلم على الهادي البشير محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، وبعد:
قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، وبيَّن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره أنَّ هذه خصوصية عظيمة للعلماء؛ لاقتران شهادتهم بشهادة الله جلَّ جلاله، وشهادةِ الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام.
وقال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: "وفي هذا دليل على أنَّ أشرف الأمور علم التوحيد؛ لأنَّ الله سبحانه شهِد به بنفسه، وأشهد عليه خواصَّ خلقه، والشهادة لا تكون إلَّا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصَر، ففيه دليل على أنَّ مَن لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة، فليس من أولي العلم"؛ (تفسير السعدي).
عباد الله، فالعلم ركيزة من ركائز الإيمان بالله تعالى، وكلَّما ازداد المسلم علمًا ازداد إيمانًا، فهم في الدنيا أعلى الناس قدرًا، وفي الآخرة أكثر الناس حظًّا؛ قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، فلم يقل جل وعلا: الذين أوتوا جاهًا أو مالًا أو ولدًا؛ بل قال بعد تحقيق الإيمان والتوحيد: الذين أوتو العلم درجات، فكيف يعقل بك أخي الحبيب أن تنأى عن طلب العلم وتعطي له ظهرك؟!
واعلم -أرشدك الله لطاعته- أنه ليس كل أحد ينال شرف العلم إلا من أحَبَّه الله تعالى، وأراد له مكانةً وشرفًا، ومِصْداق هذا ما قاله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِد اللهُ به خيرًا يُفِقِّه في الدين وإنما أنا قاسِمٌ واللهُ يُعْطي، ولن تزال هذه الأمةُ قائمةً على أمر اللهِ، لا يضُرُّهم مَن خالفهم، حتى يأتي أمرُ الله»؛ (البخاري).
فاجعل من نفسك حظًّا من هذا التشريف، واعلم أنك إن أعطيت ظهرك للعلم طلبه وتحصيله والاستماع إليه فاعلم أن الله لا يريد لك خيرًا، فمن يرد الله به خيرًا يُفَقِّه في الدين، وبيَّن الله العليم الحكيم أنَّ العلم سبب في رَفْع الدرجات؛ فقال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11].
عباد الله، ولذا فأشرف سبيل للعلم هو معرفة الله تعالى، بتحقيق توحيده جل وعلا، فالتوحيد هو أعلى وأشرف العلوم التي يتعلمها العبدُ في الدين، وهو أعظم ما يرفع العبد يوم القيامة، وكذلك معرفة كيفيَّة عبادته سبحانه؛ وذلك باتِّباع ما أمر الله سبحانه، وتجنُّب ما نهى عنه الله الكريم، واتِّباع ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجنُّب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
فكيف يا عبدالله، تعرف أوامر الله ونواهيه إلا بالعلم، كيف تعرف أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ونواهيه إلا بتعلُّم أحاديثه، وما قاله وما فعله إلا بالعلم.
فالله الله بالعلم، فالخير كثيرٌ، ونرى كثيرًا من الناس يعرضون عن العلم، فإذا أقيمت حلقة في المسجد ذهبوا معرضين، وإذا أقيم درس انصرفوا مدبرين، إلى متى تبقى أخي الحبيب على هذه الحالة؟! هل تدرك متى ستموت؟ وأين ستموت؟ وكيف ستموت؟ فتدارَك نفسك، وارفع قدرك بالعلم، وأنبل شرف يناله العبد إن كان مُلِمًّا بالعلوم الشرعية هو تحصيل منزلة طالب العلم.
قال صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا غشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».
وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم فضلَ العلم وأثرَه في أحاديث كثيرة، فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سلَك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنَّة، وإنَّ الملائكة لَتضعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنَّ طالب العلم يستغفرُ له مَن في السماء والأرض، حتى الحيتان في الماء، وإنَّ فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إنَّ العُلماء هم ورثةُ الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ»؛ (ابن ماجه وصححه الألباني).
فهل أنت غني عن هذه الفضائل، وهل أنت في غنى عن هذه المنازل؟
واعلم -أرشدك الله لطاعته- أن خير هذه الأمة مناط بالعلم والتعلُّم، واسمعوا لهذا الحديث العظيم الجليل، فعن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفَّة، فقال: «أيُّكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يومٍ إلى بطحانَ أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماويْنِ، في غير إثمٍ ولا قطعِ رحمٍ» ؟، فقلنا: يا رسول الله، نحبُّ ذلك، قال: «أفلا يَغدو أحدكم إلى المسجدِ فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عزَّ وجلَّ خيرٌ لهُ من ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاثٍ، وأربعٌ خيرٌ له من أربعٍ، ومن أعدادهنَّ من الإبلِ»؛ (مسلم).
ومن فضائل العلم تَعليمه للنَّاس بكلِّ السُّبُل التي تتوافَر والسَّعي لذلك، وفي السنَّة النبويَّة بيان عظيم لهذا العمل، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله وملائكتَه وأهل السَّموات والأرض، حتى النَّملة في جُحْرها، وحتى الحوت ليُصَلُّون على معلِّم النَّاس الخير»؛ (الترمذي وصحَّحه الألباني).
____________________________________________________
الكاتب: نهاد محمد العيثاوي
- التصنيف: