أيها الحاج.. عودًا حميدًا

منذ 2011-11-16
أيها الحاج.. عودًا حميدًا


كتبه/ عبد المعطي عبد الغني



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد عادت وفود الحجيج، وحطت رحالها بعد رحلة إيمانية وطئت فيها الأقدام أرضًا وطأتها أقدام الأنبياء، وسجدت الجباه على تربة زكية يفوح منها عرق الصحابة ودماؤهم، إنها رحلة امتزجت فيها المشاعر، وتعانقت فيها القلوب والأرواح، وسكبت فيها عبرات الخوف والرجاء، وارتفعت فيها الحناجر بالتلبية والذكر والدعاء، إنها رحلة طرقت فيها القلوب القاسية بمطارق المناسك فلانت، وطرقت الجلود المتبلدة بمطارق المواقف فاقشعرت، وطرقت العيون الجامدة بمطارق الندم فانهملت.

فنرجو -ورحمة الله واسعة- أن تكون الذنوب قد غفرت، والسيئات قد كفرت، والأوزار قد حطت، والدعوات قد استجيبت، والصحف قد بيضت، وعاد من عمِّر في طاعة ومعصية كيوم دفعت أرحام الأمهات، والجنة -موعود رسول الله -صلى الله عليه وسلم-- قد لاحت.

والعائد من الحج يحتاج -كغيره- إلى النصيحة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» (رواه مسلم).


وهذه بعض النصائح عساها تنفع كاتبها وقارئها:

1. استغفر الله كثيرًا، فأعمال العباد لا تخلو من نقص أو تقصير، وقد شرع الاستغفار لا للمذنبين وحدهم، بل للمطيعين أيضًا، قال الله -تعالى-: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199]. وقال الله -تعالى-: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17-18]. وسُن لنا الاستغفار عقب الصلاة.

1. احمدِ الله -تعالى- أن بلغك، وأتم عليك نعمته، والحمدُ كما يكون باللسان يكون بالقلب، وشكر هذه النعمة يكون بالثبات على الطاعات وعمل الصالحات.

3. احفظ نيتك بعد العمل كما حفظتها قبله، فإنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فلا تعجب بعملك، ولا تُرائي ولا تُسمِّع، فإن ذلك من محبطات الأعمال، والله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3].

4. أكثر من ذكر الله -تعالى-، ورطب لسانك بالأذكار الموظفة وقراءة القرآن، قال الله -تعالى-: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة: 200-202].

5. لقد تحررت من أسر الذنوب، وتخففت أثقالها، فانطلق حرًا مسرعًا في طريقك إلى الله -عز وجل-، وانشط في طاعة ربك، وسارع إليه، ولبِّ نداءه عند كل أمر، وانزجر عند كل نهي، وليتردد في نفسك: "لبيك اللهم لبيك"، و{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]. و{إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15].

6. ازهد في الدنيا، وارغب في الآخرة، فإن الدنيا ولـَّت مدبرة، والآخرة أسرعت مقبلة، ولكلٍّ بنون، فكن من أبناء الآخرة، ولا تكن من أبناء الدنيا، قال الحسن وقد سئل عن برِّ الحج: "أن يرجع في الدنيا زاهدًا، وفي الآخرة راغبًا".

7. لقد رأيت بعينيك صورة لأمتك الواحدة على الرغم من تباعد البلدان والأوطان، وتباين الأجناس والألوان، واختلاف اللهجات واللغات، وتنوع المراكز والطبقات.

هذه أمتك فعش قضاياها، واهتم بأمرها، واسعَ لإعادة مجدها، وانصر ضعيفها، وعزز جندها، واحذر أن تكون مسمارًا في نعشها، طاعتك خطوة في نصرتها، ومعصيتك شؤم عليها، فإن عجزت أن تسدد سهمك لنحور أعدائها، فسهام الليل لا تخطئ، ارفع يديك واجعل لأمتك من دعائك نصيبًا.

8. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. فإخوانك الذين شاركوك هذه الطاعة قوِّ صلتك بهم، وتودد إليهم، واسأل عنهم إن غابوا، وتقرب إليهم إن بعدوا، وصِلهم وإن قطعوا، فالمتحابون بجلال الله على منابر من نور يوم القيامة.

9. تتمخض المؤتمرات الكبرى عن توصيات، والحج كأعظم مؤتمر سنوي ينفض عن توصيات في غاية الأهمية، فقم لتجعل من هذه التوصيات واقعًا حيًا في حياتك، وحياة مجتمعك وأمتك.

- عش موحدًا، واثبت على العقيدة السليمة حتى يتوفاك الله وأنت كذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].

- انبذ الشرك ومظاهره، فإنه أظلم الظلم وأقبح القبيح، وتنقص لحق الله -تعالى-، والله لا يغفره لمن أتاه به: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].

- كن على يقين أرسخ من الجبال، وثق في موعود ربك كثقة أم موسى -عليه السلام-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7].

- أحسِن التوكل على الله -تعالى- فأنت أحسن حالًا من الطير: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

- استسلم لأمر الله -عز وجل-، فالله -عز وجل- أعلم بما يصلحك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بك من نفسك، فالخير ما أمر الله به، والشر ما نهى الله عنه؛ فاقبل شرع ربك، واحذر الجدل والمماراة، والفلسفة الآثمة، وكن مع الشريعة كالميت بين يدي مغسله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1].

هذا ولا تنس أن تدعو الله -عز وجل- أن يرزقنا وإياك وجميع المسلمين حج بيته أعوامًا مديدة وسنين عديدة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله وراء القصد.

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

  • 2
  • 0
  • 2,649

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً