أحاديث عن حفظ اللسان
قال: «إذا أصبَح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان (تَذِلُّ وتخضع له) فتقول: اتقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوجَجْتَ اعوجَجْنا».
الحمد لله {الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 61، 62]، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن الكذب والغِيبة والنميمة من الموبقات التي تُهلِك المسلم، إن لم يتب منها توبة صادقة؛ مِن أجل ذلك أحببت أن أحذر نفسي وأحبابي الكرام من هذه الموبقات الثلاث، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
حِفظ اللسان وصية رب العالمين:
قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: أي ما يتكلم بشيءٍ إلا كُتب عليه، مأخوذ من لفظ الطعام، وهو إخراجه من الفم، وفي الرقيب ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنه المتَّبِع للأمور.
الثاني: أنه الحافظ؛ قاله السدي.
الثالث: أنه الشاهد؛ قاله الضحاك.
وفي العتيد وجهان:
أحدهما: أنه الحاضرُ الذي لا يَغيب.
الثاني: أنه الحافظ المُعَدُّ إما للحفظ وإما للشهادة؛ (تفسير القرطبي - ج- 17 - ص- 11).
نبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على حفظ اللسان:
إن خطرَ اللسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في كثير من أحاديثه الشريفة، وسوف نذكر بعضًا منها:
(1) روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ»؛ (البخاري - حديث: 6018 / مسلم - حديث: 47).
قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: إذا أراد الكلام فعليه أن يفكِّر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحةُ تكلم، وإن شك لم يتكلم حتى تظهر؛ (الأذكار - للنووي - ص- 414).
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -: هذا الحديث من جوامع الكلِم؛ لأن القول كله إما خير وإما شر، وإما آيل إلى أحدهما؛ فدخَل في الخير كل مطلوب من الأقوال، فرضها وندبها، فأذِن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يؤول إليه، وما عدا ذلك مما هو شر أو يؤول إلى الشر فأمَر عند إرادة الخوض فيه بالصمت؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج- 10 ص- 461).
(2) روى البخاري عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن يضمن لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْليه أضمن له الجنة»؛ (البخاري - حديث: 6474).
(3) روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: «مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده»؛ (البخاري - حديث: 11 / مسلم - حديث: 66).
(4) روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة مِن سخَط الله لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم»؛ (البخاري - حديث: 6478).
(5) روى الترمذي عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاةُ؟ قال: «أمسِكْ عليك لسانك، وليسَعْك بيتك، وابكِ على خطيئتك»؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني - حديث: 1961).
(6) روى الترمذي عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبَح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان (تَذِلُّ وتخضع له) فتقول: اتقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوجَجْتَ اعوجَجْنا»؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني - حديث: 1962).
(7) روى الترمذي عن سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، حدِّثْني بأمرٍ أعتصم به، قال: «قل: ربي الله ثم استقم»، قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا»؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني - حديث: 1965).
(8) روى الترمذي عن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه، قال: قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: «ثكلَتْك أمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائدُ ألسنتهم»؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني - حديث: 2110).
• قال الإمام النووي - رحمه الله -: ينبغي لكل مكلفٍ أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركُه في المصلحة، فالسنَّة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرامٍ أو مكروهٍ، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء؛ (رياض الصالحين - للنووي - ص- 456).
________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق
- التصنيف: