غزوة أُحُد وأسباب النصر والهزيمة
إن غزوة أحدٌ لها أهمية كبيرة، وفي أحداثها الكثير مِنَ الدروس النافعة، فما أحرانا أن نقف عندها، لنستفيد من دروسها وحِكَمِها في واقعنا المعاصر وصراعنا مع أعدائنا، لنتحقق بأسباب النصر ونبتعد عن أسباب الهزيمة..
في الخامس عشر مِنْ شوال مِنَ السنة الثالثة من الهجرة النبوية وقعت غزوة أحد، وأنزل الله عز وجل على إثرها آيات تُتلى إلى يوم الدين، تتحدث عن أحداثها ونتائجها وحِكَمِها، وكان فيها تربية للأمة في كل زمان ومكان، ونزلت فيها ثمان وخمسون آية من سورة آل عمران، ابتدأت بِذِكْر أول مرحلة من مراحل الإعداد للمعركة في قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:121]، وانتهت بالتعليق الجامع على نتائج المعركة والحِكم التي أرادها الله منها فقال سبحانه: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:179].
أراد المشركون الانتقام لهزيمتِهم في معركة بدرٍ، فحشَدوا جيشَاً مِنْ ثلاثة آلاف مُقاتل على أطراف المدينة، واستشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه، وكان يريد التحصُّن في المدينة، لكنَّ كثيرين ألحُّوا على الخروج، فخرج صلى الله عليه وسلم في سبعمائةٍ مِنْ أصحابه بعد أن قام رأسُ المُنافِقين عبد الله بن أبي بن سلول بتخذيل الناس والرجوع بثُلُث الجيش، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم بمِنْ بقِيَ معه مِنْ جيشه عند جبل أُحُد، وجعل الرُّماةَ على مُرتفعٍ وأمرَهم ألا يبرَحوا مواقِعَهم، ودارَت رحا المعركة، وانتصَر المسلمون في بادِئ الأمر، حتى فرَّ المُشركون، واستعجلَ بعضُ الرُّماة فنزَلوا مِن الجبل يظنُّون الأمر انتهى، ثم التفَّ المُشرِكون وكرُّوا على المسلمين مِنْ خلفِهم، فقتلوا سبعين مِنْ خِيار الصحابة، وشجُّوا رأسَ النبي صلى الله عليه وسلم وكسَروا رباعيَّته، وأشاعُوا أنهم قتَلوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأوقعَ ذلك في قلوب المؤمنين حُزنًا عميقاً، وألما شديداً، ثم أشاعَ المُشرِكون أنهم سيقصِدون المدينة، فنادَى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما فيهم مِنْ جرحى ومصابين، فاستجابوا للنداء على ما بِهم من الجِراحات، ونفَروا لقتال المشركين، ولم يأبَهوا للمُخذِّلين، وقد أسفرت المعركة عن استشهاد سبعين من الصحابة رضوان الله عليهم، وقَتْلِ اثنين وعشرين من المشركين، وانصرف المشركون بعدها مكتفين بالذي حقّقوه، ولحق بالمسلمين ما لحقهم..
وفي غزوة أحد حدثت مواقِف وبطولات وانكِسارات، وكانت مِنْ مرحلتين: الأولى: انتصَر فيها المسلمون انتصاراً ظاهراً، وغنِموا غنائمَ كبيرة، والثانية: أصيب المسلمون فيها في نفوسهم وفي أبدانهم، حتى قال المسلمون حين أصابهم ما أصابهم: "أنَّى هذا ؟!"، ويعبر القرآن الكريم عن ذلك فيقول: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].. وفي هذه الغزوة تعلم المسلمون على مدار التاريخ والعصور الكثير من أسباب النصر والهزيمة، والتي منها:
أولا: أسباب النصر:
1 ـ وما النصر إلا مِنْ عند الله:
النصر ابتداء وانتهاء، بيد الله عز وجل، يهبه الله لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء، مثله مثل الرزق، والأجل والعمل، قال الله تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران:126].
قال السعدي: "وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له، فهو مشيئة الله لنصر مَنْ يشاء مِن عباده، فإنه إن شاء نصر مَنْ معه الأسباب كما هي سُنته في خَلقه، وإن شاء نصر المستضعفين الأذلين ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه، ومرجع الأمور إليه، ولهذا قال {عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ} } فلا يمتنع عليه مخلوق، بل الخَلْق كلهم أذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره، {الْحَكِيمِ} } الذي يضع الأشياء مواضعها". فمن نصرَه اللهُ عز وجل فلا غالِبَ له مِنَ الناس، ولن يضُرَّه خُذلانُ الخاذِلين، قال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} }[آل عمران:160).
ورغم أن العدد والعدة مَطلب شرعي كما قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60]، وهو مؤثر في نتيجة المعارك بمشيئة الله، إلاّ أنه مِن الخطأ الفادح الاعتقاد أن الأسباب مِنْ عُدَّة وعدد وغيرهما هي التي تجلب النصر، أو أنها فاعلة بذاتها في تحديد نتيجة المعركة. قال ابن تيمية: "الالتفات إلى الأسباب واعتبارها مؤثرة في المسببات شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع".
ومن ثم لابد أن يُرد النصر إلى مشيئة الله عز وجل، ولابد من تعلق القلب بالله، قال الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].. فإذا انتصر الكافرون على المؤمنين في بعض الأزمنة أو الأمكنة أو بعض المعارك، فذلك لتخلف سبب النصر وشرطه ووجود ما يناقضه، فيعاقب الله عز وجل المؤمنين على تفريطهم في دينهم وما أمِروا به لعلهم يرجعون، ويكون هذا ابتلاء وتمحيصا للمؤمنين، وإمهالا واستدراجا للكافرين، ولذا قال تعالى عما حدث في غزوة أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165].
قال الطبري: "يعني تعالى: أوَ حين أصابتكم، أيها المؤمنون {مُصِيبَةٌ} } وهي القتلى الذين قتلوا منهم يوم أُحُد، والجرحى الذين جُرِحوا منهم بأُحُد، وكان المشركون قتلوا منهم يومئذ سبعين نفرًا، {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} } يقول: قد أصبتم، أنتم أيها المؤمنون، من المشركين مثلي هذه المصيبة التي أصابوا هم منكم، وهي المصيبة التي أصابها المسلمون من المشركين ببدر، وذلك أنهم قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} } يعني: قلتم لما أصابتكم مصيبتكم بأحُد {أَنَّى هَذَا} } من أيِّ وجه هذا؟ ومِنْ أين أصابنا هذا الذي أصابنا، ونحن مسلمون وهم مشركون، وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي من السماء، وعدوُّنا أهل كفر بالله وشرك؟ {قُلْ} } يا مُحمد للمؤمنين بك مِنْ أصحابك {هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} }، يقول: قل لهم: أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم، بخلافكم أمري وترْككم طاعتي، لا مِنْ عند غيركم، ولا مِنْ قِبَل أحد سواكم، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} } يقول: إن الله على جميع ما أراد بخلقه من عفو وعقوبة، وتفضل وانتقام {قَدِيرٌ} }".
2 ـ طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفة أمره:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:45:46]. وقد ظهر ذلك في مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ووقوعهم في الخطأ الذي قلب الموازين، وأدى إلى الخسائر الفادحة التي لحقت بالمسلمين.. فالمسلمون انتصروا في أول المعركة حينما امتثلوا وأطاعوا أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، بينما انهزموا حينما خالفوا أمره صلى الله عليه وسلم ونزل الرماة من الجبل لجمع الغنائم قال تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:153]. قال الشيخ ابن عثيمين: "ومِن آثار عدم الطاعة ما حصل من معصية بعض الصحابة رضي الله عنهم، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، وهم يجاهدون في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، والذي حصل أنه لما كانت الغلبة للمؤمنين، ورأى بعض الرماة أن المشركين انهزموا تركوا الموضع الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوه، وذهبوا مع الناس، وبهذا كرَّ العدو عليهم مِن الخلف، وحصل ما حصل من الابتلاء والتمحيص للمؤمنين، وقد أشار الله تعالى إلى هذه العِلة بقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:152] هذه المعصية التي فات بها نصر انعقدت أسبابه، وبدأت أوائله، هي معصية واحدة والرسول عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم، فكيف بالمعاصي الكثيرة؟!" .
ثانيا: من أسباب الهزيمة:
1 ـ المعاصي والذنوب:
مِن خلال غزوة أحد ظهر أن المعاصي مِنْ أهم أسباب الهزيمة وتخلف النصر عن الأمة، فبسبب معصية واحدة، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه، ولاحت بوادره، وقد ظهر هذا الدرس في مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتركهم لأماكنهم، والذي قلب الموازين وأدى إلى الهزيمة، فالمسلمون انتصروا في بداية المعركة حينما امتثلوا أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، بينما انهزموا حينما خالفوا أمره صلى الله عليه وسلم.. ومِن ثم ينبغي أن يُعْلَم أنه وإنْ كان إعداد العُدة والعدد مطلبا شرعيا، إلا أن النصر والهزيمة لا يتوقفان عليهما، فبالمعاصي تدور الدوائر، فقد فاضت أرواح في تلك الغزوة بسبب معصية.. فالمعاصي سبب كل عناء، وطريق كل شقاء، ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في مجتمعات إلا أشقتها، وهي من الأسباب الرئيسية للهزيمة في الحروب، ومِنْ ثم ينبغي الحذر منها والبعد عنها، قال الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30].
قال ابن كثير: "أَيْ: مَهْما أصابكُمْ أَيُّهَا النَّاس مِنَ الْمَصَائِب فإِنَّما هو عنْ سَيِّئَاتٍ تَقَدَّمَتْ لَكُمْ". وقال السعدي: "{قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} } أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} } حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المُرْدية (المهلكة)".
وهذا المعنى قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد سنوات طويلة في رسالة إلى جنوده في فارس، يشرح لهم أسباب النصر المبنية على ما حدث في غزوة بدر وأحد وحُنين وغيرهم مِن غزوات، إذْ قال في رسالته المشهورة لجنوده: "إنكم لا تُنصرون على عدوِّكم بقوة العُدة والعتاد، إنما تنصرون عليه بطاعتكم لربكم ومعصيتهم له، فإن تساويتم في المعصية، كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العُدة والعتاد".
قال ابن حجر: "قال العلماء: وكان في قصة أُحُد وما أصيب به المسلمون فيها مِنَ الفوائد والحِكَم الربانية أشياء عظيمة منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منه".
2 ـ إيثار الدنيا على الآخرة:
مِنْ أسباب الهزيمة في معركة أحد إيثار الدنيا على الآخرة، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "لما هزم الله المشركين يوم أُحُد، قال الرماة: أدركوا الناس ونبي الله، لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم". وقد قال الله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152]. قال الطبري: "{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} } الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعب من أحُد.. {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} } يعني بذلك: الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم التي أقعدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعوا أمره.. وقال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: "ما كنتُ أرى أحداً مِنْ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أُحُد {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152]".
إن غزوة أحدٌ لها أهمية كبيرة في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، ومع ما فيها مِن آلام وجراح، إلا أنها لا تُعتبر هزيمة بالمعنى العسكري، وفي أحداثها الكثير مِنَ الدروس النافعة التي تتوارثها الأجيال بعد الأجيال، وقد تعلَّم منها الصحابة رضوان الله عليهم أسباب النصر وأسباب الهزيمة، فما أحرانا أن نقف عندها، لنستفيد من دروسها وحِكَمِها في واقعنا المعاصر وصراعنا مع أعدائنا، لنتحقق بأسباب النصر ونبتعد عن أسباب الهزيمة..
ومِن الآيات القرآنية التي نزلت في غزوة أحد قول الله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142:140]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:152]، وقوله سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169:165].
- التصنيف: