الاستثمار الحقيقي ((أو ولد صالح يدعو له))
إنَّ الاستثمارَ الحقيقيَّ والغِنى الباقي هو صلاحُ أبنائِك، وفلذاتِ فؤادِكَ، وتنشئتُهم على منهجِ النُّبُوَّةِ، فهم مَنْ سيُضيفون لرصيدكَ الخيرَ العميمَ.
الحمد لله نجَّا من الآفاتِ مَنْ كانَ له طائعًا، ولنبيِّه صلى الله عليه وسلم مُتَّبِعًا، ووصلَ لِخيرَيِ الدُّنيا والآخرةِ مَن سارَ على دربِ الكتابِ والسُّنَّةِ، وفازَ بالسَّعادةِ من كانَ لولدِهِ ناصحًا، وله مُرَبِّيًا.
أيُّها المباركُ - أدامَ اللّهُ عليكَ سِترَهُ، ووفَّقَكَ بلطفِهِ- كُلُّنا ذاكَ الرَّجُلُ الذي يسعى جاهدًا لزيادةِ رصيدِهِ، وَيَصِلُ اللَّيلَ بالنَّهارِ كي يُحَقِّقَ هدفَهُ ومَرْغُوْبَهُ، نسعى بكلِّ جهدٍ لاستثمارِ الرَّصيدِ، وتنميتهِ؛ لكنْ هل المالُ هو الاستثمارُ الحقيقيُّ؟! هل الذهبُ هو الاستثمارُ الحقيقيُّ؟!
الاستثمارُ الحقيقيُّ والكنزُ الباقي هو ما يَبقى نفعُهُ ويدومُ، ويَصلكَ نفعُهُ بعدَ موتِكَ.
إنَّ الاستثمارَ الحقيقيَّ والغِنى الباقي هو صلاحُ أبنائِك، وفلذاتِ فؤادِكَ، وتنشئتُهم على منهجِ النُّبُوَّةِ، فهم مَنْ سيُضيفون لرصيدكَ الخيرَ العميمَ.
((أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)).
إنَّهم من خيرِ الأعمالِ التي تقومُ بها، ولا يَشُكُّ إنسانٌ أنَّ خيرَ ما يُصْلِحُهُم هو تربيتُهم على القرآنِ والسُّنَّةِ، فهما خيرُ منهلٍ يَنهلون منه، ويَستقُونَ منه شِرْبَهُم، وهما المَعِيْنُ العَذبُ الزُّلالُ.
إنَّ اهتمامكَ بحضورِ ابنكِ لحلقاتِ القرآنِ فيه خيرٌ كبيرٌ وأجرٌ عظيمٌ، وهو دليلُ حرصٍ وتوفيقٍ لكَ من اللّه.
لكنَّ الأجملَ من ذلكَ أن تُعِينَهُ على حِفْظِهِ، وتكونَ سندَهُ في ذلكَ، حتَّى يُتِمَّ حفظَ كتابِ اللَّهِ فـتـتـهـَلَّـلُ به فَرِحًا مَسْرُوْرًا في دنياكَ وآخرتِكَ.
خطواتُ النَّجاحِ في حفظِ القرآنِ تبدأُ منكَ أنتَ أيُّها المباركُ، وإليكَ بعضها، وهي خطواتٌ عَمليَّةٌ تعينُ على الوصولِ للمطلوبِ، والفوزِ بالمرغوبِ، وتحصيلِ العلمِ النافعِ بحفظِ كلامِ عَلَّامِ الغُيوبِ.
أولًا: الاهتمامُ بتهيئةِ الجوِّ المناسبِ للحفظِ، حيثُ تعينهُ على عدمِ الانشغالِ بغيره؛ كجوَّالٍ وتلفازٍ ونحوهِ، فالحفظُ يحتاجُ إلى تفريغِ ذهنٍ ونَظرٍ أيضًا، فالتَّشتُّتُ لا يُنتِجُ إلَّا تشتُّتًا.
ثانيًا: تنسيقُ الوقتِ المناسبِ، وذلك بانتقاءِ أفضلِ وقتٍ للحفظِ والمراجعةِ يعينهُ على صفاءِ البالِ وحضورِ القلبِ والعقلِ.
ثالثًا: اختيارُ المكانِ المناسبِ للحفظِ، وخصوصيّةِ هذا المكانِ ألَّا يكونَ فيه ما يشغلُهُ ويقطعُ حفظهُ.
ثالثًا: احرصْ على إسماعِه المقطعَ المطلوبَ وترديدِه قبلَ أنْ يبدأَ الحفظَ.
رابعًا: احرصْ على أنْ يُردِّدَهُ كثيرًا وألَّا يَملَّ من ذلك، فالتَّكرارُ بريدُ الحفظِ وأوَّلُ درجاتِهِ.
خامسًا: أَعِنْهُ على سماعِ شيخٍ يحبُّهُ كثيرًا، واغتنمْ أوقاتَ وجودِه معكَ في البيتِ أو السَّيارةِ أو الاستراحةِ بإسماعِهِ تلاوةَ ذلكَ الشيخِ، وامدحْ طريقتَهُ وأسلوبَهُ في القراءةِ، ثُمَّ امدح ابنَكَ في تقليدِهِ لهُ، فيهتمَّ بهِ ويَسْعَدَ وَيَنشطَ للتَّرتيلِ.
سادسًا: لا تنسَ أنْ تُذكِّرَه على الدَّوامِ أنَّ حفظَ القرآنِ عملٌ كلُّهُ خيرٌ:
• فأهلُ القرآنِ هم أهلُ اللّهِ وخَاصَّتُهُ، وكفى بها نعمةً.
• أهلُ القرآنِ خيرُ النَّاسِ.
• أهلُ القرآنِ معَ السَّفَرَة ِالكِرامِ البَرَرَةِ.
• أهلُ القرآنِ في رِفْعَةٍ في الدُّنيا وَالآخرةِ.
• أهلُ القرآنِ مُقَدَّمُونَ في الدُّنيا والآخرةِ.
• أهلُ القرآن ِيُكَرَّمُونَ.
• أهلُ القرآنِ يَغبطُهُم النَّاسُ على ما هم فيه من نعمةِ حَملِهِ.
• أهلُ القرآنِ لهم الأولويَّةُ في الإِمامةِ.
• أهلُ القرآنِ العاملونَ بهِ يَشفعُ لهم القرآنُ.
• أهلُ القرآنِ يَشفعونَ يومَ القيامةِ.
• أهلُ القرآنِ يرتقونَ في الجنانِ بقدرِ محفوظهم منهُ.
• أهلُ القرآنِ يُلْبِسُونَ والدَيهم تاجًا يومَ القيامةِ.
سابعًا: ذَكِّرهُ بأمورٍ معينةٍ على الحفظِ:
• الإخلاصُ للّهِ سبحانَهُ في طريقِ حفظِ القرآن وفي جميعِ أعمالِهِ.
ذَكَرتُهُ في الأخيرِ ليكونَ آخِرَ عهدِكَ بالمقالِ وليس لعدمِ أهمِّيَّتِهِ، فمنَ المعلومِ أنَّ الكلامَ الكثيرَ يُنسِي بعضُه بعضًا فجعلتُهُ آخرًا كي تتذكَّرَهُ دومًا.
نفعنا اللهُ وإِيَّاكَ بما قلنا، ورزقنا وإيَّاكَ العِلْمَ النَّافعَ والعملَ الصَّالحَ.
وصلِّ اللَّهمَّ على سيِّدِنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلِّم.
قالَهُ بلسانِهِ، وكتبَهُ بمدادِهِ أخوكَ ومحبُّكَ: محبُّ الدِّينِ عليُّ بنُ تَقِيّ آلَ حمدٍ، حامدًا، شاكرًا، ومُصَلِّيًا.
حَوطةُ سُديرٍ في الثَّاني من ربيعٍ الثَّاني لعامِ 1445 من الهجرةِ.
__________________________________________________
الكاتب: محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري