الحذر (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ..
أبِدَعْوى الجاهليّة وأنا بين أظهركم ؟! أَبَعْد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به ؟
أيها الأخوة الكرام : أود أن أستهل لقاء يومنا هذا فأذكر في بدايته قصَّةٌ حقيقية وقَعَتْ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ،وهذا زمانها، أما مكانها فقد وقعت أحداث هذه القصة في المدينة المنورة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ..
أورد الحافظ السيوطي عليه رحمة الله في كتابة الدرّ المنثور :
أنَّه مرَّ رجلٌ من يهود المدينة اسمه شاس بن قيس ، وكان شيخًا قد عسا - أيْ كبر وسنّ - في الجاهليّة ، كان شاس بن قيس هذا عظيم الكُفر ، شديد الحقد على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، مرّ هذا الرجل اليهودي يوما على نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانوا جميعا من الأنصار ، والأنصار كان منهم الأوس ومنهم الخزرج ، قبيلتان عظيمتان لكن كان بينهما في الجاهلية حرب طال زمانها راح فيها سادة القوم ووجوه الناس ..
لكن لما جاء الإسلام أطفأ نار هذه الحرب وآخى رسول الله بين المهاجرين وبين الأنصار ، وآخى أيضا بين الأنصار والأنصار فأصلح بالإسلام ما كان بين الأوس والخزرج من عداوات قديمة ، حتى جالس بعضهم بعضا وسامح بعضهم بعضا وصالح بعضهم بعضا ..
مر اليهودي شاس بن قيس بالأنصار في مجلسٍ واحد قد جمعهم يتحدَّثون فيه ، يكلم بعضهم بعضا ، ويتبسم بعضهم في وجه بعض ، فغاظه ذلك وأفزعه ،غاظَهُ ما رأى من أُلْفتِهِم بعد العداوة التي كانت بينهم ، وغاظه جماعتهم بعد فرقتهم ، وغاظه صلاح ذات بينهم بعد الفساد الذي كان بينهم في الجاهليّة ..
فقال اليهودي : قد اجْتمعَ ملأٌ من بني قيلَة في هذه البلاد ووالله ما لنا معهم من قرار إذا اجتمع ملأهم ، فأمَرَ شابًّا كان معه من اليهود ، فقال : اِعْمِدْ إليهم فاجْلِسْ معهم ، ثمّ ذكِّرْهم بيوم بُعاث ، وما كان قبلهُ ، وذكرهم بآبائهم الذين قتلوا في يوم بعاث ،وأنْشِدْهم بعض ما كانوا تقاوَلُوا فيه من أشعار ...
وكان يوم بُعاث يومًا اقْتَتَلَتْ فيه الأوس والخزرج في الجاهليّة ، وكان النصر فيه للأوس على الخزرج ، فذهب هذا الشابّ فتحدث عن يوم بعاث وذكر الآباء الذين قتلوا ، وذكر القوم بما يكرهون فثارت نفوس القوم ، وتنازعوا ، وتفاخروا حتى تواثَبَ رجلان من الأوس والخزرج فتقاوَلا ، حتى قال أحدهما لِصَاحبهِ : إنْ شئْتُم والله ردَدْناها جَذْعَةً ! أيْ كما كانت وقْت نشُوبها ، وغضبَ الفريقان جميعًا وقالوا : قد فعَلْنا ..
فبلغَ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فخَرَجَ إلى ضحايا هذه المكيدة ، خرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهُم ، فحجز بينهم وقال عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه :
أبِدَعْوى الجاهليّة وأنا بين أظهركم ؟!
أَبَعْد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به ؟
وقطَعَ به عنكم أمْر الجاهليّة ؟
واسْتَنْقذَكُم به من الكُفْر ؟
وألّف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه ؟
فعرفَ القوم أنَّها نزْغةٌ من الشيطان اليهودي الذي اندس بينهم ، عرفوا أنهى مكَيْدٌة من عَدُوِّهم ، فألْقَوا السِّلاح وبكَوا وعانقَ بعضهم بعضًا ، ثمّ انْصَرفوا مع رسول الله سامِعين مُطيعينَ ، قد أطفأ الله عنهم كَيْد عدوّهم اليهودي شاس بن قيس ، وأنزَلَ الله في شأن هذه الحادثة قرآنًا كريمًا تلاه رسول الله عليهم ولم تزل هذه الآيات تتلى في المحاريب وعلى المنابر وعلى المنائر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
{﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ ﴿ وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُوا۟ وَٱخْتَلَفُوا۟ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾}
أيها الأخوة الكرام ، هذه القصَّة : قصة اليهودي الذي غاظه الوئام بين المسلمين ،والذي سعى للوقيعة بينهم والتحريش بينهم ، والتفريق بين جماعتهم قصة تتكرّر إلى يوم القيامة ، وتتكرّر في جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى يومنا هذا ، قال تعالى :
{﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾}
القرآن الكريم عبّر عن العداوَة وعن البَغْضاء وعن التحاسُد بين المؤمنين وسماه كفرا : {﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾}
من خلال تلك القصّة ، وتلك الآيات تتَّضِحُ بعض الحقائق التي لا ينكرها أحد :
أول هذه الحقائق أنّ القرآن الكريم ، وهو كلام ربّ العالمين عبَّرَ عن الخُصومة بين المؤمن وبين اخيه المؤمن ، وعبر عن العداوَة ، وعن البَغْضاء ، وعن التحاسُد بين المؤمنين عبَّرَ عن هذا الذي بينهم بالكُفْر ، قال تعالى : {﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾}
ويكأنه سبحانه وتعالى يقول للمؤمنين : أبعد إيمانكم ؟ ، أبعد لقائكم؟ ، أبعد محبّتكم ؟، أبعد توافقكم مع بعضكم بعضًا؟
أبعد اعتصاكم بالله ورسوله؟ ، أبعد أُلْفتكم؟ ، أبعد الحبّ الذي بينكم؟ ، أبعد المودّة التي بينكم؟ ، أبعد التفاهم الذي بينكم ؟ تعودون فيضرب بعضكم رقاب بعض ؟! ..
أما الخصومة ، والعداوة ، والبغضاء ، والتدابُر ، والتنافس ، والتحاسد ، وتراشق التُّهَم ، والطَّعْن ، فهذا كله عبَّرَ عنه القرآن بِكلمة الكُفْرِ .. ثم قال :وكيف تكفرون ؟ أيْ كيف تختصِمون ؟ كيف تتراشقون التُّهَم ؟ كيف يسلم بعضكم بعضا ؟ كيف يُبْغِضُ بعضكم بعضًا وأنتم على ملة واحدة ، وأنتم على منهجٍ واحد ؟ قال تعالى :
{﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾} هذه هى الحقيقة الأولى في هذه الآيات ..
أما الحقيقة الثانية فهى : لو أنّ جميع المسلمين اعتصموا بِحَبل الله تعالى ، وحبل الله هو القرآن الكريم ، لو أنّ المسلمين طبَّقُوا أحكام القرآن الكريم، وقفوا عند حُدود القرآن الكريم ، وأحلُّوا حلال القرآن الكريم ، وحرَّموا حرامه ، وائْتمروا بأمْرِهِ ، وانْتهَوا عمَّا عنه نهى ، لو أنّ المسلمين تفهَّموا كلام الله عز وجل ، وطبَّقُوا آيات القرآن الكريم في حياتهم ، في بيوتهم ، في أعمالهم ، في علاقاتهم ، في مسرَّاتهم ، في أحزانهم ، في زواجهم ، في تِجارتهم ، حتى في نزهاتهم ، حتى في كلّ نشاطات حياتهم ، لو أنّ المسلمين اعتَصَموا بِكِتاب الله تعالى لائتلفَتْ القلوب، وتوحَّدَت المشاعر ، ولتَعَاونَ المسلمون ، وكانوا قوّة كبيرة في هذا العالم ، فليس شيءٌ يُضْعِفُ المسلمين كالتنازع ، والتحاسُد ، والبغضاء ، والطَّعْن ، والتنابز ...
قال النبي عليه الصلاة والسلام "افترقت اليهودُ على إحدى وسبعينَ فِرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فِرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدة، وستفترقُ هذه الأمَّةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدة، قالوا: يا رسولَ اللهِ مَن الفِرقةُ الناجيةُ؟ قال: من كانَ على مثلِ ما أنا عليه اليومَ أنا وأصحابي. .. هذه هى الحقيقة الثانية ..
أما الحقيقة الثالثة فهى أن : تفكك الأمة والاختِلاف الدائم بينها والتباعُد الذي بينهم هو سببُ هلاك هذه الأمّة وسبب ضعْفها ، وقلة حيلتها ، وسببُ تمكينِ عدوِّها من رِقابها ..
يقول الله عز وجل : {﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾}
ويقول عز من قائل { ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾}
أيها الإخوة الكرام : إن حاجة المسلمين اليوم إلى المسلمين حاجة ماسة ، المسلمون بحاجة إلى التعاون فيما بينهم، المسلمون بحاجة إلى التناصر فيما بينهم
نؤكد على هذه الفِكرة مرّات كثيرة :
فما من وقتٍ أتى على المسلمين هم في أمسّ الحاجة إلى التعاوُن ، والتناصُر ، والتفاهم ، وترْك الخلافات ، والائتِلاف حول الأُصول ، وأن يعذُر بعضهم بعضًا ، وأن يلتمِسَ بعضهم لبعض العذر ، ما من وقتٍ المسلمون في أمسّ الحاجة إلى التعاون والتفاهم والتكامُل من أجل أن يقفوا سدًّا منيعًا أمام أعدائهم كهذا الوقت الذي نحن فيه .. فنحن اليوم بموقف لا نحسد عليه ، العالم كله رمانا عن قوس واحدة ..
ونؤكد على أننا لا نخافهم ،ولا نخشاهم ،ولا نحسب لهم حسابا ، فحسبنا الله ونعم الوكيل { ﴿ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا۟ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُوا۟ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ ﴾ ﴿ فَٱنقَلَبُوا۟ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُوا۟ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾}
أيها الأخوة الكرام ، هذه بعض الآيات الكريمة التي وردَت في القرآن الكريم ، والتي تجعلُ من وحدة المسلمين إيمانًا ، و تجعلُ من فرقتهم كفرًا وعِصْيانًا ، هذه الآيات الكريمة في مُجْملها تؤكِّد أنّ وحدة المسلمين فرضٌ حَتْميّ عليهم ، وأنّ الفرقة جريمةٌ يقترفونها ، وهم لا يشعرون .
الأمّة الإسلاميّة معْصومةٌ إذا اجتمعت ، والنبي محمد فقط معْصومٌ بِمُفردِهِ صلى الله عليه وسلم
قال عليه الصلاة والسلام(( .. «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ» ))
وظيفة علماء الأمة وحكماء الأمة هى: تبليغ الناس والنصح لهم :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ :
((خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ : أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ ) وقال عليه الصلاة والسلام(( يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ))
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح ذات بيننا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير ..
الخطبة الثانية
أيها الإخوة الكرام، لقد كانَ العربُ قبلَ الإسلامِ قبائلَ مُتناحِرة، وعشائرَ مُتقاتِلة، وقُرىً مُتفرِقة، يأكلُ بعضُهم بعضًا، ويُفني بعضُهم بعضًا، ويأكل القوي فيهم الضعيف د وطالَ بهم العهدُ وهم على ذلك حتى تنافرت قُلوبهم، واختلفت كلمتُهم، وضعُفت قوتُهم، وساءت أحوالُهم، حتى باتوا أذلاءَ تابعينَ لغيرهم؛ ولم تنصلح أحوالهم إلا بالإسلام ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام "ألم أجدكم ضلالًا فهداكم اللهُ بي، وكنتم متفرقينَ فألفكم اللهُ بي، وكنتم عالةً فأغناكم الله بي»،
بالإسلامُ وحدهُ يا عباد الله جمَّع الله تلك القبائلَ المتناحرة المتنافرة ، فلم تجمعُهم قبل الإسلام رابطةُ نسبِ، ولا رابطةُ عصب ، ولا رابطةُ ترابِ ولا رابطةُ لغة، والإسلامُ وحدهُ هو الذي جمعهم ..
قالَ جلَّ وعلا: {﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ } [الأنفال: 63]، الإسلامُ وحدهُ هو الذي صنعَ التاريخَ لهذه الأمَّةِ، وما كانت قبلَ الإسلامِ شيئًا مذكورًا، فالإسلامُ العظيمُ وقرآنهُ الكريُم هما بفضلِ اللهِ ورحمتهِ من نهضَ بأمَّةِ العربِ، وحولهم من رُعاةِ غنمٍ إلى قادةِ أُممٍ، هو مَن نقلهُم من مُستنقعِ التَّخلُفِ والرجعيةِ، والضَّعفِ والتَّبعيةِ، والتَّفرقِ والجاهِليةِ، إلى منصاتِ العزِّ والرِّيادةِ والخيرية، والحضارةِ والتَّقدُّمِ وقيادةِ البشرية ..
فتح المسلمون بيت المقدس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العام الخامس عشر من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام حاصر المسلمون فأبى الرهبان أن يسلموا مفاتيح بيت المقدس إلا لرجل موصوف في كتابهم ( يأتي على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامةٌ ولا قلنسوة، بين عُودَيْن، وطَاؤه فرو كبْش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبتُه شملةٌ أو نَمِرةٌ مَحْشوةٌ ليفًا وهي وسادته، عليه قميص قدِ انخرق بعضه، ودَسَم جيبُه” ) وكانت هذه صفة عمر رضي الله عنه ..
فكتب أبو عبيدة قائد المسلمين إلى عمر رضي الله عنه فجاء عمر رضي الله عنه يركب ناقة له على الصفة التي وردت بكتاب أهل الكتاب ( يأتي على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامةٌ ولا قلنسوة، بين عُودَيْن، وطَاؤه فرو كبْش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبتُه شملةٌ أو نَمِرةٌ مَحْشوةٌ ليفًا وهي وسادته، عليه قميص قدِ انخرق بعضه، ودَسَم جيبُه” )
وبالقرب من بيت المقدس وبينما القساوسة يقفون وينظرون ، إذ أتوا على مخاضة فيها وحل وماء ، فما كان من عمر إلا أن نزل عن ناقته وخلع خفيه ووضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة ..
فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك؟! فقال عمر : أوه لو يقل هذا غيرك يا أبا عبيدة لجعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، يا أبا عبيدة إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله).
نسأل الله العظيم أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا ، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير ..
- التصنيف: