من أسمائه تعالى: (الفتاح والرزاق والنور)

منذ 2023-12-22

ومن أسمائه: (الفتاح)، وفتحه نوعان: فتح بأحكامه القدرية والشرعية والجزائية، وهو حكمه بين عباده، يشرع الشرائع، ويسن لعباده الأحكام والوسائل والطرق التي يهتدون بها إلى جميع منافعهم ومصالحهم، ويحكم بين الرُّسُل وأتباعهم وبين أعدائهم، فيكرم الرسل وأتباعهم في الدنيا والآخرة، ويهين أعداءهم، ويكون هذا أكبر دليل على أن هؤلاء على الحق، وأولئك على الباطل.

 

والنوع الثاني: فتحه لعباده الرحمة والبركات؛ قال - تعالى -:  {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}  [فاطر: 2]، ويفتح لعبده المؤمن أبواب المعارف، وحلاوة الإيمان، وسرور اليقين، وسهولة الطاعات، وتيسير القربات، اللهمَّ افتح علينا فتوحك على العارفين.

 

ومن أسمائه: (الرزاق) لجميع المخلوقات، فما من موجود في العالم العلوي والعالم السفلي إلا متَمَتِّع برزقه، مغمور بكَرَمه، ورزقه نوعان: أحدهما الرِّزق النافع الذي لا تبعة فيه، وهو موصل للعبد إلى أعلى الغايات، وهو الذي على يد الرسول صلى الله عليه وسلم بهدايته وإرشاده، وهو نوعان أيضًا: رِزْق القلوب بالعلوم النافعة والإيمان الصحيح؛ فإن القلوب لا تصلح ولا تفلح ولا تشبع حتى يحصلَ لها العلمُ بالحقائق النافعة، والعقائد الصائبة، ثم التحقق بالأخلاق الجميلة، والتنَزُّه عن الأخلاق الرذيلة، وما جاء به الرسول كفيلٌ بالأمر على أكمل وجْه؛ بل لا طريق لها إلا من طريقه.

 

والنوع الثاني: أن يغنيَ الله عبده بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، والأول هو المقصود الأعظم، وهذا وسيلة إليه ومعين له، فإذا رَزَق اللهُ العبد العلم النافع والإيمان الصحيح والرزق الحلال والقناعة بما أعطاه الله منه، فقد تَمَّت أموره، واستقامتْ أحواله الدينية والبدنية، وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحتْه النصوص النبوية، واشتملتْ عليه الأدعية النافعة.

 

وأما النوع الثاني: وهو إيصال الباري جميع الأقوات التي تتغذى بها المخلوقات؛ برها وفاجرها، المكلفون وغيرهم، فهذا قد يكون من الحرام كما يكون من الحلال، وهذا فصل النزاع في مسألة: هل الحرام يسمى رزقًا أم لا؟ فإن أريد النوع الأول وهو الرزق المطلق الذي لا تبعة فيه، فلا يدخل فيه الحرام، فإن العبد إذا سأل ربه أن يرزقه، فلا يريد به إلا الرزق النافع في الدين والبدن، وهو النوع الأول، وإن أريد به مطلق الرزق، وهو النوع الثاني، فهو داخل فيه، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ومثل هذا يُقال في النعمة والرحمة ونحوها.

 

ومن أسمائه الحسنى: (النور)، فالنور وصْفه العظيم، فأسماؤه حسنى، وصفاته أكمل الصفات، وأفعاله - تعالى - رحمة وحمد وحكمة، وهو نور السموات والأرض، وبنوره استنارتْ قلوب المؤمنين، وبنوره استنارتْ جنات النعيم، وحجابه نور، لو كشفه لأحرقتْ سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، والنور الذي هو وصفه من جملة نعوته العظيمة، وأما النور المخلوق فهو نوعان: نور حسي كنورِ الشمس والقمر والكواكب وسائر المخلوقات، المدرك نورها بالأبصار، والثاني: نور معنوي، وهو نور المعرفة والإيمان والطاعة، فإنَّ لها نورًا في قلوب المؤمنين بحسب ما قام في قلوبهم من حقائق المعرفة، ومواجيد الإيمان، وحلاوة الطاعة، وسرور المحبة، وهذا النور هو الذي يمنع صاحبه من المعاصي ويجذبه إلى الخير، ويدعو إلى كمال الإخلاص لله، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، اللهُمَّ أعطني نورًا، وزدني نورًا»[1].

 

وهذا النور الذي يعطيه الله عبدَه أعظمُ منَّة منه عليه، وهو أصْل الخير، وهذا النور مهما قَوِيَ فإنه مخلوق، فإياك أن تضعف بصيرتك، ويَقِلَّ تمييزك وعلمك، فتظن هذا النور نور العيان، ومشاهدة القلب لنوع الذات المقدسة؛ وإنما هو نور المعرفة والإيمان، ويبتلى بهذا بعض الصوفية الذين تَرِد عليهم الواردات القوية، فيقع منهم من الشطح والخطل ما ينافي العلمَ والإيمان، كما أن كثيف الطبع، جافي القلب قد تراكمتْ عليه الظلمات، وتوالتْ عليه الغفلات، فلم يكن له من هذا النور حظٌّ ولا نصيب؛ بل ربما ازدرى من سفاهة عقله وقلة وجده هذه الأحوالَ، وزهد فيها، فمتى منَّ الله على العبد بمعرفة صحيحة متلقَّاة من الكتاب والسنة، وتفقَّه في أسماء الله وصفاته وتعبد لله بها، واجتهد أن يحقق مقام الإحسان فيعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه، ولهج بذكر الله - تعالى - استنار قلبُه، وحصل له من لذة المعرفة، ومواجيد الإيمان أعظم اللذات، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

 


[1] رواه مسلم.

  • 1
  • 0
  • 204

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً