مواقع التواصل دمرت بيتي
إن وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم مما تتمتع به من مزايا وإيجابيات؛ فإنها جعلت العديد من مستخدميها في حالة إدمان دائم، لوقت طويل جدًّا، دون الشعور بذلك، الأمر الذي أثَّر سلبًا في الحياة الزوجية.
إن وسائل التواصل الاجتماعي تُعَدُّ في الوقت الحاضر ذات أهمية كبيرة في حياة الكثير من الأشخاص، وعلى الرغم مما تتمتع به من مزايا وإيجابيات؛ كتوسيع لدائرة المعارف والعلاقات، وصقل الفكر والشخصية، والاطلاع على الثقافات العامة للبلدان، وتبادل الخبرات والمهارات، فإنها جعلت العديد من مستخدميها في حالة إدمان دائم، وأدت إلى استخدام الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية لوقت طويل جدًّا، دون الشعور بذلك، الأمر الذي أثَّر سلبًا في الحياة الزوجية.
يا عباد الله، تقول فتاة وهي مُطلَّقة منذ سنتين وأم لثلاثة أطفال: "مواقع التواصل الاجتماعي دمرت بيتي، أثناء انشغالي بتربية أولادي وأعمال المنزل، كان زوجي منهمكًا بمواقع التواصل الاجتماعي التي سهَّلت له إقامة علاقات عاطفية مجهولة، وإهماله لي ولأولاده، وكانت النتيجة شرخًا كبيرًا في العلاقة الأسرية".
ويقول شاب: "إن مواقع التواصل أدت إلى تعاستي وخراب بيتي؛ حيث إن زوجتي كانت مدمنة هذه المواقع؛ ما جعلها تهمل زوجها وتربية أولادها وشؤون المنزل، وقد حذرتها أكثر من مرة، ولكنها تمادت في الانخراط والانشغال بمواقع التواصل، وأخيرًا حينما وجدت نفسي محاصرًا بالمشاكل ألقيت إليها ورقة الطلاق".
يا عباد الله، إن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي من قِبَلِ الزوجين أو أحدهما له أسباب عدة؛ منها:
• أن كلًّا من الزوجين لديه مخزون هائل من التعبيرات والعواطف التي يرغب أن يبوح بها لشريك حياته، إلا أن الانفصال النفسي بينهما جعل تلك التعبيرات تذهب للغير في مواقع التواصل، أو يكون حبيسًا في النفس.
• الخيال الزائف في نفس أحدهما تجاه الآخر، ما يجعله يتوقع أن يكون الطرف الآخر رومانسيًّا، مثلما يشاهده أو يسمعه في القصص الخيالية؛ لذا تجعله يهرب من شريك حياته إلى مواقع التواصل؛ ليُفْرِغَ عواطفه مع مجتمع آخر.
• انعدام الوئام والأُلفة بين الزوجين؛ وذلك لعدم محبة أحد الزوجين للآخر، أو لوجود البغض من كليهما بسبب سوء الخلق عند أحدهما، أو ظلم أحدهما للآخر وعدم الإنصاف له، أو عدم السمع والطاعة للزوج بالمعروف.
• وقوع أحد الزوجين في المعاصي والمنكرات؛ كتعاطي الْمُسْكِرات أو غير ذلك من أنواع المحرمات؛ ما يؤدي إلى سوء الحال بين الزوجين.
• عدم اعتناء المرأة بالنظافة والتزيُّن للزوج باللباس الجميل، والرائحة العَطِرة، والكلام الطيب عند اللقاء والاجتماع بينهما؛ ما يسبِّب نفور الزوج من زوجته.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»؛ (رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم).
يا عباد الله، ولعلاج مثل هذه المشكلة أنصح بالآتي:
أولًا: تعلم المهارات الأساسية في تنمية الحب بين الزوجين؛ كالتحدث بلطف، واحترام شخصية الآخر، والتعاون معًا في تربية الأولاد، واتخاذ القرارات معًا.
ثانيًا: التوقف عن العدائية في الحوار، ففي حال اختلاف وجهات النظر، يسعى كل طرف إلى إثبات وجهة نظره، وأنه على حق وغيره على باطل.
ثالثًا: تحديد وقت مناسب للخروج والتنزه مع الأسرة، مع الحرص على التخطيط المسبق والجيد لمثل هذه الطلعات.
رابعًا: الابتعاد عن متابعة المشاهير والحُلم بأن يكون مثلهم، مع علمهما المسبق وقناعتهما بما يعيشه المشهور من مشكلات أسرية وأخلاقية واجتماعية.
خامسًا: الابتعاد عن التظاهر أمام الناس بأنه يعيش علاقة زوجية مثالية مليئة بالحب، وخالية من التحديات اليومية؛ ما يجعله في صراع نفسي وصراع مع الشريك الآخر.
سادسًا: الحرص على علاج المشكلات الأسرية، والجلوس مع الطرف الآخر، أو الاستعانة بمستشار صالح يصلح بينهما.
سابعًا: أغلق جميع الإشعارات التي تأتي من التطبيقات، وامسح التطبيقات التي تجعلك تدمنها، ثم حدِّد الوقت المناسب لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ثامنًا: تذكَّر دائمًا أن الله يراك ويراقبك، فلا تجعله أهون الناظرين إليك، واستَعِنْ به على أن يعينك على ترك الانغماس في المحرَّمات.
أخيرًا انظر إلى حالك وحال أسرتك، هل أنت راضٍ بما وصلت إليه علاقتك مع شريك حياتك، ومع أولادك؟ ابدأ الآن، واترك أسباب الإدمان، وعُدْ إلى بيتك وأسرتك.
هذا، وصلوا وسلموا - عباد الله - على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم.
_________________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش