من دروس الإسراء والمعراج أنه قد يكون (الألم نعمة)..

منذ 2024-01-31

فى الإسراء والمعراج أيها المؤمنون دروس وعبر،وآيات لمن تفكر ونظر ، أرى فى يومي هذا وفى موقفي هذا أن أحدثكم عن درس واحد فقط تحت عنوان يقول { قد يكون الألم نعمة }


ورد فى [ سنن الترمزى] من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ « كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» 

أيها الإخوة الكرام : فى مثل هذه الأيام من كل عام يطيب للمسلمين الحديث عن معجزة الإسراء والمعراج بسيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم  ..

نتحدث يومنا هذا عن درس واحد فقط مستفاد من هذه المعجزة ونحن نرفع أيدينا إلى السماء ، ونحنى رؤوسنا إلى الأرض إيماناً بحكمة الحكيم سبحانه وتعالى ،واستسلاماً لقدرة القادر العظيم التى لا تحدها حدود ولا تدركها عقول البشر ..

{﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾}

فى الإسراء والمعراج أيها المؤمنون دروس وعبر،وآيات لمن تفكر ونظر ، أرى فى يومي هذا وفى موقفي هذا أن أحدثكم عن درس واحد فقط تحت عنوان يقول { قد يكون الألم نعمة } ..

قد يكون الألم نعمة ..
هذا درس مستفاد من دروس الحديث عن الإسراء والمعراج .. وهل (الألم) نعمة ؟ وهل فى التعب والنصب والإبتلاء والمعاناة خير ؟ 

نعم قد يكون (الألم) نعمة وقد تكون (المعاناة) التى يعيشها الإنسان فى حياته خير .. يعرف هذا من يؤمن بحكمة الله سبحانه وتعالى ، يعرف هذا من يحسن التفكر وينظر فى عواقب الأمور ..

يرد علىّ أحدهم ويقول إن (المعاناة) مذمومة وإن (الألم) مكروه فأجيبه بأن (المعاناة) ليست مذمومة على الدوام و(الألم) ليس مكروها على الدوام فقد يكون من الخير للعبد أن يتألم أحياناً ، وأن يشتد عليه الإبتلاء أحياناً ،وأن يتعب وينصب أحياناً ، وفى التنزيل الحكيم { { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }}  

وفى صحيح السنة «أن النبى عليه الصلاة والسلام كان فى يوم من الأيام فى محفل من أصحابه فضحك حتى بدت نواجذه فلما فرغ قال ألا تسألوني عن الذى أضحكني ؟ قالوا ما الذى أضحكك يا رسول الله ؟»
«قال عجبت للمؤمن إن الله تعالى لا يقضى له قضاء إلا وهو خير له إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» . .
 
إن الدعاء الحار ،وإن التسبيح الصادق ، وإن الذكر الخالص لله رب العالمين ، لا يخرج من القلب ،ولا يتحرك به اللسان ولا يشعر بحلاوته الإنسان (غالباً )إلا فى وقت المحن والآلام ..

{ اللهم رب السموات السبع وما أظلت, ورب الأرضين وما أقلت , ورب الشياطين وما أضلت ، كن لنا جاراً من شر خلقك أجمعين، أن يفرط علينا أحد منهم أو أن يطغى، عز جاهك ، وجل ثنائك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك ، لا إله إلا أنت }

فى وقت (المحن والآلام) تتعلق القلوب بخالقها سبحانه وتعالى، وتشعر يقينا أنه لا منجى ولا ملجأ إلا إليه سبحانه ، واقرؤا القرآن أيها المؤمنون تجدونها صريحة لا تحتاج إلى بيان :

{{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }}  

{{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } }

{{ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ } }

تسبيح صادق ، ذكر خالص ، دعاء حار، يخرج من القلب والوجدان قبل أن يتلفظ به اللسان ، وهذا لا يكون كما أسلفنا إلا فى وقت المحن والآلام ..

أما الإنسان المُنعم الذى يعيش حياة ناعمة 
فيها الترف وفيها الراحة بعيداً عن الملمات وبعيداً عن الآلام والنكبات يبقى كسولاً فاتراً .. 
أنا معك أنه يصلى ويصوم ويقرأ القرآن ويذكر الله تعالى ويسبح ويدعو لكن الدعاء والتسبيح يخرج منه فاتراً بارداً .. لماذا ؟ لأن التسبيح والدعاء يخرج من لسانه لا من وجدانه ..

وخير شاهد على ما أقول سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وسيرة السابقين الأولين من أصحابه رضوان الله تعالى عليهم ..

عاشوا فجر الرسالة ، وحضروا مولد الملة، وكانوا على موعد مع بداية البعثة المحمدية ، فكانوا أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علمًا وأقواها حجةً وأقلها تكلفاً وأقومها هديًا وأحسنها حالًا .. أتدرون من أين جمعوا كل هذه الفضائل ومن أين اكتسبوها ؟ 

جمعوها واكتسبوها من حياة ( الألم ) و(المعاناة) التى عاشوها مع النبى عليه الصلاة والسلام , عاشوا معه (ألم) الجوع و(ألم) الفقر و(ألم) الحصار ، عاشوا معه (ألم) التشريد والطرد والإبعاد والتعذيب فجعلت منهم هذه الحياة المريرة رجالاً وأبطالاً أطهاراً {{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ , وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } }

يأتى الخباب بن الأرت رضى الله عنه
يأتى وهو يتألم يأتى وهو مهموم مكروب قد ضربه المشركون وعذبوه وجعلوا أسياخ الحديد فى النار حتى احمرت ثم أطفؤوها فى رأسه (عذاب وألم ومعاناة ) صبر عليها الخباب طويلاً فلما فاقت احتماله أتى يشكوا إلى النبى عليه الصلاة والسلام ورسول الله يومها متوسدٌ برداً له عند الكعبة فيجلس الخباب يتكلم بين يدى النبى عليه الصلاة والسلام وإذ به يقول فيما روى { يا رسول الله أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا } فيعتب عليه النبى عليه الصلاة والسلام فيقول يا خباب { «قد كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ» } ثم يبشره صلى الله عليه وسلم ويبشر معه كل (متألم ومتألمة ) فيقول  «وَالذى نفسى بيده لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»  

ما لقيه الصحابة من (الألم والمعاناة ) فى سبيل الله لقي أضعافه الرسولُ عليه الصلاة والسلام، وُضع التراب على رأسه، وُضع الروث والقذر على ظهره، وداس عدو الله أبو جهل على رأسه حتى كاد أن يكسرها، وخنقه عقبة بن أبى معيط حتى كاد أن يقتله لولا لطف الله سبحانه وتعالى ...

هذه (الآلام) وهذه (المعاناة) التى عاشها الرسول والذين آمنوا معه طهرتهم ونقتهم وصفتهم وجعلت منهم رجالاً أطهاراً وأبطالاً ..

وبينما هم على هذا الحال جائتهم الإسراء والمعراج {{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } }

جائت الإسراء والمعراج لتقول للمؤمنين بصريح العبارة أنتم على الحق وإن الله معكم وإن حكمته وإن عظمته وإن قدرته لا تحدها حدود، ولا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء وإنه ناصركم ولو أراد أن يهلك عدوكم لأهلكه لكنه يمهلهم إعمالاً لسنته فى خلقه { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ } فاثبتوا واصبروا وصابروا واحتسبوا أجوركم على الله ..

مهما تألمتم مهما قاسيتم وعانيتم فتحملوا ولا تيأسوا من روح الله ولا تقنطوا من رحمة الله وأبشروا فإن بعد (الألم) راحة وبعد (المعاناة) معافاة وبعد (الحزن) فرح وبعد (الهم) فرج، ومع كل (عسر) يسراً ، بل مع كل عسر يسرين ، قال أنس كان رسول الله جالساً وأمامه حجر فقال لو جاء العسر فدخل هذا الحجر، لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه ..

فقط احفظ الله يحفظك احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعرَّفْ إِلَى اللهِ في الرَّخَاءِ يَعْرِفكَ في الشِّدَّةِ وَاعْلَمْ أنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ..

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفك كربك المكروبين ، وأن يفرج همّ المهمومين إنه ولي ذلك والقادر عليه ..

الخطبة الثانية 
أما بعد فيقول ربنا سبحانه {{ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } }

بقى لنا فى ختام الحديث أن نقول بعد أن تقرأ وتسمع عن الإسراء والمعراج وعن الأحوال التى سبقتها وبعد أن يطمئن قلبك إلى أن حكمة الله تعالى تحضر في جميع تفاصيل حياتك ، وبعد إيمانك الكامل بقدرة ربك لا تحدها حدود أقول لك يا ابن آدم إن دوام الحال من المحال وإن الأمل يولد من رحم الألم وإن النور يولد من رحم الظلام وفى الإسراء والمعراج مثل من الأمثلة ﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾
نصر كبير وفتح عظيم وتأييد مهيب جاء بعد معاناة وألم ..

فى إشارة إلى أن بعد الصبر أجر ، وبعد الجوع شبع، وبعد الظمأ رِىٌّ، وبعد المرض عافية، وبعد الهم والغم والكرب فرح وفرج وحياة، فإذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد فاعلم أن ورائها رياضاً خضراء وارفة الظلال، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أنه سينقطع هذه سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً ..

فقط أحسن الظن بالله وأحسن فيما بينك وبين الله وفيما بينك وبين عباد الله تجد التوفيق والسداد والتيسير {{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا }} { { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرً }}

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا يسراً ليس بعده عسر وأن يرزقنا غنىً ليس بعده فقر وأن يرزقناً أمناً ليس بعده خوف وأن يرزقنا سعادة ليس بعدها شقاء .. اللهم آمين .

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 2
  • 1
  • 722

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً