خطبة الجمعة ومكانتها في الإسلام
إن الداعية إلى الله، وخطيب الجمعة – خاصةً - حين ينزل من على منبره، وبعد أن عرَّف الناس ودعاهم إلى خالقه، ليجدُ سعادةً، وراحة تنزل على قلبه لا يجدها من عاش بين لذة الحياة ومتعتها، بل هي الراحة والسعادة والكرامة بعينها.
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب والفرقان، وجعله بأشرف لغة وأحسن بيان، بهر بجمال أسلوبه أربابَ فصاحة اللسان، وأعجز بنظامه وقوة بيانه أهلَ الكفر والطغيان، وجعله قائمًا ومهيمنًا على جميع الكتب والأديان.
والصلاة والسلام على من جعله الله داعيًا ورسولًا، وللناس كافةً بشيرًا ونذيرًا، وأمره أن يعظ قومًه وعظًا حسنًا، ويقول لهم في أنفسهم قولًا بليغًا، فقام برسالة ربه بأحسن وجوه الوعظ وأتمها، ودعا إلى ربه بأفصح لغة وأبلغها، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا من ابتعد منها وحاد عنها، فأصبحت أمته خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس بنبيها، وفضائلها التي فضلت بها على غيرها، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله شرفٌلا يعد له شرف، ومنزلةٌ وكرامة لا تضاهيها أية منزلة، ويغنيك من الكلام عن شرفها وعظيم قدرها ومنزلتها، قول الله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، فالدعوة إلى الله هي مقام الأنبياء، والرسل والأصفياء، وحسبها شرفًا أنها وظيفة قادة الأمم من الأنبياء والصالحين والخلفاء، ومن شاكَلهم من العلماء، فلا أحسن كلامًا، ولا أشرف مقامًا ممن دعا إلى الله سبحانه وتعالى.
وحسب الخطيب والداعية إلى الله، ومن يقف لوعظ الناس وهدايتهم وإرشادهم - أنه يدعو إلى خالقه، وأنه يدعو ويقف مقام أنبياء الله ورسله، وأن هذا المقام وهذه المنزلة والرفعة لا تساويها كراسي ملوك الدنيا، بل لا تساويها الدنيا، وما حملته على ظهرها.
بل إن الداعية إلى الله، وخطيب الجمعة – خاصةً - حين ينزل من على منبره، وبعد أن عرَّف الناس ودعاهم إلى خالقه، ليجدُ سعادةً، وراحة تنزل على قلبه لا يجدها من عاش بين لذة الحياة ومتعتها، بل هي الراحة والسعادة والكرامة بعينها.
والداعي إلى الله هو الدليل والطريق الموصل إليه سبحانه وتعالى، فكل من وصل إلى الله، وتعرف عليه، أو تاب ورجع إليه، فللدليل المعَرِّف عليه من الأجر والثواب كما للذي رجع إليه، كما قال سيد الدعاة عليه الصلاة والسلام: «الدال على الخير كفاعله»[1].
فالدعوة إلى الله هي التجارة الرابحة، وهي الحياة الهادفة الناجحة؛ لأن الداعي إلى الله كالغيث أينما حل نفع، وحيثما كان انتفع، فكم هدى الله أممًا بسبب دعاة أقاموا فيها، وكم من قرية كانت ميتة ببعدها عن ربها، فأحياها الله بداعية نزل بها، أو عالم حلَّ فيها، كم من قبيلة اشتد عداؤها، وسالت دماؤها، فألَّف الله بين قلوبها بداعية إلى الله ذكَّرها ووعظها، ورغَّبها ورهَّبها، فأصلح الله به ما عجز غيره عنه.
فلا عجب أن يكون العلماء والدعاة إلى الله ورثة أنبياء الله في أرضه، وصفوته من خلقه، ونسأل الله أن يستعملنا في طاعته، وأن يجعلنا من دعاته، وورثة أنبيائه، وحماة دينه وأنصار شريعته!
[1] الترمذي (2670)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
- التصنيف: