سوريا: المعادلة الدولية وخيارات المعارضة
منذ 2011-12-23
اتسم المشهد السوري في الأسابيع الأربعة الماضية بحالة جمود جراء فشل المبادرات الخارجية في إيقاف العنف، حيث تعثرت مبادرات ..
اتسم المشهد السوري في الأسابيع الأربعة الماضية بحالة جمود جراء فشل المبادرات الخارجية في إيقاف العنف، حيث تعثرت مبادرات (مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي) ولم تُجد نصائح تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، ولم تردع تحذيرات فرنسا وبريطانيا وأمريكا النظام عن الاستمرار في انتهاك حقوق الشعب.
ونظرًا لما ينتاب الأزمة السورية من تعقيدات تفضي إلى المماطلة وإلى المزيد من المهل، فقد استعصى فهم المواقف الإقليمية والدولية على المتابع العربي، وأصبح من المتعين تحليل الأزمة في إطار يساعد على فهمها، وذلك من خلال اتباع أحد أهم مناهج التحليل الإستراتيجي التي تستخدمها مراكز الفكر الغربية في العقود الأربعة الماضية.
فمنذ أيام (كيسنجر) اعتمدت وزارة الخارجية الأمريكية نظرية: (المثلث الإستراتيجي) المتكون من محور وجناحين، تستخدم فيه المعادلات الرياضية كوسيلة لحساب موازين القوى، وتحديد أطراف المعادلة الإستراتيجية، وتقييم قدرة كل طرف منها على التحرك والأخذ بزمام المبادرة، ومن ثم قياس ردود الأفعال المحتملة وكيفية التعامل معها، ومن خلال استخدام هذه المعادلة يمكن توضيح المشهد السوري وتعقيداته فيما يلي:
أضلاع المثلث الإستراتيجي:
أسفرت تطورات الثورة السورية عن تشكل ثلاثة محاور تتباين في مواقفها تجاه النظام، إلا أن أضلاع المثلث متساوية في أدائها السياسي، ولا تزال تفتقر إلى المحور، مما أوقعها في حالة جمود لم تنجح معه أي من الأطراف في فرض سياستها، وتتمثل الأطراف الثلاثة في:
1- المحور الإيراني: الذي تدعمه روسيا والصين، وتدور في فلكه لبنان والعراق، ويسعى هذا المحور إلى دعم النظام السوري بهدف حماية شبكته التي ترتكز عليها مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية، وتقف روسيا إلى جانب هذه الشبكة لأنها لا تؤثر على مصالحها في الوقت الحالي، وتمثل في الوقت نفسه أفضل وسيلة لصيانة مصالح موسكو في سوريا، وردع الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي من الامتداد في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط.
كما تتقاطع المصالح الصينية مع الروسية في الكثير من محاورها، مما دفع بكلتا الدولتين لاستخدام حق النقض ضد قرارًا يدين سوريا في مجلس الأمن، وقيامهم بتزويد دمشق بأنظمة صاروخية متطورة.
2- المحور العربي: الذي يشعر بالقلق من تعاظم النفوذ الإيراني وتأثيراته السلبية على أمن هذه الدول واستقرارها، وقد انضمت تركيا إلى هذا المحور بسبب خشية مشتركة من امتداد شبكة النفوذ الإيرانية، وما تمتلكه من منظومات صاروخية متطورة، وميلشيات طائفية تنزع إلى العنف تحت ستار (المقاومة) كما يشارك الأتراك إخوانهم العرب في التخوف من احتمالات تأثير الأوضاع في سوريا على بلادهم، وإمكانية وقوع أزمات اقتصادية وأمنية واجتماعية، واندلاع نزاعات طائفية وإثنية سيكون لها تأثير سلبي بالغ على هذه الدول.
وعلى الرغم من السعي لاحتواء الأزمة بشتى الوسائل، إلا أن المحور العربي لا يريد سقوطًا مفاجئًا للنظام لما قد ينتج عنه من انعكاسات سياسية وعسكرية وأمنية تضر بمصالحها، ولذلك فإنها تسعى إلى التدرج في حسم المشهد.
3- المحور الغربي: الذي تنشط فيه فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بصورة خاصة، وتقف خلفه دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وترى هذه القوى أن أفضل وسيلة للحد من نفوذ إيران هو العمل على إسقاط النظام السوري، وتوفير بديل يحجم المد الإسلامي، ويتعهد باحترام الحدود القائمة مع دول الجوار وعلى رأسها (إسرائيل) وينسجم مع الإستراتيجيات العليا للغرب والمتمثلة في محاربة (الإرهاب) وحماية الممرات المائية، وتقديم التسهيلات لحلف شمال الأطلسي على أراضيه.
متى تشكل هذا المثلث؟
تشير صحيفة (هيرالد تربيون) أن الأزمة السورية هي التي أنتجت هذه المعادلة الإقليمية المعقدة، لكن جذورها قد تشكلت بصورة تدريجية خلال العقد الماضي من حكم بشار، فبعد أن نجح حافظ الأسد في وضع سوريا كطرف أساسي في المعادلة الإقليمية، وامتلك أوراقًا قوية في لبنان وفلسطين، وتمكن من موازنة علاقاته مع الدول العربية وإيران، وتحالف مع الاتحاد السوفيتي لتحقيق سياسة الردع الإستراتيجي، جاء بشار ليضيع ذلك الإرث بأكمله، ففقد السيطرة على الملف اللبناني وعلى القضية الفلسطينية، وتعمقت عزلة نظامه في العالم العربي إثر تحول بلاده من (لاعب إستراتيجي) إلى (تابع) في المحور الإيراني.
ونتيجة لتراكم أخطاء السياسة الداخلية وزيادة حجم المحسوبية والفساد، فقد اندلعت الثورة الشعبية، واقتصر جهد النظام على المعالجة الأمنية محليًا، والاعتماد على المنظومة الإيرانية والدعم الروسي إقليميًا، فأصبحت سياسته تراوح بين القمع والردع دون امتلاك أي من أدوات الممارسة السياسية الفاعلة.
وفي هذه الأثناء قام النظام بدراسة تجربتي التغيير القسري اللتين وقعتا في العراق (2003) وليبيا (2011) فاستنتج بأن الخطأ القاتل الذي ارتكبه كل من (صدام حسين، والقذافي) تمثل في تقديم تنازلات على صعيد برامج التسلح والتخلي عن سياسة الردع، مما شجع الدول الغربية على غزو بلادهم، فلجأ إلى التعنت واستخدام القتل كأداة للتفاوض مع الغرب، وقد عبر بشار عن هذه السياسة بقوله لقناة (إي بي سي) الأمريكية: "إنها لعبة نلعبها".
إشكالية غياب المحور والحلول:
في تقرير أمني نشره معهد (ستراتفور) بتاريخ 15 ديسمبر أكد الباحث سكوت ستيوارت أن الوضع في سوريا قد اصطدم بحالة من الجمود الناتج عن فشل جميع الأطراف الإقليمية في حسم المشهد الإنساني المروع، فقد بادرت روسيا إلى تزويد النظام بصواريخ جوية وبحرية متطورة، وأرسلت حاملة طائراتها الوحيدة وثلاث من قطعاتها القتالية إلى ميناء طرطوس.
وأكدت الصين أنها: "لن تكتفي بالشجب والإدانة، ولن تقف مكتوفة الأيدي في حالة تورط الغرب في أي مغامرة عسكرية ضد دمشق أو طهران". في حين استمر الدعم اللوجستي من قبل فيلق (القدس، وحزب الله) وتضاعف الدعم الاقتصادي العراقي والإيراني لنظام دمشق.
أما المحور العربي التركي فإنه لا يزال متخوفًا من الآثار السلبية لتدويل الأزمة، وغير مستعد للتبعات الاقتصادية المترتبة على تفعيل المقاطعة، ورافض لإحداث تغيير فعلي على أرض الواقع خارج إطار الضغوط والمهل، فالتركيبة الجغرافية لسوريا لا تسمح بتأسيس قاعدة ارتكاز للتمرد مثل بنغازي في ليبيا، ولا تزال الدول المجاورة غير مقتنعة بجدوى أي عمل عسكري ضد النظام.
وفي المقابل يعدّ المحور الغربي العدة لتنفيذ خطة بديلة لإسقاط النظام مستفيدًا من عنصر الوقت، ويسعى إلى تنفيذها عبر ثلاث مراحل رئيسة هي:
- المرحلة الأولى: إدانة النظام في المحافل والمنظمات الدولية، ودعم جهود نزع غطاء الشرعية عنه، والسعي إلى تعميق عزلته وإضعافه من خلال الحصار الاقتصادي، إضافة إلى دعم المعارضة لتنظيم صفوفها، وقد تم إنجاز جزء كبير من هذه المرحلة، حيث قامت فرنسا وبريطانيا باستقبال زعماء المعارضة، واجتمعت معهم وزير الخارجية الأمريكية (كلينتون) في جنيف بتاريخ 6 ديسمبر 2011.
- المرحلة الثانية: تصعيد وتيرة الجهود الاستخباراتية ضد النظام السوري، من خلال تدريب ودعم وتجهيز القوات المنشقة، ومن ثم توجيهها للقيام بعمليات نوعية تؤدي إلى إسقاط النظام، وفي هذه المرحلة تلجأ الدول الغربية إلى تدريب المتمردين في بلدان مجاورة، وإخضاعهم لدورات تؤهلهم على تولي زمام الأمور في حالة سقوط النظام.
- المرحلة الثالثة: توجيه القوات المنشقة لشن عمليات عسكرية واسعة بعد أن تبلغ مرحلة متقدمة من الجهوزية والاستعداد، ويمكن في هذه المرحلة إرسال الخبراء والفنيين الغربيين لدعم القوات المعارضة في حملاتها، على النحو الذي حظي به تحالف الشمال في معاركه ضد طالبان وكذلك المتمردون الليبيون في معركتهم الأخيرة بطرابلس، وفي هذه الأثناء يتم تصعيد حركات الانشقاق والتمرد على مستوى القيادة السياسية والعسكرية داخل النظام.
ومن خلال رصد عمليات الجيش السوري الحر وتقييمها، رأى سكوت أنها تنفذ عملياتها باستخدام أسلحة تقليدية، ولا تتمتع بأي دعم لوجستي يستهدف بنية النظام، واستنتج أن دعم المعارضة لا يزال في مرحلته الأولى، ولم يصل إلى المرحلة الثانية أو الثالثة من التسليح والدعم المباشر، كما أن قلة عدد المقاتلات وحاملات الطائرات الغربية لا تشير إلى أن احتمال التدخل العسكري يلوح في الأفق.
المبادرة العراقية للتوفيق بين الأطراف المتنازعة:
استبعدت الدول الغربية خيار مجلس الأمن إثر استخدام روسيا والصين حق النقض لإفشال قرار يدين سوريا في شهر أكتوبر الماضي، وفي الوقت نفسه أعلن الأتراك وقف جهودهم الدبلوماسية الهادفة إلى إقناع النظام بنبذ العنف وتغيير نهجه الأمني، ثم غرقت المبادرة العربية في دوامة التأجيل والمهل حتى فقدت قيمتها السياسية، مما دفع بالدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية إلى السعي لتبني سياسة تصالحية تحافظ على أكبر قدر من مصالح الدول والأطراف المتنازعة.
وقد شهدت الأيام الماضية مبادرة روسية لتبني قرار يدين العنف في سوريا بمجلس الأمن، ومبادرة عراقية تمت مناقشتها مع الإدارة الأمريكية، ومفاوضات سعودية إيرانية مباشرة تناولت الملف السوري، وتؤكد المصادر أن ضعف الأداء الأمريكي تجاه الثورات العربية قد أفقده ثقة المحور الخليجي، الذي سعى إلى مناقشة الأوضاع مع إيران من خلال القطريين والأتراك.
وبعد زيارة صالحي إلى الرياض قرر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إيفاد وزير الاستخبارات حيدر مصلحي لكونه الأكثر اطلاعًا على تفاصيل قضية محاولة اغتيال الجبير، ولقربه من علي خامنئي، وتطرق الحديث عن إمكانية تبني حل وسط لوقف نزيف الدم السوري، وتزامن ذلك مع دعم الجامعة العربية مساعي العراق لمشروع وساطة قيل إنها تتضمن خمس خطوات متسلسلة زمنيًا، تبدأ بقرار من جامعة الدول العربية بتجميد العقوبات التي فرضتها على سوريا، تليها مبادرة النظام بإقالة رؤساء الأجهزة الأمنية كإشارة لنبذ الحل الأمني.
ثم تفتح دمشق مجال الحوار الداخلي، تليه مبادرة لحوار المعارضة الخارجية مع النظام تحت رعاية عراقية، على أن تختتم هذه المبادرة بحوار سوري شامل برعاية الجامعة العربية، وتؤكد المصادر أن إيران تقف بقوة خلف هذه المبادرة، التي ناقشها نوري المالكي مع أوباما في زيارته إلى واشنطن في 12 ديسمبر، ولا شك بأن الشعب السوري سيكون هو الخاسر الأكبر من هذه الصفقة التي تعدها الأطراف المتنازعة خروجًا من الخلاف بينها وخوفًا من تفاقمه.
خيارات الشعب وتوجهات المعارضة:
بات من الواضح للشعب السوري أن أغلب المبادرات الإقليمية تخدم مصالح الدول المتقدمة بها، ولا تحقق بالضرورة مصالحه وتطلعاته، فجميع المؤشرات تؤكد على أن المفاوضات تتجه نحو إحداث تغييرات شكلية في واجهة النظام، بهدف المحافظة على المصالح الروسية والإيرانية من جهة، ونزع فتيل الأزمة التي تخشى من عواقبها تركيا والدول العربية من جهة أخرى، خاصة وأن الجميع يقر بعجز النظام عن العمل بصورته الحالية، وبأن المعارضة السورية في المقابل لا تمثل بديلًا ناضجًا يمكن الاعتماد عليه في حفظ الأمن والموازنات الإقليمية المعقدة في المنطقة.
لكن جميع الأطراف الإقليمية الفاعلة تتجاهل أن محور المثلث الإستراتيجي، ومحرك المعادلة الإقليمية هو الشعب السوري الذي أخذ زمام المبادرة، ولا يزال يقودها بثبات ورباطة جأش رغم تكبده عشرات الآلاف بين قتيل وجريح ومعتقل، ومعاناته من البرد والتجويع والقمع والتهجير والعقاب الجماعي، ومع ذلك فهو يتمسك بخياره في تغيير حقيقي.
وفي مقابل سعي الأطراف الإقليمية للتوافق على تحقيق مصالحها وحماية أمنها واستقرارها، يدفع الشعب السوري ثمن المناورات السياسية والتأجيل والمماطلة، وفي الوقت نفسه فإن تراكم أخطاء المعارضة قد تتضافر مع أخطاء النظام لترسيخ وضع سوريا كأرضية تستخدمها الأمم في ممارسة اللعبة الإستراتيجية.
ويبقى أمام المعارضة الوطنية خيار آخر يتمثل في تبني مشروع سياسي كامل يهدف إلى استعادة مكانة سوريا كمحور توازن إقليمي، عبر السعي لامتلاك مصادر القوة والتي تتمثل فيما يلي:
1- تقوية آليات التواصل مع الشعب السوري، وحشد إمكانيات الداخل، إذ يتعين على القوى الوطنية الفاعلة أن تعمل على حشد جميع المكونات الشعبية (السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والثقافية والدبلوماسية) لطرح نفسها كطرف في المعادلة إذا أرادت أن تمثل البديل، وأن تجتهد لتأسيس ثقافة سياسية وإعلامية ناضجة تنبع من الداخل، ولا ترتكز في شعاراتها على استجداء التدخل الدولي، ومطالبة الأطراف الخارجية بمواقف لا تحقق مصالحها.
2- تمثيل المواطن السوري في الخارج:
يمثل المشهد السوري في الخارج ظاهرة يندر مثيلها، ففي الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان سوريا (23) مليون نسمة، قدّرت (بثينة شعبان) عام 2007 -وكانت وزيرة شؤون المغتربين آنذاك- عدد المغتربين السوريين بأكثر من (15) مليون نسمة، في حين ترفع بعض المصادر تقديراتهم إلى أكثر من (18) مليون مغترب، ينتشرون في أمريكا اللاتينية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا (500 ألف) وفي أستراليا (300 ألف) وفي أوروبا ودول الخليج العربي حيث لا تتوفر أرقام دقيقة لأعدادهم، إلاّ أن السفارة السورية في أبو ظبي أكدت وجود (140) ألف سوري في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتكمن المشكلة في أن هذا العدد الضخم من المواطنين قد استنشقوا هواء الحرية، وأنِفوا حياة الانغلاق والكبت، وهم يمثلون نخبة المجتمع السوري من أطباء وتجار وأكاديميين ومثقفين لم يتمكنوا من تحقيق الحياة الكريمة في وطنهم فلجئوا إلى الخارج، وأصبح تغيير النظام أولوية عندهم، ولا يمكن تجاهل الإمكانات المتوفرة لدى المغتربين في دعم القوى الوطنية بالوسائل السلمية غير المتاحة لمواطنيهم في الداخل.
وعلى الرغم من تركز المعارضة السياسية في الخارج إلا أنها لا تزال بعيدة عن حشد طاقات المغتربين وتوظيفها لزيادة الضغط على الأطراف الدولية المتنازعة، ولم تتمكن من كسب أي بعثة دبلوماسية، على الرغم من الإحراج الذي يتعرض له أعضاؤها بسبب جرائم النظام، ورغبة كثير منهم في إعلان انشقاقهم إذا توفرت لهم البدائل الآمنة.
ولا بد للقوى الوطنية أن تدرك بأن مصادر القوة لا تأتي من اعتراف دولة أو تردد أخرى، وإنما تنبع من تخويل الشعب السوري لها في الداخل والخارج، ومن قدرة هذه القوى على التواصل مع أبناء شعبها والتعبير عن معاناتهم ومظالمهم، والتحدث باسمهم والمطالبة بحقوقهم المشروعة.
وعلى الصعيد نفسه، فإن ظاهرة اللاجئين السوريين في كل من تركيا والأردن ولبنان قد استقطبت اهتمام الإعلام العربي والدولي، لكنها لم تنجح في إقناع أغلب الجهات السياسية المعارضة بأنها جزء من الحراك الشعبي ونموذج من معاناة السوريين، ولا بد لهذه القوى أن تتبنى مبادرات إنسانية سريعة تجاه اللاجئين عبر دراسة أحوالهم، وإجراء إحصائيات بأعدادهم وتقديم العون لهم، والتفاوض مع الدول المستضيفة لهم لتسهيل أمورهم، وتبني البرامج الإغاثية والطبية للتخفيف عنهم.
كما أن تنامي ظاهرة الانشقاقات العسكرية قد أفرزت عددًا كبير من المجندين الذين لجئوا إلى الدول المجاورة خوفًا من بطش النظام، وتشكلت قيادة الجيش السوري في الخارج في منأى عن أغلب القوى الوطنية، ولا تزال آلية التعامل مع هذه الظاهرة عرضة لأقاويل وإشاعات ومواقف متضاربة لا تقوم على الشفافية والوضوح، ولا بد من الاستفادة من هذه الظاهرة إقناع الأطراف الإقليمية بأن الشعب السوري الحر قادر على حماية حدوده وحفظ مصالحه واحترام علاقات الجوار مع تركيا والدول العربية.
3- ترسيخ بنية الكيان الوطني:
يحلو للجماهير أن ترفع شعارات تنتقص من الجامعة العربية ومن أمينها، إلا أنه من الصعب القول أن التحدي الأكبر الذي واجهته الجامعة تمثل في محاولة لم صفوف المعارضة والتنسيق معها.
ولا بد من التأكيد على أن اللوم يقع في أغلبه على المعارضة السورية وليس على الجامعة العربية التي ربطت بين مبادرتها وبين إشراك المعارضة السورية في العمل على تشكيل حكومة انتقالية موحدة، ومع ذلك فإن سعي البعض لاستبعاد تيارات أو الإضعاف من أخرى، هي أبرز عوائق التوافق في الحوار الذي لا يزال يراوح مكانه بالقاهرة منذ أربعة أسابيع.
أما المعضلة الأكبر فتتمثل في تركيز القوى الوطنية على تحقيق الاعتراف الدولي بها قبل أن تستكمل بنيتها الأساسية، وسعيها لأن تصبح ناطقة عن طموحات الشعب ومطالبه دون استيفاء جهود التواصل مع مختلف أطيافه، ونتيجة لذلك فهي لا تزال بعيدة عن استيعاب أبعاد المعادلة الإستراتيجية.
ولا يعني ذلك أن تعمد القوى الوطنية إلى مقاطعة الحراك الدولي، بل يجب أن تدخل المعادلة الإستراتيجية بوعي وكفاءة واقتدار، وأن تمتلك مصادر القوة، ثم تطرح نفسها كبديل قادر على إخراج البلاد من أزمتها.
د. بشير زين العابدين
مجلة البيان
- التصنيف: