أهمية الوقت في حياة المسلم

منذ 2024-03-28

«الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدًا فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك، فاعمل فيه»؛ ولذا قيل: الوقت أثمن من الذهب، وقيل: الوقت هو الحياة فلا تقتلوه.

من أهم ما منح الله تعالى الإنسان من نعمه الجليلة وآلائه العظيمة وما مَنَّ عليه من المنن اللامحدودة "الوقت"، ولا ريب في ذلك؛ فإن الوقت منحة ربانية عظيمة لا يعرف قيمته إلا الرجال الكادحون والرجال الصالحون الذين يجدُّون ويجتهدون، ويقضون لياليهم ونهارهم في القيام بأعمال جليلة؛ لذا يجب المحافظة على الوقت، ومن يحافظ على أوقاته ويغتنم الفرص المتاحة ويشغل فيها نفسه بأمور جدية يكسب مجدًا رفيعًا في الفانية، وينال درجة عالية في الباقية، والإسلام بصفته دينًا عالميًّا يحثُّ على استغلال الفرص واستثمار الأوقات، ويحذر من ضياعها، ومن هنا تتبين أهمية الوقت في هذا الدين المتين الذي أنزله الله تعالى للبشرية جمعاء، وهناك آيات كثيرة تتضح منها أهمية الوقت؛ وذلك لأن الله جل وعلا قد أقسم بالوقت، والله سبحانه وتعالى لم يقسم بذلك إلا لكي ندرك أهمية الوقت ونعرف قيمته، فقال جل وعلا: ﴿  {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}  ﴾ [الفجر: 1 - 4]، وقال: ﴿  {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}  ﴾ [الضحى: 1، 2]، وقال: ﴿  {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}  ﴾ [التكوير: 17، 18]، وقال: ﴿  {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}  ﴾ [الليل: 1، 2].

 

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يتبين به أهمية الوقت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: « «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ» »[1]، ومعنى الحديث: أن كثيرًا من الناس خاسرون؛ حيث إنهم لم يستفيدوا من هاتين النعمتين العظيمتين، وهما: الصحة والفراغ، فهم يضيعون أوقاتهم أيام صحتهم، ويضيعون وقت فراغهم، فلا هم استفادوا منه في أمر دينهم، وهو الأهم، ولا في أمر دنياهم؛ يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا؛ ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة[2].

 

وحث النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنام الفرص واستثمار الأوقات في حديث له آخر قائلًا: « «اغتنمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَـك قبل هـرمكَ، وصحتَك قبل سَقمِكَ، وغـناكَ قبل فقرِك، وفراغَك قبل شغلِك، وحـياتَكَ قبل موتِكَ» »[3]، وهناك آيات وأحاديث أخرى كثيرة تدل على أهمية الوقت.

 

ونظام جميع العبادات في الإسلام له علاقة قوية بالوقت؛ إذ لا أهمية لها إلا في أوقاتها، فالصلوات الخمس لها أوقاتها المحددة، والحج له وقته، وصيام شهر رمضان له وقته، والزكاة لها وقتها، كل هذه الأعمال تذكر الإنسان ما للوقت من أهمية عظيمة في حياة المسلم، وأن الأعمار التي نقضيها إنما هي أوقات منحها الله تعالى؛ إذن فلا بد لنا ألَّا نغفل عن طاعته سبحانه وتعالى ولا نضيع أوقاتنا في الأمور التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى، وإن العبد حينما يقوم أمام ربِّه جل وعلا يوم القيامة فيسأله عن عمره هذا، وعن منحته العظيمة هذه كما ورد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه قال: « «لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَـن عُمُرِه فيما أفـناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ» »[4].

 

ونظرًا لهذه الأهمية البالغة للوقت ونفعه في حياة الإنسان قد استغله سلفنا الصالح واستثمروه ونظموا حياتهم تنظيمًا يكون سببًا لرضا الله سبحانه وتعالى، فكانوا يقدرون الوقت ويهتمون به اهتمامًا بالغًا، ولا يدعون فرصة تضيع من حياتهم، إنهم كانوا يرون أن الأعمال والساعات التي تنقضي بلا طائل بدون الاشتغال بذكر الله تعالى وطاعته إنها تعود عليهم حسرة وندامة يوم القيامة، وما يقضونه بتوفيقه إياهم في طاعته فإنما هو وقت مبارك، كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمرُّ مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته... فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطع به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته»[5]. ويرى يحيى بن معاذ أن: «إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت انقطاع عن الحق، والموت انقطاع عن الخلق»[6].

 

والإمام الحسن البصري كان يذكر أهمية الوقت، ويرى أن الوقت أثمن من الذهب والفضة؛ إذن فلا بد لنا أن نكون أحرص على استغلال الوقت واغتنام الفرص من ادخار الدنانير والدراهم، فيقول: «أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم»[7]، وقال: «يا بن آدم، إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك»[8]، وقال وهو يحث على اغتنام الوقت: «الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدًا فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك، فاعمل فيه»[9]؛ ولذا قيل: الوقت أثمن من الذهب، وقيل: الوقت هو الحياة فلا تقتلوه.

 

ولكن مع الأسف الشديد حينما نرى أحوال المسلمين اليوم، وأحوال الشباب خاصة منهم، وأحوال إخواننا الطلبة بالأخص نجد أنهم يهدرون أوقاتهم بلا طائل، يقضون نهارهم ولياليهم متفرجين على المسلسلات والأفلام، ويقعدون في المقاهي يتفرجون على المباريات، وأعظم البلايا في زماننا التي قتلت وقتنا هي الجوالات والهواتف النقالة، فشبابنا اليوم يقضون أوقاتهم بل يسهرون طول الليالي وهم يشاهدون الأفلام والمشاهد الخليعة على الإنترنت، أو يدردشون مع أصحابهم وأصدقائهم، أو يبذلون ثروتهم القيمة هذه على المواقع الاجتماعية الأخرى مثل: الفيس بوك والتويتر والواتساب وما إلى ذلك، وأصبح إخواننا الطلبة لا يهتمون بأوقاتهم ولا يدرسون ولا يطالعون رغم أن لديهم نماذج من السلف الصالح الذين كانوا يعتقدون أن الوقت لا بد أن يُقضى في الحصول على العلم النافع، وفي طاعة الله جل وعلا، وتلاوة القرآن، وقراءة الكتب، والأذكياء من الطلبة حينما يطلب منهم إعداد بحث علمي حول موضوع ما، فيفتحون الإنترنت ويبحثون عن مقال حول ذلك الموضوع دون أن يعرفوا الغث والسمين، ويفرقوا بين المواقع الموثوق بها والمواقع التي أنشأها أعداء الإسلام باسم نشر كلمة الإسلام لبث أفكارهم اللادينية وللنيل من الإسلام والمسلمين، فهؤلاء الطلاب هواة الإنترنت ينقلون جميع ما يحتاجون من أمثال هذه المواقع، ويسرقون من هناك ثم يقدمونها كأنها إنتاجهم، وهذا أيضًا سبب الانحطاط العلمي في عصرنا هذا.

 

إذا كنا نريد أن نـكون شباب الإسلام حقًّا، ونـود أن نكـون طلاب الـعلوم والـمعارف بمعنى الكلمة فإنه يجب علينا أن نطالع سِيَر سلفنا الصالح، ولنتذكر دائمًا أن الوقت الذي يمضي لا يعوض ولا يعود أبدًا، ولنعرف أن الأمم التي تنهض وتتطور إنما يهتم أبناؤها بالأوقات؛ إذن لا بد من المحافظة على الأوقات واستغلالها واستثمارها للنهضة والتطور، ولبناء مستقبل لامع، وحضارة يفتخر بها، ولنعلم أن الأوقات التي تنقضي إنما تنقص بها أعمارنا، وهكذا نقترب من آجالنا كما قال الشاعر:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها       وكل يوم مضى جزء من العمر

 

فلنحرص أشد الحرص على الوقت ولنستثمره، ونجنب أنفسنا الملاهي، ونجتنب أمور اللغو، ولنستغل أيام الشباب في الأعمال النافعة قبل المشيب؛ لأنها هي الأيام التي يصل الإنسان باستغلالها إلى المجد الرفيع، ويحتل باستثمارها المكانة الكبيرة والمنزلة العظيمة، ومن يضيع هذه الأيام فإنه يبكي في آخر حياته على ما مضى من عمره في اللهو واللعب دون أن يقضي أمرًا، وحينما يُردُّ الإنسان إلى أرذل العمر ويتذكر من أيامه وساعاته التي قضاها في الغفلة يبكي دمًا ولا يجديه البكاء، وتذرف عيناه العبرات ولكن دون طائل، ويندم والندم لا يغني عنه شيئًا، ويقول متأسفًا: ليت الزمن يرجع إلى الوراء، ولكن دون جدوى، وقد صدق الشاعر العربي حينما قال:

 

بكيت على الشباب بدمع عيني  **  فلم يفد البكاء ولا النحيب 

ألا ليت الشباب يعود يومًـــــــا  **  فأخبره بما فعل المشيـــب 

 

فالوقت متاح لنا، والفرص أمامنا، وينبغي للعاقل أن يغتنم الفرص ويفيد من الوقت المتاح لكي لا يندم في آخر عمره بعد فوات الأوان، ولا يبكي على الساعات الثمينة التي قضاها في السهو والغفلة والهرج والمرج. وفقنا الله تعالى جميعًا للاهتمام بالوقت، واستغلاله واستثماره، واجتناب تضييعه فيما لا يحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 


[1] صحيح البخاري، رقم: 6412.

[2] رواه ابن أبي شيبة: 7/ 108 (34562)، وأبو نعيم في حلية الأولياء: 1/ 130، والطبراني في المعجم الكبير: 9/ 103.

[3] شعب الإيمان، رقم: 9767.

[4] سنن الترمذي، رقم: 2416.

[5] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء: 1 /157.

[6] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: 1 /72.

[7] موارد الظمآن لدروس الزمان، فصل في النصيحة مرتان: 4 /626.

[8] المصدر السابق.

[9] الزهد الكبير للبيهقي، رقم: 477.

_________________________________________________
الكاتب: د. شاكر فرُّخ الندوي

  • 1
  • 0
  • 3,988

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً