الديمقراطية... هل هي خضراء الدِّمَن؟

منذ 2011-12-27


وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيا بأنها حلوة خضرة، كما جاء في صحيح مسلم: «أن الدنيا حلوة خضرة، وأن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا»

ألا ينطبق هذا الوصف أيضاً على الديمقراطية؟ فمن ذا الذي لا يحب الانتخاب والاقتراع والتكلم بحرية؟ أليست هذه أشياء حلوة خضرة؟ لكن الديمقراطية لا تقف عند هذا الحد، فالحرية لا حدود لها ما لم يضرب بعضها بعضاً، وهي مُلزمة إذا اقترع الناس عليها وأيدتها الأغلبية.

فإذا رغبت الأغلبية مثلاً في ألا تقتصر الأسرة على الذكر والأنثى، وان تتخذ أشكالاً أخرى كأن يتزوج رجلان من بعضهما، فلا يمكن الاعتراض على هذا، ويكون قابلاً للتطبيق والممارسة، وهكذا هو الأمر أيضاً لو رأت الأغلبية مثلاً ان الأذان مزعج لهم، أو أن صلاة الجماعة تعطل اقتصادهم، من الطبيعي أن تحصل مثل هذه الأمور في الجو الديمقراطي، لأن الديمقراطية تقوم على أساس علماني يعتمد ما يرتضيه العقل مصدراً لأفكاره، حتى لو تعارض مع الدين.

الديمقراطية إذا نظرنا إليها من بعض الجوانب فقط تكون فعلاً حلوة خضرة، وإذا ما راعينا الأساس الذي تقوم عليه وأنها تنتمي إلى العلمانية، فقد ينطبق عليها أنها خضراء الدِّمَن! ففي حديث الدارقطني: «إياكم وخضراء الدمن». قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: «المرأة الحسناء في المنبت السوء».
إن الديمقراطية هي أشبه بالمرأة الحسناء فعلاً، وهي حلوة خضرة، لكن أساسها الذي تقوم عليه لا يوصل إلى الجنة، فلا تكترث بما يرضي الله، بل بما ترتضيه صناديق الاقتراع.

الإسلاميون الذين قد يصلون إلى الحكم في ظل الديمقراطية لا شك أنهم في موقف حرج، فهل تُغريهم المرأة الحسناء ويسيروا مع الركب؟ أم يتركوا ما وصلوا إليه لغيرهم ممن ليس هو على نهجهم؟ وهم بالطبع لا يريدون التخلي عما وصلوا إليه، ولا أن تفتنهم تلك الديمقراطية الحسناء، لذلك فقد قالوا بالديمقراطية المعدّلة أو المؤمنة أو الجزئية، وأنه يمكن العمل بالديمقراطية في ظل المادة المشهورة من الدستور، التي تنص على أن دين الدولة الإسلام فيقيدوا الديمقراطية، ويرفعوا عن أنفسهم الحرج، يمكن أن يحصل ذلك، لكن قد لا يدوم، ما لم يتحول الناس بالكامل إلى الإسلام.

العلمانية المؤمنة:
الغريب أن الناس يطالبون المسلمين بالعمل بالديمقراطية، فلم لا يعملون هم بالشورى في العلمانية؟ لكنهم لا يحتاجون إلى ذلك في ظل سلطان الديمقراطية وشيوعها، وفي غياب التطبيق العملي لنظام الشورى، لا يمكن.. على أية حال العمل بالديمقراطية بدون مبرر شرعي، لذا يسهل الحديث عند البعض عن إمكانية العمل بشكل الحكم ووسائل الديمقراطية وأساليبها الإدارية، من حيث أن شكل الحكم غير ملزم في الإسلام، وأن الوسائل تبع لأحكامها، أو أن الأصل في الأشياء الإباحة.
وهناك من نظر نظرة تحليلية إلى العلمانية وحاول أن يستخلص منها شيئاً عالمياً محايداً يمكن العمل به بدون أن يؤثر ذلك في الإيمان، فقد حلل الباحث (عبد الوهاب المسيري) العلمانية من حيث التكوين إلى علمانية جزئية (أخلاقية، إنسانية، مؤمنة) وعلمانية شاملة.

العلمانية الجزئية: تعني فصل الدولة عن الدين.
أما الشاملة: فهي خطيرة تهتم فقط بالإشباع المادي للإنسان، وتستخدم الإعلام والخدمات من فن وسياحة وغيرها في النفاذ إلى أعماق الإنسان لا سيما المسلم، وهذا ما يعرف بالآلية الكامنة.
من مظاهر هذا التأثير مشاهدة الأفلام الخليعة وتناول الوجبات السريعة، ومتابعة أخبار الفنانين ونحو ذلك.. وقد بين هذا الباحث أن البلد المسلم يمكن أن يدّعي أنه كذلك في الوقت الذي يمارس فيه مثل هذه المظاهر من حيث لا يشعر.

بناء على ذلك تساءل الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة في تونس: عن إمكانية التداخل ما بين الإسلام والديمقراطية؟ وقد أجاب: بأن العلمانية التي تفسح المجال للعقل في البحث والتجربة، وكذلك العلمانية الجزئية تجد لنفسها مكاناً في التصور الإسلامي الذي يميز بين السياسة والعبادات، السياسة بحسب رأيه: مجال دنيوي بحت، والعبادات تؤخذ من النصوص، هذا تبرير للأخذ بالعلمانية التي تفصل الدين عن الدولة.

تساؤلات:
القول بأن العلمانية الجزئية يمكن أن تجد لها مكاناً في التصورات الإسلامية، يعني بأن هذه التصورات أو أصلها -أي الإسلام- ناقص غير كامل، إذ أن العملية تتمثل في خلع قطعة من العلمانية ووضعها في حيز الإسلام، ولا يتم ذلك إلا بوجود فراغ أو مكان لهذه القطعة، فهل الحاجة إلى الديمقراطية والعمل بها يعني أن الإسلام ناقص؟!

إن عملية قص الديمقراطية ولصقها في الإسلام كما هي عملية مثيرة للجدل ومحفوفة بالمخاطر، وخير منها العمل من داخل الإسلام بالبحث عن النشاطات المشابهة وتفعيلها في الواقع، فهذا يحافظ على شخصية الإسلام والمسلمين، ويضمن العمل وفق ما يرضي الله ورسوله، لأجل الفوز في الآخرة، والذي لا يمكن أن تحققه العلمانية ولا أي دين آخر.

أضف إلى ذلك: أن الأخذ بالعلمانية الجزئية أو المؤمنة أو الإنسانية يؤدي إلى عدم التجانس في تصرفات المسلمين، كما هو حال مجتمعاتهم حالياً، فكثير من معالم العلمانية تظهر بينهم وكأنها أمر عادي مقبول، وهذا ما تحاول فرضه علينا وسائل الإعلام، فالأفلام والمسلسلات تظهر (شرب الخمر والرقص، والاختلاط الفاضح وغيرها..) أموراً عادية لا تتنافى مع الإيمان..! هل يمكن أن يكون الشخص مؤمناً، وعاملاً بالديمقراطية أو العلمانية الجزئية، أو المؤمنة في نفس الوقت؟

عزيز محمد أبو خلف

  • 4
  • 0
  • 1,971
  • nada

      منذ
    القبول بالعلمانية أو بجزء منها خطأ جسيم كما ذكرت ولكن ألا ترى أنه من الصعب في بعض الأحيان رفضها فجأة بل يكون بالتدريج لاسيما اذا كان المجتمع قد عايشها لفترة من الزمن كما هو الحال في تونس.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً