الاغتسال يوم العيد
تم رؤية هلال شوال وأعُلِن عن يوم العيد، فأراد أن يستعد للصلاة، متى يغتسل؟
تم رؤية هلال شوال وأعُلِن عن يوم العيد، فأراد أن يستعد للصلاة، متى يغتسل؟
نص فقهاء الحنابلة على سُنية الاغتسال يوم العيد[1]، ولم أجد خلافًا على ذلك بين الفقهاء، وقد اتفقوا على أنه يغتسل بعد الفجر الثاني، وإن اغتسل قبل الفجر[2]، ففيه وجهان:
أحدهما: يُجزئه بخلاف الجمعة، وهو قول لأبي هريرة رضي الله عنه؛ لأنه مأمور بالبكور بعد الغُسل، ولا يمكن البكور غالبًا على هذا الحال إلا بتقديم الغُسل قبل الفجر، ولأن وقت العيد يضيق على المتأهب للصلاة)[3].
الثاني: لا يُجزئه كالجمعة وهو قول لأبي إسحاق رضي الله عنه[4].
الأدلة: حث الله تعالى على الطهارة في آيات كثيرة، منها:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4].
وجه الدلالة: النهي عن لبس الثياب وهو على معصية، ولا على غدارة، أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي: وأني بحمد الله لا ثياب فاجر لبست ولا من غدر أتقنع.
وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يفِ بعهده أنه دنَّس الثياب، وإذا وفَّى وأصلح قالو: مطهَّر الثياب[5].
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
وجه الدلالة: الاستطابة بالماء إذا جاؤوا من الغائط والبول[6].
الدليل الثالث:
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
وجه الدلالة: منهم من قال: إن الله يحب المتطهرين بالماء، ومنهم من قال: إن الله يحب المتطهرين من الذنوب[7].
الدليل الرابع:
قوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
وجه الدلالة: قيل عينان بأرض الشام في أرض يقال لها الجابية. وقيل إن أيوب عليه السلام اغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه، وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه، ومنهم من قال: إنه اغتسل من إحداهما فبرئ، وشرب من الأخرى فروي[8].
الدليل الخامس:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى)[9].
وجه الدلالة: الحديث دليل على سُنية الاغتسال يوم الفطر والأضحى اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل السادس:
عن عبدالرحمن بن عقبة، عن جده الفاكه بن سعد، وكانت له صحبة، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يغتسل يوم الفطر، ويوم النحر، ويوم عرفة، وكان الفاكه يأمر أهله بالغُسْل في هذه الأيام)[10].
وجه الدلالة: الحديث دليل على استحسان الغُسل يوم العيد، وأن من له ولايةٌ على أهله أن يأمرهم بالغُسل.
الدليل السابع:
ذكر عن نافع عن بن عمر أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى فكان ابن عمر وسعيد بن المسيّب وسالم بن عبدالله وعبيدالله بن عبدالله يغتسلون ويأمرون بالغُسل للعيدين[11].
الدليل الثامن:
واتفق الفقهاء على أن الغُسل للعيدين حسنٌ لمن فعله، والطيب يُجزئ عند الجميع منه، وجمعهما أفضل[12].
[1] «الفروع وتصحيح الفروع» (1 /263)، «كشَّاف القناع عن متن الإقناع» (2 /51).
[2] «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (1 /279)، «البحر الرائق شرح كنز الدقائق» (2 /171)، «المدونة لمالك بن أنس» (1 /255)، «بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد» (1 /227)، «الحاوي الكبير للماوردي» (2 /483)، «روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي» (2 /75)، «المغني لابن قدامة» (2 /274)، «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» (1 /245، 247)، «كشَّاف القناع عن متن الإقناع» (2 /51).
[3] «الحاوي الكبير للماوردي» (2 /483).
[4] «الحاوي الكبير للماوردي» (2 /483).
[5] «تفسير الطبري جامع البيان» (23 /9 ،10 ،11).
[6] «الطبري» (14 /483).
[7] «تفسير الماوردي» (1 /284).
[8] «تفسير الماوردي» (5 /102).
[9] أخرجه ابن ماجه في باب ما جاء في الاغتسال في العيدين، رقم الحديث 1315 «سنن ابن ماجه» (1/417). إسناده ضعيف فقد رواه البغوي في شرح السنة بسند فيه مقال، ثم إنني أخشى أن يكون فيه عزو للبغوي شيء من الوهم أو التساهل، فقد روى البغوي حديثًا آخر مطولًا فيه الشطر الأول من هذا الحديث من حديث عثمان بن مظعون لا من رواية ابن عباس «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها للألباني» (3/480).
[10] أخرجه ابن ماجه في باب ما جاء في الاغتسال في العيدين، رقم الحديث 1316 «سنن ابن ماجه» (1 /417). إسناده ضعيف جدًّا وضعفه يحيى بن معين والطبراني، قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 431): هذا إسناد ضعيف، فيه يوسف بن خالد قال فيه ابن معين: كذاب خبيث زنديق، قلت: وكذبه غير واحد، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث" اهـ. وقال عنه الأرنؤوط: إسناده تالف (سنن ابن ماجه 2/347).
[11] «الاستذكار» (2 /377).
[12] «الإقناع في مسائل الإجماع» (1/178).
_______________________________________________________________
الكاتب: جيهان بنت محمد مجيدل المجيدل
- التصنيف: