الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له
{قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ.....}، لتعلم كيف يقلل الله تعالى من شأن الدنيا وما فيها، في نظر أولئك الذي كرهوا القتال حين شُرِعَ حرصًا على الدنيا...
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77].
تأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ.....}، لتعلم كيف يقلل الله تعالى من شأن الدنيا وما فيها، في نظر أولئك الذي كرهوا القتال حين شُرِعَ حرصًا على الدنيا، فالدنيا دار مَنْ لا دار له، ولها يجمع مَنْ لا عقل له.
وإذا كانت الغدوة والرَّوحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، وإذا كان موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، فكيف يؤثرها على الآخرة مَن يُدعى إلى الجهاد في سبيل الله تعالى؟ ويكفي لبيان حقارة الدنيا أنها لا تعدِل عند الله جناح بعوضة - ولا أحقرَ ولا أهون في أعين الناس من جناح البعوضة - فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ»[1].
أيليق بأولي الألباب أن يؤثروا جناح بعوضة على جنة عرضها السماوات والأرض؟ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ»؟، فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ» ؟ قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: «فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ»[2].
أرأيت عاقلًا يحب الميتة، ويحرص على اقتنائها؟
فيا عباد الله هذا مَثَلَ الدنيا وذاك شأنها، فلا ينبغي لعاقل أن يغترَّ بها، أو يأمن غدرها، {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33].
[1] رواه الترمذي- أَبْوَابُ الزُّهْدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ مَا جَاءَ فِي هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حديث رقم: 2320، بسند صحيح.
[2] رواه مسلم- كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، حديث رقم: 2957.
______________________________________________________
الكاتب: سعيد مصطفى دياب
- التصنيف: