مجاهدة النفس مطلب عظيم
إن من أهم المهمات وأعظم شعب الإيمان أن يجاهد المرء نفسه على لزوم الطاعة والبعد عن المعاصي، أن يجاهد نفسه وهواه ويتبع الهدى الذي جاء به الرسول ﷺ، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}.
إن من أهم المهمات وأعظم شعب الإيمان أن يجاهد المرء نفسه على لزوم الطاعة والبعد عن المعاصي، أن يجاهد نفسه وهواه ويتبع الهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل، جهاد النفس عباد الله هو الجهاد الأكبر، يجاهد نفسه على تعلُّم العلم النافع، يجاهد نفسه على أن يعمل بالعلم والهدى، وأن يجاهد نفسه على الدعوة إلى الله، وإلى العلم النافع والهدى، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن ينصح لعباد الله، وأن يجاهدها على الصبر على العلم والعمل والدعوة.
{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].
أن يجاهد نفسه على ما أوجبه الله عليه وعلى ما فرض عليه تعبدًا لله وحبًّا لخصال الإيمان.
وإذا جاهد نفسه على ذلك عباد الله سدَّده الله ووفَّقه وأعانه على الخير والطاعة، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].
أن يقوي إيمانه ويتعبَّد الله عز وجل بأسمائه وصفاته وآثارها في علمه وعمله وسلوكه، أن يقدم محابَّ الله على شهوات نفسه وما يهواه من أمر دنيا مما يعوقه عن طاعة الله ويحبب إليه معصية الله، وأن يجاهد نفسه الأمَّارة بالسوء على ترك ما حرَّم الله عليه من الشهوات والشبهات.
سئل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عن قوم يشتهون المعاصي ولا يعملون بها فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3].
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فلم يزل قائمًا حتى هممت بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم؛ [متفق عليه].
وعن ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سل» ، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: «أو غير ذلك» ؟ قلت: هو ذاك، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود»؛ (رواه مسلم 489).
وقد يتعسر على أمر المرء عباد الله أن يتعسر عليه أن يجاهد نفسه ويصعب عليه ذلك؛ ولكن إن صبر واهتدى واستمر صار له عذبًا زلالًا لا ينشرح صدره إلا به، ولا تنبسط نفسه إلا بذلك، قال أحد الصالحين: سقت نفسي إلى الله وهي تبكي فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك.
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمتــه ** أتطلب الربح مما فيه خســـران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها ** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
دع عنك الكسل وأقبل على الله سبحانه، ائتمر بأمره وانتهِ عن نهيه تكن من الصدِّيقين الصالحين في المراتب العالية السامية، أدِّ فرض الله عز وجل عليك، لا يزين لك الشيطان التأخير عن عبادة ربك، أقم الصلاة واستفد منها لصلاح قلبك وعملك، {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45] {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
وإذا زيَّن لك عملًا سيئًا ومعصية من معاصي الله، فإنما هو اختبار لك وامتحان، فأطع الله ولا تطع الهوى والشيطان، فإن الشيطان عدوُّ الله يغريك بأمر مُعجَّل، متعة وقتيَّة ثم بعده الحسرات والندم، لا تنظر إلى من سبقك في أمر الدنيا وزينتها، ولكن نافِس من سَبَقك إلى الله، واعمل كعمله أو أحسن تفُزْ بالخيرات والسعادات في الدنيا والآخرة.
عباد الله، إن من أعظم ما يعين على مجاهدة النفس على طاعة الله وعن معصيته أن يحسن النية ويعظم الرغبة ويصحح إرادته ومبتغاه، {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]، وأن يدعو الله عز وجل في صلاته.
اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأن يستعيذ بالله عز وجل من الكسل والعجز.
ومما يعين على المجاهدة عباد الله، معرفة حقيقة الدنيا، وأنها للزوال والفناء والتغير وليست للبقاء، فالذي ينظر إلى من أوتي منها ما أوتي فنظره قاصر، استمع إلى ما قاله الرب سبحانه في كتابه: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 33- 35].
ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في معنى هذه الآيات: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء»؛ (رواه ابن ماجه: 4110).
ومما يعين على مجاهدة النفس عباد الله، النظر إلى أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عبادته، في قيامه وصلاته، في صومه ودعائه، في علمه وعمله ودعوته، وينظر إلى أحوال أصحابه، وإلى أحوال التابعين والصالحين إلى يومنا يجد العجب العجاب في مجاهدة النفس، والصبر على طاعة الله وعن معصيته.
ومن أعظم ما يُعين على مجاهدة النفس أن يعلم العبد ما أعدَّ الله عز وجل لأهل الجهاد والطاعة من الكرامة ودوام النعيم في جناته جنات النعيم التي أعظمها وأفضلها لذة النظر إلى وجه الله عز وجل، اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك من غير ضرَّاء مضرة، ولا فتنة مضلة، ويتذكَّر ما يجعل له في قبره من النور ويوم قدومه إلى الله، وأقبِل على الله بإيمانه وعمله الصالح، جعلنا الله عز وجل وإياكم من الصالحين، اللهم اهدنا ويَسِّر الهدى لنا.
___________________________________________________
الكاتب: سعد محسن الشمري
- التصنيف: