الخلافات الصهيونية لوقف الحرب على غزة.. ماذا تعني؟
تتصاعد حدة الانتقادات الموجهة إلى نتنياهو تارة من حليفه الاستراتيجي إدارة بايدن، أو من المعارضة السياسية الداخلية والمظاهرات الشعبية، ويبقى السؤال هل تمثل هذه الاختلافات والانتقادات ضغوطا حقيقية لوقف مسار الحرب؟
لا سبيل أمام المقاومة في غزة سوى الاعتماد على ذاتها في مواجهة العدو الصهيوني، من دون أن يمنع ذلك من الاستفادة من الخلافات التي يمكن أن تدبّ داخل المعسكر الصهيوني الأمريكي، لكن قبل ذلك يجب التثبت من أصالة تلك الخلافات، وألا يكون الأمر مجرد تبادل أدوار وسياسة صهيو -أمريكية قذرة هدفها كسب الوقت من أجل استمرار الحرب.
لقد أبرزت وسائل الإعلام الدولية وحتى الصهيونية العديد من المسائل الخلافية التي أدت في مرات عدة إلى حدوث توتر في العلاقة بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو، وكذلك بين أعضاء مجلس الحرب الصهيوني فيما بينهم الذين انقسموا إلى فئتين: الأولى يرأسها نتنياهو وتضم زعماء الصهيونية الدينية، إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموترتش، وزير المالية وعضوي الائتلاف الحكومي، والثانية يرأسها، يوآف غالنت وزير الدفاع الصهيوني، وعضوي مجلس الحرب، ببني غانتس، وغادي ايزنكوت والمعارضين لسياسة نتنياهو منذ دخول القوات الصهيونية إلى قطاع غزة، رداً على عملية طوفان الأقصى، وخصوصاً فيما يتعلق بإدارة الحرب.
وينشغل المتابعون للحرب الصهيونية على غزة والتي دخلت شهرها الثامن دون توقف، بهذه الخلافات والتناقضات، ويسلطون الضوء عليها، ويضخمونها، ويعلقون آمالاً كبيرةً عليها، على أمل وقف القتال وإنهاء الحرب، والانسحاب من غزة، أو حدوث صفقة أو هدنة تمكن الفلسطينيين من استعادة حياتهم الطبيعية في قطاع غزة، والخلاص من كابوس الحرب المرعب الذي دمر حياتهم، وقضى على أحلامهم، وحرمهم أبناءهم وأحبابهم وفلذات أكبادهم.
تتمحور الخلافات الصهيونية حول أهداف الحرب وأولوياتها، والتي يرى فيها نتنياهو أمرًا مهمًا وضروريًا في الحفاظ على تحالفه وبقاء سلطته طالما طالت أمد الحرب، التي يريد من خلالها تحرير الأسرى الصهاينة الذين أسرتهم واحتجزتهم المقاومة بعد السابع من أكتوبر بالضغط العسكري فقط، دون تقديم تنازلات أو إبرام صفقات تقضي عليه وعلى حكمه وعلى ائتلافه، وتطيح به إلى السجن لمحاكمته على إخفاقاته السياسية، بينما يرى معارضوه ضرورة وقف الحرب، واستعادة الأسرى عبر صفقة، حتى لو كان الثمن وقف الحرب والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام العالية، وهذا هو الموقف الضاغط عبر تجيير المعارضة ضد سياسات نتنياهو، واستمرار المظاهرات من ذوي أهالي الأسرى الصهاينة، وانسحاب الموقف الدولي المؤيد له، وآخرها الخلافات التي بدأت تطفو على السطح بينه وبين إدارة بايدن، وهي خلافات في الأسلوب وليست في السياسة.
لقد أفرزت هذه الحرب الدائرة على غزة طبقات متعددة للخلافات داخل المجتمع الصهيوني ككل، ليس فقط عند التعارض بين اليسار واليمين أو المعارضة والحكومة، بل تعدته إلى أشكال أكثر عمقًا ووضوحًا، وبدا أن الشرخ المجتمعي والسياسي يطول بشكل أفقي وعمودي داخل الأوساط المجتمعية التي لا ترى في الحرب سوى خدمة لمصالح نتنياهو الذي يفضلها على مصالح الدولة العليا، وتعود هذه الخلافات إلى محاولة التنصل من الإخفاق الأمني والاستخباراتي في السابع من أكتوبر، والصراعات الشخصية بين قادة مجلس الحرب، والخلافات الحزبية بين اليمين واليسار.
قد تبدو هذه الخلافات الصهيونية الداخلية لصالح الفلسطينيين، وتخدم قضيتهم وتساعد في الضغط على نتنياهو للقبول بشروط وقف إطلاق النار أو الهدنة والموافقة عليها، مقابل الأصوات الكثيرة المعارضة للحرب والعمليات العسكرية ضد قطاع غزة وسكانه التي لا ترى بأن الحرب، مجديةٌ وفعالة، وأنها قادرة على تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها، بقدر ما أصبحت عبثية ولا يبدو أن الخروج منها سهلٌ دون خسائر كبيرة وأضرارٍ بليغةٍ، في الصورة والسمعة، على مختلف الأصعدة والقطاعات والمستويات ومستقبل الكيان وعلاقاته مع أمريكا والغرب ودول الإقليم والجوار.
يظن البعض أن هذه الخلافات حقيقة وجادة، وأنها صادقة ومسؤولة، وأنها قد تصدع الكيان الصهيوني وتضعفه، وأنها قد تعصف به وبوحدته، وقد تدفع حكومته نحو العقلانية والاعتدال، وتبعدها عن التهور والجنون الذي تمضي في طريقه بعمىً وعنادٍ، أو أنها ستؤدي إلى سقوط الحكومة وانهيار أركانها وائتلافها، ولكن الحقيقة الراسخة التي يجب ألا نغفلها، أن هذه المعارضات والتظاهرات والاحتجاجات ليست لصالحنا، وهي ليست غاضبة من أجلنا، ولا تطالب بوقف العدوان علينا، بل هي معارضة لأجل مصالحهم، وتظاهرات لخدمة أهدافهم، وهم قد يختلفون مع بعضهم ظاهرياً، وقد ترتفع أصواتهم ضد بعضهم شكلياً، تحقيقاً لديمقراطيةٍ زائفة وحقوقٍ محفوظةٍ كاذبةٍ.
لكنهم يجمعون علينا ويجتمعون ضدنا، ويصرون على مواصلة الحرب علينا، والإصرار على استئصال المقاومة وتفكيكها، ونزع سلاحها وقتل رجالها، فهم جنس واحد يحملون ذات الطباع السيئة ونفس الأخلاق الفاسدة، لا فرق بينهم وإن اختلفوا، ولا خيرية فيهم أو أفضلية بينهم وإن تفرقوا.
______________________________________________________
الكاتب: إياد القطراوي