حديث: ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين
ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين، ذبَحهما بيده وسمى وكبَّر، ووضع رجله على صفاحهما
د.فيصل آل مبارك
عن أنس بن مالك وبه قال: «ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين، ذبَحهما بيده وسمى وكبَّر، ووضع رجله على صفاحهما، قال رحمه الله: الأملح الأغبر، وهو الذي فيه سواد وبياض» .
الأصل في مشروعية الأضحية الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله عز وجل: {﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾} [الكوثر: 2]، قال بعض المفكرين: المراد به الأضحية بعد صلاة العيد.
وروى الترمذي أن رجلًا سأل ابن عمر عن الأضحية، فقال: " «ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون بعده» "، وقال البخاري: وقال ابن عمر: هي سنة ومعروف، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما أنفقت الورقَ في شيء أفضل من نظرة في يوم عيد"؛ رواه الدارقطني.
وقال أحمد: يُكره تركها مع القدرة.
قوله: ( «ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين» ).
وقال البخاري: باب في أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين،
وقال يحيى بن سعيد سمعت أبا أسامة بن سهل قال: كنا نُسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون[1].
قال الحافظ: بكبشين أقرنين؛ أي لكل منهما قرنان معتدلان، والكبش فحل الضأن في أي سن كان، واختُلف في ابتدائه، فقيل: إذا أثنى، وقيل: إذا أربع؛ انتهى، وأخرج عبد الرزاق عن أبي سلمة عن عائشة، أو عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجودين، فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد، والآخر عن أمته مَن شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ، قال الخطابي: الْمَوجوءُ منزوعُ الأُنثيين والوفاء الخصاء.
قال الحافظ: وفيه جواز الخصي في الضحية، وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو، لكن ليس هذا عيبًا؛ لأن الخصاء يفيد اللحم طيبًا، ويُنهى عنه الزهومة وسوء الرائحة.
قوله: (أملحين): الأملح هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثرُ.
قال الحافظ: واختُلف في اختيار هذه الصفة، فقيل: لحسن منظره، وقيل: لشحمه وكثرة لحمه، قال: وفيه أن الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى، وهو قول أحمد، وعنه رواية أن الأنثى أَولى.
قال الحافظ: وفيه استحبابُ التضحية بالأقرن، وأنه أفضل من الأجم مع الاتفاق على جواز التضحية بالأجم، وهو الذي لا قرن له، واختلفوا في مكسور القرن، واستدل به على مشروعية استحسان الأضحية صفة ولونًا.
قال الحافظ: وقد ثبت في حديث عروة عن عائشة « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد، ويَبرك في سواد، فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: بسم الله، اللهم تقبَّل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحَّى، أخرجه مسلم، قال الخطابي: قولها: يطأ في سواد... إلخ، تريد أن أظلافه ومواضع البروك منه، وما أحاط بملاحظ عينيه من وجهه أسود، وسائر بدنه أبيض، قال الماوردي: إن اجتمع حسنُ المنظر مع طيب المخبر في اللحم، فهو أفضل، وإن انفردا فطيبُ المخبر أَولى من حُسن المنظر» [2].
قوله: (ذبحهما بيده): فيه استحباب مباشرة المضحي الذبح بنفسه.
قال الحافظ: وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر، لكن عند المالكية رواية بعدم الأجزاء مع القدرة، وعند أكثرهم يكره لكن يستحب أن يشهدها.
قوله: (وسمى وكبَّر، ووضع رجله على صفاحهما)، وفي رواية: "فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبِّر، فذبحهما بيده"؛ أي: على صفاح كل منهما عند ذبحه، والصفاح الجوانب، والمراد الجانب الواحد من وجه الأضحية.
قوله: يسمي ويكبر، وفي رواية: وسَمَّى وكبر، والأول أظهر في وقوع ذلك عند الذبح، قال: وفي الحديث غير ما تقدم مشروعية التسمية عند الذبح، قال: وفيه استحباب التكبير مع التسمية، واستحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن، واتفقوا على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر، فيضع رجله على الجانب الأيمن؛ ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها بيده اليسار[3].
تتمة:
قال في الاختيارات: والأجر في الأضحية على قدر القيمة مطلقًا وتجزي الهتمي التي سقط بعض أسنانها في أصح الوجهين ولا تضحية بمكة وإنما هو الهدي وإذا ذبح قال: اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم ولا يستحب أخذ شعره بعد ذبح الأضحية وهو إحدى الروايتين عن أحمد والتضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها وآخر وقت ذبح الأضحية آخر أيام التشريق وهو مذهب الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد ولم ينسخ تحريم الادخار عام مجاعة؛ لأنه سبب التحريم، وقاله طائفة من العلماء، ومن عدم ما يُضحي به ويعق، اقترض وضحى وعقَّ، مع عدم القدرة على الوفاء، والأضحية من النفقة بالمعروف، فتضحي امرأة من مال زوجها عن أهل البيت بلا إذنه ومدين لم يطالبه ربُّ الدين، ولا يعتبر التمليك في العقيقة[4].
عن جابر قال: صليتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه، فقال: "بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي"؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وعن نافع أن ابن عمرو أخبره قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذبح وينحر بالمصلى، رواه البخاري والنسائي وابن ماجه وأبو داود.
قال الشوكاني: فيه استحبابُ أن يكون الذبح والنحر بالمصلى وهو الجبانة[5].
قال ابن بطال: هو سنة للإمام خاصة عند مالك، قال مالك فيما رواه ابن وهب: إنما يفعل ذلك لئلا يذبح أحدٌ قبله، زاد المهلب: وليذبحوا بعده على يقين، وليتعلموا منه صفة الذبح[6].
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عيد بكبشين، فقال حين وجههما: "وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته"؛ رواه ابن ماجه.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: اشتريت كبشًا أضحى به، فعدا الذئب فأخذ الإلية، قال: فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ضحِّ به"؛ رواه أحمد.
قال المجد: وهو دليلٌ على أن العيب الحادث بعد التعين لا يضرُّ؛ عن عائشة قالت: دَفَّ أهلُ أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ادخروا ثلاثًا ثم تصدقوا بما بقِي بعد ذلك، قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويَجْمُلون فيها الوَدَكَ، فقال: وما ذاك؟ قالوا: نَهيتَ أن تؤكَل الأضاحي بعد ثلاث، فقال: إنما بينكم من أجل الدافة، فكلوا وادَّخروا وتصدَّقوا"؛ متفق عليه[7].
وقال المجد: باب من أذن في انتهاب أضحيته وعن عبد الله بن قرط أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر، وقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خمس بدنات أو ست ينحرهنَّ، فطفقنَ يزدلفنَ إليه أيتهنَّ يبدأ بها، فلما وجبت جنوبُها، قال كلمة خفية لم أفهَمْها، فسألت بعض مَن يليني: ما قال؟ قالوا: قال: "من شاء اقتطع"؛ رواه أحمد وأبو داود، وقد احتج به مَن رخَّص في نثار العروس ونحوه.
قوله: يوم القَرِّ بفتح القاف وتشديد الراء، هو اليوم الذي يلي يوم النحر، سُمي بذلك؛ لأن الناس يقرون فيه بمنى، وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا، وعن نبيشة الهذلي قال: "قال رجل: يا رسول الله، أنا كنا نَعْتِرُ عتيرةً في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: اذبحوا لله في أي شهر كان، وبرُّوا الله عز وجل، وأطعِموا، قال: فقال رجل آخر: يا رسول الله، أنا كنا نُفرع فرعًا في الجاهلية، فما تأمُرنا؟ قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل سائمة من الغنم فَرَعٌ تَغْذوه غنمُك، حتى إذا استعمل ذبحته، فتصدقت بلحمه على ابن السبيل، فإن ذلك هو خير"؛ رواه الخمسة إلا الترمذي.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا فرع، ولا عتيرة والفرع أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم والعتيرة في رجب؛ متفق عليه، وفي لفظ "لا عتيرةَ في الإسلام ولا فَرَع"؛ رواه أحمد، وفي لفظ "أنه نهى عن الفرع والعتيرة"، رواه أحمد والنسائي، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا فرع ولا عتيرة"؛ رواه أحمد، وعن الحارث بن عمرو أنه لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، قال: فقال رجل: يا رسول الله، الفرائع والعتائر، فقال: "من شاء فرَّع ومن شاء لم يُفرِّع، ومن شاء عتَر ومن شاء لم يَعترْ في الغنم أُضحية"؛ رواه أحمد والنسائي[8].
[1] صحيح البخاري: (7/ 130).
[2] فتح الباري: (10/ 10، 12).
[3] فتح الباري: (10/ 18).
[4] الاختيارات الفقهية: (1/ 468).
[5] نيل الأوطار: (5/184).
[6] فتح الباري: (10/ 9).
[7] نيل الأوطار: (5/ 177).
[8] نيل الأوطار: (5/ 192).
- التصنيف:
- المصدر: