طوفان بيع النساء بالأسواق العامة المحدَث هذه الأيام يزداد ضرره كلَّ يوم..!

منذ 2012-01-19


الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.

أما بعد:
فقد حصل في الأيام القليلة الماضية في بلاد الحرمين حدث عظيم وخطب جسيم، وكارثة كبرى ومصيبة عظمى، ألا وهو بدء بيع النساء في الأسواق العامة كاشفات الوجوه، أو جلها مختلطات بالرجال الأجانب من الباعة والمشترين، لتبني وزارة العمل ذلك باهتمام واندفاع من وزيرها المهندس (عادل فقيه) وتحذيره أصحاب محلات بيع المستلزمات النسائية بإغلاقها إذا لم تمتثل ذلك، ومن حسن حظ بعض أصحاب محلات المستلزمات النسائية عند هذا الحدث والإلزام به تركهم هذا النوع من التجارة فيما بلغني، وتحولهم إلى أنواع أخرى لا محذور فيها، وفي هذا السلامة من الإثم وإيثار تجارة الآخرة.

وهذا الحدث يعتبر في هذه البلاد زلزالاً مدمرًا للأخلاق، وقد كتبت فيه قبل أيام كلمة نشرت بتاريخ 12/ 2/ 1433هـ بعنوان: (زلزال مدمر للأخلاق حدث في بلاد الحرمين هذه الأيام بمكر التغريبيين). وهذا الحدث أخطر حدث حصل في فتنة النساء في بلاد الحرمين، لما فيه من انتشار الشر وتعميميه على أنحاء المملكة، في وسطها وغربها، وشرقها وجنوبها وشمالها، ويزداد شناعة كونه قريبًا من الكعبة ومسجدها، وعلى مقربة من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما لهما من شرف وحرمة، ومكانة خاصة في نفوس المسلمين، وكأن هؤلاء التغريبيين الماكرين بهذه البلاد حكومةً وشعبًا لا يعلمون شيئاً عن قوله صلى الله عليه وسلم: «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً» (رواه البخاري، ومسلم).

ومن الأسس التي قامت عليها الدولة السعودية الاهتمام والعناية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ أنشأت لهما مؤسسة حكومية متفرغة لذلك، تحقيقًا لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. وهي مؤسسة لا مثيل لها في الدول الأخرى، وسبق أن كتبت في ذلك رسالة بعنوان: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم أسباب قيام الدولة السعودية وبقائها) طبعت عام 1430هـ.

وفي هذه الأيام التي بدء فيها بيع النساء في الأسواق العامة، عين بتاريخ: (19/2/1433هـ) رئيس جديد لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أحفاد شيخ الإسلام (محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-) الذي حصل بمؤازرته ومساندته للإمام (محمد بن سعود -رحمه الله-) في منتصف القرن الثاني عشر الهجري خير عظيم وآثار حميدة لجزيرة العرب وغيرها، لازلنا نتفيؤ ظلالها الوارف بعد مضي ثلاثة قرون تقريبًا على تأسيس الدولة السعودية الأولى.

وهذا الرئيس الجديد -أصلح الله حاله وفعاله- له توجه في تهوين أمر الاختلاط وبيع النساء في الأسواق، وسبق أن كتب مقالاً في ذلك نشرته صحيفة الجزيرة بتاريخ: (2/ 6/ 1431هـ) وقد رددت عليه في كلمة بعنوان: (لماذا الكلام المُوهِم في فتنة اختلاط الجنسين يا حفيد شيخ الإسلام؟) نشرت بتاريخ: (5/ 7/ 1431هـ) والغالب على الظن أن وراء ترشيحه لهذا المنصب بعض التغريبيين المتغلغلين في بعض أجهزة الدولة ممن يعرفون عنه هذا التوجه، ولهذا فرح بهذا التعيين أعداء الدولة من المستغربين، وحزن له أصدقاؤها الحريصون على بقاء هذه البلاد سالمة من الفتن، ولا شك أن التغريبيين الذين لا مجد لهم يسعون جاهدين لتضييع مجد غيرهم، وتقويض البنيان الشامخ الذي ورَّثه الملك عبد العزيز -رحمه الله-

وعسى أن يكون هذا الرئيس الجديد هُدي إلى التي هي أقوم، وتغيرت حاله إلى ما هو أحسن فيسير بهذه المؤسسة العظيمة على الجادة المستقيمة، فتخيب آمال التغريبيين ويصير فرحهم حزنًا، وإن بقي على حسن ظنهم فلا يستحق إلا التعزية بوصوله إلى هذا المنصب، وهذا الطوفان الذي يزداد ضرره في هذه البلاد يومًا بعد يوم، سبقت بلاد الشام إلى تجربته حيث بدأ الأمر فيها بكشف الوجوه وانتهى إلى التعري المشين، الذي لا يخفى على أحد، وقد أوضح ذلك الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- في نصيحته لأهل بلاد الحرمين حيث قال في كتابه (فصول إسلامية، ص: 298) ضمن محاضرة ألقيت في 1973م بعد كلام سبق:

"وسيل الفساد المتمثل في العنصر الاجتماعي مر على مصر من خمسين سنة، وعلى الشام من خمس وعشرين أو ثلاثين، وقد وصل إليكم الآن، فلا تقولوا: نحن في منجاة منه، ولا تقولوا: نأوي إلى جبل يعصمنا من الماء، ولا تغتروا بما أنتم عليه من بقايا الخير الذي لا يزال كثيراً فيكم، ولا بالحجاب الذي لا يزال الغالب على نسائكم، فلقد كنا في الشام مثلكم -إي والله- وكنا نحسب أننا في مأمن من هذا السيل، لقد أضربت متاجر دمشق من ثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأغلقت كلها، وخرجت مظاهرات الغضب والاحتجاج، لأن مديرة المدرسة الثانوية مشت سافرة -إي والله- فاذهبوا الآن فانظروا حال الشام! دعوني أقل لكم كلمة الحق، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، إن المرأة في جهات كثيرة من المملكة قريب وضعها من وضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب (تحرير المرأة) فلا يدع العلماء مجالاً لقاسم جديد".

وقد بيَّن في ذكرياته: (5/ 226) أن سفور المرأة التي أشار إليها مجرد كشف الوجه، حيث قال: "وكانت النصرانيات واليهوديات من أهل الشام يلبسن قبل الحرب الأولى الملاءات الساترات كالمسلمات، وكل ما عندهن أنهن يكشفن الوجوه ويمشين سافرات، أذكر ذلك وأنا صغير، وجاءت مرة وكيلة ثانوية البنات المدرسة سافرة فأغلقت دمشق كلها حوانيتها، وخرج أهلوها محتجين متظاهرين حتى روّعوا الحكومة فأمرتها بالحجاب وأوقعت عليها العقاب، مع أنها لم تكشف إلا وجهها".

والقول بمنع السفور والاختلاط دلت عليه الأدلة الشرعية، وقال بمنعه من المعاصرين العلماء المحققون في هذه البلاد، ومنهم شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز، وشيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ محمد ابن صالح العثيمين -رحمهم الله- وقد ذكرت كلامهم في كلمة: (أربعة مشايخ يحذِّرون من فتنة السفور واختلاط الجنسين في بلاد الحرمين) نشرت بتاريخ: 7/2/1433هـ وجاء منعه في قرار هيئة كبار العلماء وفتوى اللجنة الدائمة للإفتاء، وجاء أيضاً في تعميم الملك فهد -رحمه الله- الموجه لخادم الحرمين الملك عبد الله -حفظه الله- إبان ولايته للعهد، ذكرت ذلك في كلمة: (زلزال مدمر للأخلاق حدث في بلاد الحرمين هذه الأيام بمكر التغريبيين) نشرت في: (12/2/1433هـ) وكتبت رسالة بعنوان: (وجوب تغطية المرأة وجهها، وتحريم اختلاطها بغير محارمها) طبعت عام 1430هـ ذكرت فيها بعض الأدلة على تحريم السفور والاختلاط، ونقلت فيها كلام الملك عبد العزيز -رحمه الله- وغيره في بيان خطورة الاختلاط، وقلت في آخرها: "أقول بعد إيراد هذه النصوص الشرعية وكلام بعض العلماء والأمراء في لزوم النساء الحجاب، ومنعهن من الاختلاط بالرجال: لا يسوغ لأحد أن يُهَوِّن من شأن ذلك لما يترتب عليه من الأضرار العظيمة التي لا تحمد عقباها على الفرد والمجتمع".

وهذه الكلمة هي المتممة لثلاث وثلاثين كلمه كتبتها في خلال ثلاث سنوات وأربعة أيام، والكلمة الأولى نشرت بتاريخ: (18/ 2/ 1430هـ) بعنوان: (دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات، هم الذين وراء بدء انفلات بعض النساء أخيرًا في بلاد الحرمين). وقد قلت فيها: "ومن كانوا من دعاة التغريب ومتبعي الأهواء والشهوات قريبين من ولاة الأمر في إدارة أو استشارة أو وزارة أو غير ذلك، فهم في الحقيقة بطانة سيئة وجلساء سوء، وخطرهم على الراعي والرعية أشد من خطر المجذوم على الصحيح، والفرار منهم أولى من فرار الصحيح من المجذوم، للبون الشاسع بين خطرهم وخطر المجذوم، قال صلى الله عليه وسلم: «ما استُخلف خليفة إلا كان له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله» (رواه البخاري: 6611).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة» (رواه البخاري: 5534، ومسلم: 6692) وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «وفِرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد» (رواه البخاري: 5707).

وفي حلية الأولياء لأبي نعيم: 5/336 عن الأوزاعي قال: "قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي إليه، ويكون لي على الخير عوناً، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحدًا، ويؤدي الأمانة التي حملها مني ومن الناس، فإذا كان كذلك فحيهلا به، وإلا فهو في حرج من صحبتي والدخول علي" وأما حالهم في الآخرة، فقد قال الله عز وجل في أمثالهم: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 66، 67).

وأسأل الله عز وجل أن يحفظ هذه البلاد حكومةً وشعبًا من كل شر وأن يوفقها لكل خير، وأن يقيها شر الأعداء الماكرين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وأسأله تعالى أن يوفق خادم الحرمين حفظه الله لإصدار أمره المطاع بالقضاء على هذه الفتنة، التي حدثت في عهده بمكر التغريبيين.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

22/ 2/ 1433هـ
عبد المحسن بن حمد العباد البدر.

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

المحدث الفقيه والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، ومدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً

  • 5
  • 1
  • 5,921

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً