مستقبل ليبيا الأحرار بين الطموحات والواجب
منذ 2012-01-21
نعلم أن الحِمْل ثقيل، وأن المسؤوليات جسام عندما يكون الحديث على بناء بلد مثل ليبيا عانى من القهر والظلم وصور التخلف الممنهج عقوداً من الزمن.
خلاصة:
تساءل كثير من المسلمين طيلة العقود الأربعة الماضية: هل كل الليبيين راضون بحكم القذافي؟ هل يحبونه؟ أين أنتم يا ليبيون؟ لماذا لم تثوروا على الظلم يا أحفاد المختار؟ يعتقد الكاتب أن ثورة 17 فبراير المباركة قد أجابت عن كل هذه التساؤلات، وفاقت بأحداثها وبطولاتها كل التوقعات والآمال والتطلعات.
يبيِّن المقال أسباب خطأ قراءة أركان النظام الليبي لتداعيات الثورة، ويتناول بالعرض والتحليل أحداث الثورة وبعض منجزاتها في إطار الرؤية التفاؤلية، ويختم بمناقشة أهم الطموحات المستقبلية للبلد التي يجب مراعاتها وإمكانيات التعاطي معها.
أولاً: مقدمات ضرورية:
قيم الإلحاد والزندقة والقراءة الخاطئة: منذ بدء ما أطلق عليه الطاغية القذافي (الثورة الثقافية) في بداية السبعينيات من القرن الماضي -التي نتج عنها إقفال جامعة البيضاء الإسلامية وحرق مخطوطاتها، والكتب التي كانت تحويها مكتبتها، وسحب وإحراق الكتب الدينية من المكتبات العامة بما فيها كتب التفسير والحديث- عرف المثقفون الخيِّرون الليبيون أن معركتهم مع القذافي معركة أيديولوجية.
وزاد الأمرَ وضوحًا صدور الكتاب الأخضر بأقسامه الثلاثة، وترجمته إلى عشرات اللغات العالمية، وهو الذي يدعو صراحة إلى الاشتراكية ثم فرضه مقرراً دراسياً على طلاب الثانوية العامة، وتطور ليصبح مادة رئيسة تحت مسمى الفقه السياسي في الثانوية والجامعات، ثم أكد هذا الشعورَ بعد أن أنشأ طاغية ليبيا ما يسمى (باللجان الثورية سنة 1977م) وتوَّج ما طرحه من أيديولوجية جديدة بهتافات: الفاتح عقيدة الفاتح إيمان، وافتتاح الخطب والبرامج، والديباجات بقوله وأتباعِهِ زوراً: (باسم الفاتح العظيم).
ولم يقتصر الأمر على الهتافات، بل بدأت في سنة 1980م برعاية ابن عم القذاقي أحمد إبراهيم ما يسمى بالمعسكرات العقائدية لطلاب الجامعات في العطلات الصيفية، وكان يستعرض فيه ذلك الأفَّاك الأثيم تاريخ الأنبياء منذ آدم عليه السلام، ليصل إلى إسبرطاكوس وفشله في تحرير العبيد، لينتهي إلى اكتمال النضوج الفكري بمجيء القذافي -الطاغية- منقذاً ومخلِّصاً للبشرية جمعاء، وليس لليبيين فقط.
كل ذلك وعلى مدى عقود أسهم في تكوين الخريطة الذهنية الإدراكية للقذافي وأتباعه، التي حكموا البلاد من خلالها، وقرؤوا الأحداث وقيَّموا الناس ومواقفهم وَفْقَ تعرجاتها، وكان من ضمن ذلك سوء قراءتهم وتقييمهم لثورة 17 فبراير ونتائجها، ولم يستوعب الطاغية القذافي وحزبُه وأتباعه من أعضاء اللجان الثورية، وكتائبه -على الرغم من مرور أكثر من ستة أشهر- أن هذه الثورة المباركة هي علامة نهاية ظلمهم وجبروتهم وبداية انبلاج فجر الحرية الحقيقية، التي كان ينشدها أحفاد المختار.
قيم ثورة 17 فبراير، ودورها في نجاحها: قامت ثورة 17 فبراير منذ انطلاقتها على قيم لم تزدها الأيام والأحداث إلا ترسُّخاً وتجذُّراً.
ومن تلك القيم:
الإخلاص لله تعالى في نية مقاومة الاستبداد بكل أصنافه، وفي مقدمتها رَفُضُ كثير من ضباط وجنود الجيش، الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لمواقفهم الأبية الانصياع لأوامر الطاغية، وانضمام عدد آخر لصف الثوار ممن يسر الله لهم ذلك، ومنها وحدة الصف والهدف والوسائل، ومنها تلاحم أطياف المجتمع، وتعاون أفراده على البر والتقوى في نصرة الحق والمظلوم، حتى رأينا الأسرة الواحدة تستضيف عدداً من الأسر الأخرى ممن فروا من جحيم الطاغية ومرتزقته (1). في بيوتهم يشاطرونهم المأوى والمأكل والمصير، رغم قلة ذات اليد في تلك الظروف.
ومن ذلك نصرة ودعم ثورة الحرية والكرامة كلٌّ حسب موقعه واستطاعته: فهذا عالم فاضل يفتي بوجوب الانتفاض ضد الطاغية، وتلك عجوز لم تجد ما تقدم إلا الذهاب للصفوف الأمامية للقتال تزغرد وتدعو للأبطال بالنصر فيسجل ذلك الحدث شابٌ هناك، ويرسله لآخر من شباب سخَّروا مهاراتهم ووقتهم لدعم الثورة على الإنترنت، فيضعون ذلك التسجيل المصور على صفحات الفيس بوك تحت عنوان: (بمثل هذا ننتظر النصر من الله) وأولئك نسوة اجتمعن لطهي الطعام لآلاف المقاتلين على الجبهة، وذاك يوصل الأكل للجبهات فتأتيه قذيفة فيلتحق بركب الشهداء، وهؤلاء عرب وأمازيغ أهل الجبل الغربي يلتحمون لتحرير مدنهم وقراهم.
ثانياً: التفاؤل الحسن لمستقبل ليبيا في ضوء المعطيات: لقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، وتأسياً به صلى الله عليه وسلم تلوح لنا حقـائق تؤكد تفاؤلنا بهذه الثـورة المبـاركة، ومـن ذلـك -على سبيل المثال لا الحصر-: التفاؤل بظاهرة التكبير التي صاحبت كل أحداث الثورة: (شعب التكبير) اسم جديد حازه شعب ليبيا الحرة بعد ثورته على الظلم والظالم، وله ظلاله ودلالاته القريبة والبعيدة، فمنذ اللحظات الأُولَى قامت الانتفاضة المباركة على التكبير والتحميد، سواء الشباب في الجبهات، أو كبار السن في المساجد عبر مكبرات الصوت، بل وفي الجبهات عند بداية معارك التحرير وأثنائها وبعد الانتصارات.
بل إن مجموعة من الثوار كانوا محاصرين من كتائب الغدر نفدت ذخيرتهم في إحدى العمارات ولم يدروا ما يصنعون فأشار عليهم أحدهم -وقد كان حافظاً لكتاب الله- أن يخرجوا من العمارة دفعة واحدة وهم يكبرون بأعلى أصواتهم آمرين أعداءهم في الوقت نفسه أن استسلموا فرمى حزب الشيطان أسلحتهم واستسلموا لهم في قصة مشهورة.
ومن الملاحظ أن التكبير في معظم الأحيان هو تكبيرات العيد لإكرام الله أهل ليبيا بفرحة النصر قبيل أيام العيد ليعيشوا معاني تلك التكبيرات في أجواء إيمانية ينقطع نظيرها، التفاؤل برفض الاستعانة بالأجنبي على الأرض، بكل إصرار من المجلس الوطني الانتقالي ومن الثوار، ومن عموم أهل ليبيا الأحرار.
وقد تم هذا الرفض مرتين:
الأولى: في بداية الثورة على رغم من القصف والدمار والقتل والتشريد.
والثانية: بعد فتح طرابلس عندما اقتُرِح عليهم باسم المحافظة على الأمن في العاصمة ذات الكثافة السكانية، ووجود الأماكن الحساسة: (كالمطار والسفارات والمصارف وغير ذلك...)
التفاؤل بتغيير أسماء الساحات: ومنها تغيير أكبر ساحة في طرابلس العاصمة، وكانت تعرف باسم الساحة الخضراء إلى ساحة الشهداء، التفاؤل بمواقف الأمهات والآباء الذين استقبلوا استشهاد أبنائهم بالصبر والتكبير والاحتساب، بل رفض بعضهم تقبُّل العزاء فيهم، وبعض الأمهات لهن مواقف تتحرك لها الجبال مثل أم الشهيد عماد زكري التي (2) دخلت على جثمان ابنها بالتكبير والزغاريد وهو موقف تكرر من عدد من الأمهات.
التفاؤل بسـلوكيات الشـيخ الجليـل الأسـتاذ: مصطفـى عبد الجليل (رئيس المجلس الوطني الانتقالي):
1 - محافظته على الصلوات: افتُقدَ الأستاذ في الصباح الباكر ذات يوم أثناء زيارته لتركيا فبحث المضيفون عنه، وكانت المفاجأة حين وجدوه عائداً من أداء صلاة الصبح في جماعة في إحدى المساجد القريبة مشيًا على الأقدام.
كما عبَّر الرئيس الفرنسي عن احترامه للأستاذ بقوله: "إنه أول مسؤول دولة يستأذنه أثناء إحدى الاجتماعات لأداء الصلاة" وكذا الأمر في زيارته لبريطانيا وشهادة رئيس وزرائها بمثل ذلك، وهذا ليس غريباً عن شيخ تخرَّج في جامعة البيضاء الإسلامية.
2 - إلغاء الربا من جميع مصارف ليبيا تمشياً مع توجيهات الإسلام وأوامره، وإعلان ذلك رسمياً في وسائل الإعلام.
3 - إعادة الاعتبار للمؤسسات الدينية وفي مقدمتها مؤسسة الإفتاء، هذا المنصب الذي ألغاه الطاغية القذافي منذ أيامه الأولى بعد وصوله لسُدة الحكم.
ولقد تم تعيين الشيخ الصادق الغرياني مفتيًا لليبيا، وهو مَن هو في العلم والفضل ويكفيه فخراً دوره المتميِّز في تحريض الشباب على الجهاد من جهة، وتحريض أهل المناطق التي لم تنتفض في البداية -بما فيها العاصمة- على الانتفاضة ضد الظلم والعدوان.
التفاؤل بسلوكيات الثوار في رمضان، لتفاؤلهم هم بالفتوحات الإسلامية في رمضان، حيث زيادةُ الجهد ومضاعفتُه، وإيثـارُ الصوم على الإفطـار طيلـة أيام الشهر الثلاثين على الرغم من وجود الرخصة، وقد كان من فضل الله في الاستجابة لهذا الفأل أنَّ ثوارنا حققوا أضعاف الانتصارات التي حققوها في غيره من الشهور مجتمعة، وحرروا مناطق ومدنًا شتى في أيام معدودات.
ومن المبشرات تحرير الثوار لبلدة مهمة في غرب ليبيا اسمها (بدر) حيث اقتحموها وكتب الله لهم النصر يوم غزوة بدر -أي السابع عشر من رمضان- ثم كانت قمة الفأل في فتح طرابلس التي ربط الثوار فتحها بتاريخ فتح مكة في العشرين من رمضان، وكان لهم ذلك رغم أنه قرار مسبق استوجب الترتيب له مع أهلها والصبر والمصابرة، والإعداد لمدة تصل إلى شهرين.
التفاؤل بصنيع الثوار بالسجود لله تعالى شكراً بعد تحرير كل منطقة من المناطق المغتصبة: وهو من الاعتراف بالمنة والفضل لله تعالى المستحق للحمد وحدَه، وهذه الأمور كلها هي من معاني التوحيد وتحقيقه والتحقق به وتصفيته من الشوائب، ليتم بذلك الإخلاص في العمل النضالي كله لتحرير ليبيا.
التفاؤل بالحرص على الروح العالية والأخلاق المثالية: فقد حرص ثوار 17 فبراير -أفراداً وقادة- على حُسن معاملة من يأسرونهم من قيادات وجنود كتائب الطاغية، والبعد عن روح الانتقام والتشفي، فضربوا أروع الأمثال وبهروا أولئك المأسورين بتلك السلوكيات التي أثرت فيهم، لا سيما إذا قارنوها بما يفعلونه هم بمن يمسكون به من الثوار من الإهانة والاعتداء والتنكيل، فلم يملكوا إلا أن يقرُّوا بتلك الحقائق أمام كاميرات التلفاز، فأظهروا ذلك الإعجاب بما لم يتوقعوه، واعترفوا بأن الطاغية القذافي كذب عليهم بأنهم سيقابلون مجرمين سفاحين مصاصي دماء.
التفـاؤل بالفـوائد التـربوية للثورة المبـاركة: وأول ذلـك ما ذكره لي أحد المربين بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على تحرير بعض مدن ليبيا، وما نتج عن الثورة من مكتسبات تربوية عبَّر عنها بقوله: "لو أتينا بآلاف المربين واجتهدوا ليل نهار لعشرة سنوات في تطبيق برامجهم التربوية على شبابنا ما حققوا ما حققته ثورة 17 فبراير في نفوس الشباب، وتربيتهم التربية الإيمانية والفكرية، وصقل مواهبهم وتوجيه قدراتهم نحو خدمة بلدهم والتفاني في الذب عنها وتطهيرها من كل أنواع الفساد والظلم".
ويمكن ذكر بعض النماذج العملية لما وصفه المربي الفاضل سابقًا ليتضح مقصود كلامه:
1- قصة وقعت لطبيب ليبي عانى أكثر من ثلاثة عقود من ترسبات كبت وقهر نظام الطغيان، نتج عنه إحباط واكتئاب حادَّين، وهو ما أدى به إلى العزلة عن المجتمع، لكن بعد اندلاع الانتفاضة المباركة تغيَّر هذا الطبيب، وخرج من عزلته وانضم لصفوف الثوار ليقوم بواجبه الحسَّاس الذي يتقنه، وشفى الله صدره وأذهب غيظ قلبه، وكأن شيئاً لم يكن من المعاناة والآلام.
2- قصة الولد العاق الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر، الذي حيَّر والديه بسلوكه العدواني غير المنضبط، وانضم شابُّنا هذا لصفوف الثوار بعد اندلاع الثورة فأبلى بلاءًا حسنًا، وكان في مقدمة الصفوف يصارع جلاوزة البطش والطغيان وتعركه الحياة الجديدة، ثم يرجع إلى أمه للزيارة بعد مرور الأشهر الطويلة، لتفغر الأم فاها من هول ما رأت من تغيُّر سلوك ابنها إلى الرزانة، وحُسن المعاملة وحب الخير، وبرِّ الوالدين والعطف على الآخرين، فيا له من مشهد مؤثر يعجز القلم عن تصوير روعته..!
3- طبيب فرنسي يذهب لمجاورة الثوار ويلمس محاسن أخلاقهم، فما كان منه إلا أن أشهر إسلامه. وغربي آخر يمتهن الصحافة ذهب إلى ليبيا ليعيش بين صفوف الثوار وينقل مشاهداته والأحداث التي عاشها، وإذا به يسجن مع بعض الثوار ويعيش معاناتهم مرتين، ثم ييسر الله تحريرهم على أيدي ثلة أخرى من شباب الثورة، فيروي قصته ومعاملة الثوار له داخل السجن وخارجه وهو يبكي.
4- برامج التوعية الدينية: لقد تبيِّن حجم التجهيل الممنهج الذي مارسه الطاغية القذافي على أفراد كتائبه، الذين وقعوا في أسر أيدي الثوار، حيث لا يحسـن بعضـهم قـراءة الفـاتحة ولا كيفيـة أداء الصـلاة بشـكل صحيـح، ولا يحفظون أي شيء من القرآن ولا يُلِم معظمهم بأصول الإسلام، التي لا يعذَر أحد بالجهل بها، فما كان من ثوارنا إلا إقامة البرامج التدريبية التعليمية لهؤلاء المساجين، وتحولت ساحات السجون إلى حِلَق للذكر، والتعليم فلا تسل عن الخير الذي ترتب على ذلك.
ثالثاً: مستقبل ليبيا المؤمَّل في ضوء التفاؤلات:
الاستقرار الأمني: لعل هذا الموضوع يشكل أكبر هاجس لكل أحرار ليبيا ومخلصيها، فالقضاء على بقايا فلول الطاغية، وأتباعه من الطابور الخامس الذين لا يزالون يكنون له الولاء التام يعتبر من أولويات الثوار والجيش الوطني الليبي.
يضاف إلى ذلك فرض الأمن في المدن التي تحررت أخيراً وخاصة العاصمة، ويتبع ذلك موضوع السلاح والاتفاق على آلية لجمعه من الثوار في الوقت المناسب بعد تحرير كامل البلاد، وقد أحسن المجلس الوطني الانتقالي بدعوة أفراد الشرطة بالرجوع إلى عملهم، وفتح باب الانضمام إلى الجيش الوطني أمام الشباب الليبي.
وكانت الندوة الحوارية بين قيادات الجيش الوطني وممثلين عن الثوار والشباب عمل صائب في هذا المضمار، كما يبقى ملف مهم في هذا المجال يفطَّن له كثير من شبابنا ويبذلون قصارى جهدهم في التصدي له بالمرصاد ألا وهو ملف المتسلقين، وهو محاولة بعـض المنتفعين والمصلحيـين، وبعـض البقايا من ركائز عهد الطاغية، والتغريبيين ممن يحاولون قطف ثمار ثورة السابع عشر من فبراير والركوب على دم الشهداء.
مما لاشك فيه أن التعاطي مع كل هذه الأمور لا يتم إلا بإخلاص النوايا وتوحيد الكلمة، وتضافر الجهود بين كل من يهمه مستقبل ليبيا الحرة لتكتمل الفرحة، ويتحقق النصر التام الذي من أجله قدَّم شهداؤنا دماءهم وأرواحهم دونه.
وشكر الله لكم الوسطية والاعتدال: شكك القذافي وأبواقه ومناصروه وبعض المحللين السياسيين في وسطية ثوار 17 من فبراير، وكالـوا لهم الاتهـامات بالتطـرف والغلو، بل والانتمـاء للقاعدة، وقد ثبت بالبرهان والدليل القاطع بطلان كل تلك الاتهامات.
وتحقيقاً للوسطية القائمة واستثماراً لأصولها يمكن الاقتراح في مجال تطوير التعليم الديني أن يستفاد من تجربة ماليزيا في مجالين:
أولهما: فكرة الإسلام الحضاري القائم على اعتماد قيم الإسلام الحضارية لتطوير المجالات التقنية والاقتصادية والصناعية والسياسية.
وثانيهما: اعتماد فلسفة الجامعة الإسلامية في ماليزيا القائمة على الدمج بين معارف الوحي والعلوم الإنسانية، وإكساب طلاب الدراسات الإسلامية مهارات التواصل والتفكير وحل المشكلات، يضاف إلى ذلك ما اقترحته في محاضرة رمضانية في إحدى مساجد مصراته سنة 2005م بتجاوز مرحلة تغليب المراجع المتأخرة في الفقه المالكي إلى تدريس الفقه المالكي المقارن، الذي تتعدد مصادره وأهمها: (البيان والتحصيل، وشرح الميَّارة، وبداية المجتهد).
وضع دستور يعكس ثقافة وقيم المجتمع الليبي: حرص المجلس الوطني الانتقالي على وضع اللمسات المبدئية للدستور الذي ألغى القذافي كلَّ ما يمتُّ له بصلة، وقد تم التأكيد على أن الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع.
ويبقى موضوع التفاصيل الذي تُرِكَ لأفراد الشعب الليبي كافة الإسهامُ في وضع لمساته وترتيباته وملامحه وخصوصياته، وهنا ينبغي التأكيد على عدم السماح لكل ما من شأنه أن يتعارض مع قيم وثقافة الشعب الليبي الأصيلة، وخاصة قيم التغريب التي يريد بعضهم تمريرها عبر قنوات العولمة الثقافية.
بناء دولة المؤسسات المدنية: لا شك أن هذه المسألة تُعَد من الأولويات، فقد حرص القذافي الطاغية مدة حكمه البغيض على طمس المؤسسات المدنية والعلمية والاجتماعية والفكرية، لذا فإن هذا الموضوع يحتاج من أصحاب الخبرات المخلصين تضافرَ الجهود للقيام على تحقيقه بالشكل المناسب الذي يحقق طموحات الشعب الليبي في الحرية والرقي والازدهار.
أبرز محطات الثورة الليبية التي اندلعت أواسط فبراير 2011م
1/3 الجمعية العامة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة تتبنى قراراً بطرد ليبيا من مجلس حقوق الإنسان.
7/3 قوات حلف شمال الأطلسي -ناتو- تبدأ طلعات مراقبة جوية للأجواء الليبية على مدار الساعة.
10/3 فرنسا تعترف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الليبي، والنظام الليبي يقطع علاقاته معها.
17/3 مجلس الأمن الدولي يتبنى قراراً بإنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا.
19/3 انطلاق عملية (فجر الأوديسة) العسكرية ضد النظام الليبي بمشاركة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
20/3 القذافي يقول على التلفزيون الليبي: "إنه سيتم فتح مستودعات الأسلحة لتسليح الشعب الليبي كاملاً".
24/3 حلف الناتو يوافق على تولي قيادة العمليات العسكرية لدعم منطقة حظر الطيران في الأجواء الليبية.
28/3 قطر تعلن اعترافها بالمجلس الوطني لتكون ثاني دولة بعد فرنسا وأول دولة عربية تعترف بالمجلس.
30/3 وزير الخارجية في نظام القذافي موسى كوسا يصل إلى بريطانيا حيث أعلن استقالته.
جلال سعد الشايب:
العناية بالتعليم: ملف التعليم هو الآخر ناله نصيبه من التخريب والدمار الممنهج من قِبَل القذافي الطاغية وأتباعه على كل المستويات، فلابد من إعادة النظر في المناهج التعليمية، والكتاب المدرسي، والمقررات بما يتماشى مع المعايير العالمية للجودة، وهو موضوع قد يأخذ زمناً حتى يتم بالصورة المطلوبة.
إعادة إعمار ليبيا: حرص الطاغية القذافي على إفقار الشعب الليبي، ولم يفعل شيئاً في ما يخص البنية التحتية، ثم اكتملت الصورة السلبية القاتمة بتدميره لكل صور البنية التحتية من: (طرق وجسور، ومبان وكهرباء، وهاتف ومرافق صحية، وغير ذلك..) على الرغم من أن ليبيا تتمتع باقتصاد يجعلها تحتل المرتبة السابعة بين دول العالم الغنية.
وقد سرق الطاغية أموال الشعب الليبي على مدى عقود متتابعة لنفسه وأفراد أسرته وأتباعه ومناصريه، والحمد لله والمنة والفضل فقد تم رصد ما يقرب من مائة وخمسة وستين مليار دولار تخص ليبيا الحرة وتم تجميدها، وهي كافية بإذن الله في الإسهام في إعادة إعمار البلد.
وهنا نؤكد على ضرورة الشفافية من جهة، ووضع آليات تعين على تفادي السرقة والاختلاس بأي صورة كانت.
دَوْر الإعلام: لا يخفى ما للإعلام من دور مهم وحيوي في التوجيه والتوعية ونشر العلم والفضيلة، وقد سيطر القذافي الطاغية على كل وسائل الإعلام وسخرها لخدمة أهدافه وإيديولوجياته وأفكاره السامة، وزرع القيم النشاز، والكذب على الناس.
ويمتلك مجموعة محطات للتلفزة والإذاعة المسموعة، التي يمكن حُسْن الاستفادة منها في نشر التوعية الشاملة سواء الدينية أو التنمية البشرية، أو التوعية الأسرية الاجتماعية، أو الثقافية والسياسية وغير ذلك، مع أهمية الحرص ألا تقع تلك المؤسسات الإعلامية في قبضة التغريبيين.
الخاتمة:
نعلم أن الحِمْل ثقيل، وأن المسؤوليات جسام عندما يكون الحديث على بناء بلد مثل ليبيا عانى من القهر والظلم وصور التخلف الممنهج عقوداً من الزمن.
لكن من الحقائق المطمئنة توفُّر كفاءات وعناصر وطنية مخلصة بالداخل والخارج في شـتى التخصـصـات والمجـالات، ويبقـى التحــدي الأكبــر فـي عمليــة البنـاء إلـى جانب وجـود رؤية مسـتقبلية ذات خطـة تفصـيليـة في الحرص على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
____________________
(1) بلغ عدد الذين استضافتهم بعض الأسر إلى عشر أسر في بيوت لا تكفي لأكثر من أسرة بكل حماس وأريحية وطِيب نفس.
(2) وهو مسجل على موقع (اليو تيوب) على صفحات الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت).
جمال أحمد بادي
المصدر: مجلة البيان
- التصنيف: