من سورة هود إلى واقعنا: هل نستطيع فك شفرة النصر والتمكين؟

منذ ساعتين

هل تساءلتم يومًا عن السبب وراء ما نعانيه اليوم من ضعف وهوان؟ هل فكرتم في الأسباب التي أدت إلى تراجع أمتنا وتشتتها؟


"يا أيها المسلمون، هل تساءلتم يومًا عن السبب وراء ما نعانيه اليوم من ضعف وهوان؟ هل فكرتم في الأسباب التي أدت إلى تراجع أمتنا وتشتتها؟ إننا نعيش اليوم في زمنٍ يزداد فيه الظلم والفساد، ويشتد فيه الصراع والتنافس، فما هي الحلول؟ وكيف نستطيع الخروج من هذه الأزمة؟
قبل أن نبدأ في الإجابة على هذه التساؤلات، نستعرض واقع الأمة المرير حيث يشهد العالم الإسلامي اليوم حالة من الضعف والهوان لم تشهدها من قبل، تتجلى في حروب داخلية طاحنة، وفتن مذهبية وقبلية، ومؤامرات خارجية تستهدف وحدة الأمة وتماسكها. هذه الأوضاع المتأزمة أثرت بشكل كبير على حياة المسلمين، وجعلت من العالم الإسلامي ساحة صراع وتنافس بين القوى الدولية.
 إذا نظرنا في خريطة العالم الإسلامي سنلاحظ:
 الكثير من الدول العربية تعاني من حروب أهلية طاحنة وفتن مذهبية وقبلية، أدت إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد الملايين، وتقويض الأمن والاستقرار. مثل ما حدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان والصومال بالإضافة إلى لبنان.
وهناك دول أخرى تعاني من أزمات اجتماعية واقتصادية طاحنة أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر والهجرة غير الشرعية. مثل مصر والجزائر وتونس.
وهناك بعض الدول البترولية تسلط فيها مترفيها فنشروا فيها الترف ومواخير الخمور والدعارة والفسق والفجور، وأخشى أن يتحقق فيها قوله تعالى: {"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} .."
وإذا توجهنا قبل الدول الإسلامية في آسيا: سنلاحظ أن معظمها يعاني من صراعات إثنية وطائفية، مثل أفغانستان وباكستان. كما تعاني بعض الدول من مشاكل اقتصادية وتنموية، مثل بنغلاديش وإندونيسيا.
أما الدول الإسلامية في أفريقيا: فليست أفضل حالا من غيرها، حيث تعاني من حروب أهلية، وتطرف، وفقر، مثل الصومال ونيجيريا.
وإذا دققت النظر ستجد أن هناك ثلاثة دول فقط هم يقفون منتصبون يحالون الوصول إلى القمة لكن للأسف تحيط بهم الدول الغربية من جانب لتحول دون وصولهم، وهم مصر التي أدخلوا دول الجوار لها في حروب داخلية ليبيا والسودان، وتركيا التي لا يكفون عن زرع الفتن فيها، وإيران التي زرعوا فيها نظام ملالي طائفي وفرضوا عليها عقوبات عديدة.
ومن هنا وجب علينا أن نبحث عن سلم الوصول إلى قمة النصر والتمكين في الأرض هذا السلم الذي صعدت من خلاله أمتنا وحافظت على صعودها قرابة الألف عام.
إننا نحتاج اليوم إلى إعادة قراءة تاريخنا، وإلى استلهام العبر والدروس من قصص الأنبياء والمرسلين، ومن قصص الأمم السابقة. علينا أن نعود إلى جذورنا، وإلى مصادر قدرتنا، لنستعيد عزة أنفسنا وكرامتنا. 
دعونا في هذه الدراسة أن نسافر عبر الزمان والمكان، لنستكشف هذا السلم الذي وعد الله به عباده الصالحين، وسنرى كيف أن هذا السلم هو مفتاح النصر والتمكين، وكيف أنه السبيل الوحيد لتحقيق الوحدة والتضامن بين المسلمين، وكيف أنه الضامن لبناء مجتمع قوي وعادل مزدهر
بعد أن استعرض سبحانه حال السعداء والأشقياء، وصعود وهبوط الأمم في سورة هود، بين سبحانه وتعالى سلم الوصول إلى النصر والتمكين للأمم في الآتي:
ـ الدرجة الأولى:
{فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} "
 لزوم الاستقامة والتي وسط بين طرفين إفراط وتفريط وكلا الطرفين يؤدي إلى الهاوية، والطغيان في الانحياز لأحد الطرفين  هلاك وسقوط مريع.
- الدرجة الثانية:
" {وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} "
 المجتمع بأفراده كالجسد بإعضاءه، كل فرد فيه يؤثر ويتأثر بمن حوله، فقد جعل سبحانة هذه الخطوة في وقاية الأفراد من التأثر بالأعضاء الفاسدة، حيث نهى عن ما من شأنه أن يحرف الإنسان عن لزوم الاستقامة، وهو الركون إلى الظالمين؛ لأن السلوك معدي بلا شك.
- الدرجة الثالثة:
{وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ} "
 لأن الإنسان إلف العادة، فقد جاءت هذه الخطوة في ترسيخ العادات الحسنة، ومحو العادات السيئة من ذاكرة الفرد والمجتمع، من خلال الإكثار ومتابعة العمل الصالح؛ لأنه يمحو العادات السيئة ويزيل أثرها، والإنسان يحتاج إلى ذلك حتى لا تشده السيئات إلى ما كان منه، وحتى يصير الخير مألوف بين الناس، والشر مستقبح بينهم.
ـ الدرجة الرابعة:
{وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} "
 لا شك أن الإنسان مبتلى بالشيطان والنفس الأمارة، هذا على المستوى الفردي، وكذلك على المستوى الاجتماعي فإن هناك جماعات المترفين والمستفيدين من وجود الفساد في المجتمع، وذلك كله يحتاج إلى مقاومة وهي تحتاج إلى صبر، كما أن التغيير لا يأتي ضربة لازب، إنما السنة الكونية تقتضي التدرج، حتى يصل المجتمع إلى الكتلة الحرجة التي يصبح معها مؤهلا للنصر والتمكين، وذلك يقتضي أيضا الصبر.
-  الدرجة الخامسة: 
{"فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ"}
لا شك أن الخير محفوف بالمكاره والشر محفوف بالشهوات؛ لذلك ستظهر انتكاسات للكثير من الأفراد، بالإضافة إلى وجود عناصر وجماعات الشر، وهذا يقتضي انتصاب جماعة تجيد فنون الإصلاح بالأمر بالمعروف بمعروف والنهي عن المنكر بغير منكر.
- الدرجة الأخيرة في السلم بعد الوصول: 
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ (117) وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ}
"الاستمرار على القمة أصعب من الوصول إليها؛ لأن تحدي الوصول يستدعي استنهاض الهمم وقوة الإرادة، وفي حالة الوصول تخور الهمم وتثبط العزائم؛ وهنا ينبه الله سبحانه وتعالى إلى ما يضمن الاستمرار في التمكين وتحقيق الانتصارات، في وجود جماعة المصلحين داخل المجتمع، وظيفتهم تنبيه الرأي العام وتوجيه بصلته.

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف

  • 1
  • 0
  • 31

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً