وكأن العالم أصبح فارغا بعدها

منذ 2024-08-17

رحمة الله عليك يا أمي ما دام الليل والنهار، رحمة الله عليك ما أشرَقت أنوارُ الرحمن، رحمة الله ما سبَّح ملَكٌ وعاد تائبٌ

في وقت الدعة نردِّد المعاني الكبيرة التي يَرِقُّ لها قلبُنا، وتَفيض معها مشاعرُنا، ولكن عندما تقع الواقعةُ نعيش قسوةَ المعاني وحقيقتها بصدقٍ، وليس كما كانت تردِّد ألسنتنا وتتصوَّر عقولُنا؛ نعظِّم معاني الفِراق، ونبكي مع كل عابرٍ في حياتنا، وتَخشَع جوارحُنا هيبةً لفقْد الأنفس، ومواساةً لذَويها.

 

نشتمُّ رائحة العذاب مع الوَحدة والغربة، ونقاسي زَيغ البصر مع الحرب والدمار، لكن عندما تذهَب الأمُّ تتمثل هذه المعاني شخوصًا قاسيةً تَنهَشُ معاني الإنسان فينا.

 

يعيش الجسدُ أو يتعايش، لكن الروح تُقتل على مَهَلٍ، يَفرُغُ العالم بعدها حيث لا أحدَ، جميعهم أبدان تؤدي واجبات، وتظل أنت صامدًا تتجمَّل بالصبر والرضا، حتى تتوارى طاقتُك، وينتصر الحزن على نفسك، فينال من مُهجتك، فيغدو الألم فتيًّا قويًّا، تَغْذُوه الأيام وتُرْبِيه، فلا يكون منك إلا خَورُ قوتك لا مَحالة!

 

يدفَعك حبُّ الحياة الفطري للاستغاثة بمن حولك، فتجد واحدَهم يدور في دائرته، وأفضلهم حالًا من نَمَّق جملةً يُلقيها على سمعك غير منتظرٍ ردًّا منك؛ حتى لا يتكلَّف جملة أخرى!

 

أفتِّش في قوائم المحبين لأُلقي بضَعفي على أعتابهم، فألوذ بإخوتي لأجد مُصابهم مصابي، أركُض لأولادي فأجدهم أصغرَ مِن أن يَحملوا عني، أذهَب إلى زميلاتي، فليس عندهم غير تلك الجملة المتكلفة مع تذكير: "سوف نتحمَّل عنك اليوم عملك، فاستعدي للغد!".

 

يزيد وَهني، تشتد حاجتي، أذهَب إلى طلابي، يرد لسان حالهم: وهل كانت لك أمٌّ حتى الآن!

 

أصرُخ: أحتاج إلى أن أرتمي في صدرك يا أمي، فلا أسمع صدًى لصُراخي! وكأن العالم أصبح فارغًا بعدها حتى من الهواء، وإن شئت فقل: أنا لا أريد غيرها هي!

 

أتذكَّر أن لي قلمًا، فأستنجد به، فيقول: جفَّ مدادي وذهب نوري، فقد كنت أسيل لأُرضيها، وأُشرق على الورق ليضيء قلبُها، وأتقلَّب في رياض المعاني لأَقطِفَ ما يبتسِم له ثغرُها، أما الآن فلِمَن أكتُب؟ فينكُص عن مؤازرتي، تضيق عليَّ الأرض بما رحُبت، تأتيني أطيافُها، فأسألها:

لمن أذهب بعدك؟ لأجل مَن أَغرِس وأَرْقُمُ؟ خُذيني معك! فما زلتُ تلك الصغيرة الخائفة التي يَرجُفُ قلبُها إن خرَجتِ من البيت تترقَّب عودتك! ما زلتُ الحائرة ببصرها إن نظرتُ حولي ولم أجِدْك، ما زلتُ المترقبة لابتسامتك المضيئة؛ لأنتهب الخطى في دربي.

 

فوالله يا أمي ما لفَح قلبي بهجةُ كسبٍ إلا لأن سعادتك في ذلك، وما سعيتُ لفضلٍ إلا بِمِشْعل من عطائك، وما وُفِّقتُ لعلم إلا دعوتُ الله أن يجعل أجرَه في ميزانك، وما زلتُ أتذكَّر يومًا وُفِّقت فيه لأداء طيب مميز في تدريب بعض الطلاب، فخرَجت محمولةً على أجنحة السعادة، فقذَف الله في رُوعي أنك أنت وراء ذلك التوفيق من رب العباد، فانتحيتُ جانبًا أُخفي دموعي شوقًا إليك وأقول: اللهم اجعَل كل حرف علَّمتُه أو تعلَّمتُه في ميزان أعمال أمي، وصار هذا دأبي في كل إحسان يوفِّقني الله إليه.

 

أرضى بقضاء الله فيك، وأحمَده ربي الودودَ أن قبَضك إليه صائمةً بعد أن ختمتِ كتابه العزيز، لكن أنَّى للرُّوح أن تَنعَمَ في بُعدك!

 

تحوَّل ميزانُ دنياي بعدك يا أمي إلى خُذ وهات، واحدة بواحدة، سواء بسواء، فلا وصل ولا وِداد، وكنتُ معك أجهلَ الحساب!

 

جزَعي عليك يُمسِك لساني، ويُثير دمعي، يَهرَمُ حزنُ الناس على ذويهم، ويَشِبُّ حزني عليك، فيَحجُب النسيمَ عن صدري، والنور عن عيني، والطلاقة عن وجهي، والفرحَ عن قلبي، تُطفئ الدموع الأحزانَ، ودمعي عليك يُشعلها.

 

سرى حبُّك رَقراقًا عذبًا في كل أواصري، فانْبَرى الحزنُ يَقُصُّه ويَنزِعُ معنى الحياة من كل آصرةٍ، ففي قلبي صخَبُ المآتم والجنائز، أصرُخ كطفل عِيٍّ لا يُجيد من اللغة سوى عبارة الصغار: (عايزة أمي، لمن تركتِني؟)، وفي مظهري صمتُ القبور وهيبتها!

 

رحمة الله عليك ما دام الليل والنهار، رحمة الله عليك ما أشرَقت أنوارُ الرحمن، رحمة الله ما سبَّح ملَكٌ وعاد تائبٌ، رحمة الله عليك سابغةً مُحيطة واسعة، جمَعك الله بمن أحببتِ في رياض الجنان، وأبدَلك دارًا خيرًا من دارك، وأهلًا خيرًا من أهلك، وآنَس وَحْشَتَك، وجعلك مع الشهداء والصِّديقين برحمته وعفوه سبحانه الرحمن الرحيم.

 

ورحِم الله قلبي الذاهل إلا عن طَيفك، وبدني الواهن إلا عن حبِّك، وجعلني وإخوتي من عملك الجاري الصالح برحمته.

____________________________________________
الكاتب: أ. منى مصطفى

  • 2
  • 0
  • 134
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    فتح القدس تحررت القدس في عهد الفاروق عمر بن الخطاب وفي عهد القائد المسلم صلاح الدين ومن المفارقات أن الفاتح الأول للقدس قتل على يد مجوسي يحتفي به الرافضة إلى اليوم ويمجدونه ويحيون ذكراه والفاتح الثاني لم يفتح القدس إلا بعد أن أعمل سيفه في ضرب رقاب الرافضة الفاطميين قادة وأتباعا، ووحد صفوف المسلمين، وبينما يريد خونة أهل السنة اليوم أن يحرروا القدس بالتوحد مع الرافضة وموالاتهم. وفي المقابل، فإن من يريد تحرير بيت المقدس فليبحث عن سيف القدس في ميراث النبوة وميراث الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - فمن أخذ هذا السيف بحقه فحري أن يفتح الله على يديه، أما من يبحث عن سيف القدس في ميراث الخميني و محوره الرافضي فلن يظفر بغير خنجر أبي لؤلؤة المجوسي. [ صحيفة النبأ العدد: 386 ]

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً