إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين

منذ 18 ساعة

ثم وجه النبي أصحابه فقال « إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»



الأقرع بن حابس.. رجل من الأعراب،  هو أحد رجالات بني تميم، قدم في قومه في العام التاسع من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأسلم..

ثم إن لهذا الأعرابي ( الأقرع بن حابس) مواقف كثيرة ومواقف عجيبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم..  لكن يبقى موقفه حين قام فبال في المسجد النبوي بحضرة رسول الله هو أعجب المواقف.. 
دخل الأقرع بن حابس المسجد يوماً فإذا رسول الله بين أصحابه يكلمهم ويعلمهم فجلس الأعرابي فسمع الحديث..  

فبينما هو كذلك إذ وجد حقناً من بوله فقال على سجيته وبداوته فذهب هناك في زاوية من زوايا المسجد ووقف يبول.. 

 فعجب الصحابة لفعله ولعل بعضهم قام ينهره فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فلا تقطعوا عليه بولته فَتَرَكُوهُ حتَّى بالَ وانتهى، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ دَعاهُ فقالَ له: ألست بمسلم؟! 

قال:  أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله،  قال فما حملك على أن بُلتَ بمسجدنا قال والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما حسبته مسجداً ما ظننتُه إلا أنه صعيد من الصعدات فبُِلْتُ فيه" 

فقال النبي عليه الصلاة والسلام إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ، ثم أمَرَ النبي رَجُلًا مِنَ القَوْمِ فَجاءَ بدَلْوٍ مِن ماءٍ فَشَنَّهُ عليه.. 

ثم وجه النبي أصحابه فقال « إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» 

تأثراً بحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتيسيره وإحسانه رفع الأقرع بن حابس يديه فقال اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم بعدنا أحداً،  فضحك الناس وضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال ضيقت واسعاً يا أخا العرب.. 

أيها الإخوة الكرام : لما كان القرآن الكريم هو آخر كتاب سماوي ينزل إلى أهل الأرض،  ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم هو آخر المرسلين وخاتم النبيين، ولما كانت الرسالة المحمدية هى التي ختمت وصدَّقت وهيمنت على جميع ما سبقها من كتبِ ودعواتِ ورسالاتِ السّماء كانت طبيعة هذه الرسالة أنها وسطية،  وأنها مرنة وأنها متجددة وأنها صالحة لأن تتناسب مع الناس من يوم أن نزلت وإلى أن تقوم الساعة.. 

قال الله تعالى « {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ }  ۚ» 

من هنا كانت ولم تزل رسالة الإسلام مّبشرةً لا منفرة، ومُيسرةً لا معسرة،  ليس فيها إفراطٌ وليس فيه تفريطٌ  « وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا » 

حتى الأمم التي سبقتنا،  والمنصفون من أهل الكتاب من قبلنا، ما تنفسوا الصُّعداء،  وما خفف الله عنهم،  وما وجدوا ضالتهم إلا في الرسالة الخاتمة رسالةِ النبي محمد صلى الله عليه وسلّم  

{﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ ﴾}

تحدثت هذه الآية من سورة الأعراف إلى الذين أوتوا الكتاب من بني إسرائيل حدثتهم عن صفات نبي آخر الزمان.. 
وأنه من العرب 
وأنه موصوف في التوارة التي أنزلت على سيدنا موسى عليه السلام 
وأنه موصوف في الإنجيل الذي أنزل على سيدنا عيسى السلام 
وأن مهمة هذا النبي العربي الخاتم أن يأمر بالمعروف وأن ينه عن المنكر،  وان يحلَّ لهم الطيبات التي حُرمت عليهم من قبل  ،  وأن يُحرم الخبائث، وأن يُخفف، وأن يُيسر،  وأن يَرفع الحرج،  وأن يَفك الأغلال التي ضيق الله بها على أهل الكتاب جزاء خبثهم وسوء نواياهم وفحش أفعالهم.. 

{{ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ ﴾ } أما الإصر وأما الأغلال التي ضيق الله بها وشدد على بني إسرائيل فهى (الأحكام الشرعية) التي عاقب الله بها بني إسرائيل..

  ومن هذه العقوبات: 
١/ (تحريم الطيبات) قال الله تعالى {﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾}
 وقال {﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ ﴾}

ومن العقوبات التي شدد الله بها عليهم: 
٢/أن الله تعالى جعل كفارة الخروج من الذنب أن يقتل بعضهم بعضاً   {﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوٓا۟ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ ﴾ }

ومن العقوبات التي شدد الله بها عليهم: 
٣/أن الله حرم عليهم العمل يوم السبت، 
ومن العقوبات التي شدد الله بها عليهم: 
٤/أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا  أذنب الذنب، أصبح وقد كُتب على باب بيته: إن كفارة ذلك الذنب أن تنْزِع عينيك، فيْنزِعهُما.
عاش بنو إسرائيل في هذا الإصر وبين هذه الأغلال حتى شاءت حكمة الله تعالى أن يخفف عنهم.. 

فكان التخفيف الأول على يد سيدنا عيسى عليه السلام قال الله تعالى في شأنه { ﴿ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ ﴾}

أما التخفيف الأكبر والأوسع عن الأمم من قبلنا: فكان على يد النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم «« ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ» »

الشاهد مما سمعتم: 
بيان أن بعثة جميع الأنبياء رحمة، وأن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم إنما هى أشد وأوسع رحمة .. 

ثم بيان أن الرسالة الخاتمة رسالة متوازنة ليس فيها إفراط وليس فيها تفريط ثم إنها بعد ذلك رفعت الحرج وخففت ويسرت على الناس أجمعين فلم تدع لأحد كائناً من كان أن يدعي تشديداً او تعسيراً قال الله تعالى { ﴿ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُوا۟ مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ ﴿ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا ﴾}

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرحمنا بواسع رحمته. 

الخطبة الثانية 
بقى لنا في ختام الحديث عن رسالة رفع الحرج والتيسير والتخفيف التي اختص الله بها النبي محمداً عليه الصلاة والسلام.. بقى لنا أن نقول:

إن من أعظم وأكرم آيات القرآن الكريم خواتيم سورة البقرة  .. 

{ (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦ ۖ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ ۚ أَنتَ مَوْلَىٰنَا فَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾}

أسرع الدعوات الصالحات إجابة الدعاء ب(خواتيم سورة البقرة) ما دعوت بشيء منها إلا استجاب الله لك وقال الله تعالى قد فعلت.. 

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: ( «بينما جبريل -عليه السلام- قاعد عند النبي ﷺ سمع نَقِيضَا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فُتِحَ اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم. فنزل منه مَلَكٌ، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم. فسلم وقال يا رسول الله : أبشر بنُورين أُوتِيْتَهُما لم يُؤتهما نَبِيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخَوَاتِيمُ سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أُعْطِيتَهُ» ).

من أخص الدعوات في هذه الآية من خواتيم سورة البقرة..  الدعاء بالتيسير والتخفيف ورفع الحرج {{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦ ۖ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ ۚ}}  

ألا فاحفظوا هذه الآيات،  ألا فرددوها في بيوتكم،  بعد صواتكم،  وعلى فرشكم،  وادعوا الله تعالى بها فهي من الدعوات المستجابات كما بشرنا بها النبي عليه الصلاة والسلام..

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 1
  • 0
  • 121
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    معركة الجماعة والفصائل (2) انطلقت تجربة الجهاد في العراق، مشابهة في كثير من الأوجه لتجربة الجهاد في خراسان (أفغانستان)، فدخول العدو الأجنبي كان المحرّض الرئيسي للتحرّك المضاد الفوري من قبل فئات مختلفة من أهل البلاد للتصدّي لهذا الغازي الغريب، وهذا التحرّك أخذ كما في الحالة الأفغانيّة شكل تحرّك غير منظّم أو مؤطّر بأحزاب أو فصائل كبيرة، وإنّما على شكل مجاميع صغيرة مبعثرة، كلٌ منها بدأ القتال بما وقع بيده من سلاح هو في الغالب من بقايا جيش الطاغوت (صدّام حسين)، وكانت هذه المجاميع مشتّتة من حيث العقائد والأفكار والرؤى المستقبليّة، لا يجمعها جامع إلا التوحّد على هدف واحد هو قتال العدو الأمريكي، وإن اختلفت نظرتهم لهذا العدو، بناءً على منطلقات كل مجموعة من المقاتلين، إسلاميّة تقاتل كافراً صليبيّاً، أو وطنيّة تقاتل مستعمراً يحتل وطنها، أو بعثيّة تقاتل لاسترجاع حُكمٍ سُلِب من طاغوتها، أو عروبيّة تحملها القيم على قتال المحتل، أو حتّى نفعيّة رأت في بعض القتال للعدو فرصة للبروز وتحصيل المكاسب الماليّة والسياسيّة، إلى غير ذلك من المآرب والغايات. وقد وصف الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -رحمه الله- هذه المرحلة من العمل وحال المقاتلين للصليبيّين في الساحة العراقيّة بقوله: "أكثرهم قليلو الخبرة والتجربة، وخاصّة في العمل الجماعي المنظّم، ولا شكّ أن ذلك بسبب نتاج نظام قمعي، عسكَرَ البلد، ونشر الرعب، وبثّ الخوف والوجل، ونزع الثقة بين النّاس، ولذلك فأكثر المجاميع تعمل منفردة، من غير أفق سياسي، أو بعد نظر وإعداد لوراثة الأرض، نعم الفكرة بدأت تنضج، وعلا الهمس الخفيف ليصبح حديثاً صاخباً عن وجوب التجمّع وتوحيد الراية، لكن الأمور لا زالت في بواكيرها، ونحن بحمد الله نحاول إنضاجها سريعاً" (رسالة من الشيخ أبي مصعب الزرقاوي إلى الشيخ أسامة بن لادن رحمهما الله - 1424 هـ). التجميع والتحزّب كما في كلّ التجمّعات البشريّة، فإن التجمّعات المقاتلة في العراق التي كانت أكثر قابلية للبقاء، هي الأقوى فكراً وعقيدةً، والأفضل تنظيماً، والأكثر إمداداً بالموارد، والأقدر على اغتنام الفرص وتجنب الكوارث، ولكن في جانب الجهاد في سبيل الله تبقى القاعدة الأساسيّة في البقاء والانتصار هي قوله تعالى (والعاقبة للمتّقين). وعلى أساس القواعد البشريّة السابق ذكرها، بدأت عملية الاصطفاء للفصائل والأحزاب، حيث بدأت المجاميع الصغيرة تذوب في تجمّعات أكبر على أسس عشائريّة (في المناطق الريفيّة خاصّة)، أو مناطقيّة كالأحياء والمجمّعات السكنيّة (في المناطق الحضريّة عموماً)، أو على أسس دينيّة (الاجتماع حول أحد المشاهير من الدعاة والخطباء وأئمة المساجد بل وحتى أصحاب الطرق والزوايا الصوفيّة)،أو على أسس حزبيّة، ولو كان هذا الجانب ضيّقاً بحكم ضعف الوجود الحزبي في فترة حكم (صدّام)، كما نشأت في الوقت نفسه تجمّعات على أساس جهادي حقيقي قادها في الغالب شباب لهم تجارب جهاديّة سابقة سواء في العراق (ضد الطاغوت صدّام حسين، أو ضد طواغيت الأحزاب الكرديّة)، أو خارجه (في الشام وخراسان على وجه الخصوص). وشيئاً فشيئاً بات التوجّه السائد على الفصائل والجماعات هو الارتباط بأسماء أو شعارات توحي بأنّها فصائل "إسلاميّة" رغم أن معظمها أطلق على قتاله للأمريكيين لقب "مقاومة عراقية" بدلاً من تسميته "جهاداً في سبيل الله"، وباتت هذه الفصائل تمثّل صورة مصغّرة عن الأحزاب الشائعة الانتشار في كل مناطق المسلمين الأخرى، فالإخوان بشقّيهم (الدولي والعراقي) وجدوا لأنفسهم تيّاراً من الفصائل يقاتل الأمريكيين تحت رايتهم، وينطقون باسمه، طالبين بذلك التمثيل السياسي لأهل السنّة في لعبة الديموقراطيّة الأمريكيّة وتقاسم الحكم مع الرافضة وعلمانيّي الأحزاب الكرديّة، والسروريّة (بوصفهم نسخة معدّلة من الإخوان) تمكّنوا بعد تحصيلهم للدعم من بعض الشخصيّات والجمعيات في جزيرة العرب من حشد كمٍّ كبير من المجاميع تحت جناحهم، يقاتلون باسمهم لقاء الدعم والتمويل، وإن كان تيّارهم مقسّماً بارتباط كل قسم بأحد الشخصيّات التي تحصّلت على الشهرة قبل الاحتلال أو بعده، كما استطاع الصوفيّون من تجميع أنفسهم نوعاً ما وارتبطوا بزعماء طرقهم أو بقيادات من حزب البعث. وقد تمكن المجاهدون القدماء أيضاً من تجميع صفوفهم نوعاً ما، مرتبطين بالمجاهدين في ساحات أخرى وعلى رأسها آنذاك خراسان وجزيرة العرب، حاشدين إليهم المهاجرين على وجه الخصوص، بالإضافة إلى كمٍّ من الأنصار الذين دُعوا إلى الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا. لقد كانت هذه الأحزاب والتجمّعات نتاج أسباب عديدة منها الاختلاف العقائدي والفكري، والنزعات الوطنيّة والعشائريّة، وحب الإمارة وتقديس الزعماء، والتدخّلات الخارجيّة التي تشرف عليها -ولا شك- أجهزة مخابرات الطواغيت في دول الجوار، بالإضافة لاختلاف الغايات والرؤى حول مستقبل الجهاد في العراق وما يراد منه. صحيفة النبأ – العدد 3 السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً