والعاقبة للمتقين

منذ 2024-09-04

وَعَدَ بِالنَّصرِ مَن يَنصُرُهُ، وَكَتَبَ التَّمكِينَ لِمَن يَعبُدُهُ وَلا يُشرِكُ بِهِ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ وَالهِدَايَةَ لِلمُجَاهِدِينَ، وَقَضَى بِالمَعِيَّةِ لِلمُحسِنِينَ وَالثَّبَاتَ لِلذَّاكِرِينَ

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

في زَمَنٍ ادلَهَمَّتِ الخُطُوبُ فِيهِ وَاحتَدَمَتِ المِحَنُ، وَتَوَالَت عَلَى قُلُوبِ المُسلِمِينَ الشَّوَاغِلُ وَالفِتَنُ، وَتَدَاعَى الأَعدَاءُ عَلَيهِم تَدَاعِيَ الأَكَلَةِ عَلَى قَصعَتِهَا، في حِينِ قَلَّ النَّاصِرُ وَضَعُفَ المُعِينُ، وَوَهَنَتِ الأَسبَابُ الأَرضِيَّةُ وَتُخُلِّيَ عَن إِعدَادِ القُوَّةِ المَادِّيَّةِ، فَإِنَّهُ لا يَحسُنُ بِالمُسلِمِينَ وَلا يَجمُلُ بهم أَبَدًا، أَن يَجمَعُوا إِلى ذَلِكَ ضَعفًا في عِلاقَتِهِم بِرَبِّهِمُ الَّذِي بِيَدِهِ الخَلقُ وَالأَمرُ، ذَلِكُم أَنَّهُ - تَعَالى - وَعَدَ بِالنَّصرِ مَن يَنصُرُهُ، وَكَتَبَ التَّمكِينَ لِمَن يَعبُدُهُ وَلا يُشرِكُ بِهِ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ وَالهِدَايَةَ لِلمُجَاهِدِينَ، وَقَضَى بِالمَعِيَّةِ لِلمُحسِنِينَ وَالثَّبَاتَ لِلذَّاكِرِينَ، قَالَ سُبحَانَهُ:  {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40، 41] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -:  {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55] وَقَالَ - تَعَالى-:  {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]  وَقَالَ سُبحَانَهُ:   {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45، 46].

 

أَيُّهَا المُؤمِنُونَ:

إِنَّ التَّفَرُّغَ لِلعِبَادَةِ وَلُزُومَ الطَّاعَةِ، وَالاستِقَامَةَ في طَرِيقِ الهُدَى وَالإِكثَارَ من ذِكرِ اللهِ، هِيَ زَادُ المُبتَلَى الصَّابِرِ وَحِليَةُ المَنصُورِ الظَّافِرِ، بها يُستَجلَبُ الخَيرُ وَيُستَدفَعُ الضُّرُّ، وَبِسَبَبِهَا تَطمَئِنُّ القُلُوبُ وَتَنشَرِحُ الصُّدُورُ، وَمَنِ استَوعَبَ عُمُرَهُ في عِبَادَةِ رَبِّهِ وَاشتَغَلَ بِذِكرِهِ، رَزَقَهُ اللهُ الصَّبرَ وَجَمَّلَهُ بِالرِّضَا، وَأَعَانَهُ وَحَفِظَهُ وَيَسَّرَ أَمرَهُ، وَمَلأَ قَلبَهُ غِنىً وَوَسَّعَ رِزقَهُ، قَالَ سُبحَانَهُ لِنَبِيِّهِ:   {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 130 - 132] وَقَالَ سُبحَانَهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3] وَقَالَ - تَعَالى -:   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]

وَقَالَ - تَعَالى - في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: وَما تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها، وإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ استَعاذَني لأُعِيذَنَّهُ (رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

وَفي الحَدِيثِ الآخَرِ: إِنَّ اللهَ - تَعَالى - يَقُولُ: يَا بنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتي أَملأْ صَدرَكَ غِنىً وَأَسُدَّ فَقرَكَ، وَإِن لا تَفعَلْ مَلأتُ يَدَيكَ شُغلاً وَلم أَسُدَّ فَقرَكَ رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَفي وَصِيَّتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لابنِ عَبَّاسٍ: «اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ، قَد جَفَّ القَلَمُ بمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ، وَاعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا» (رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

إِنَّ التَّمَسُّكَ بِالحَقِّ وَاقتِفَاءَ السُّنَنِ وَالوُقُوفَ عِندَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَتَنوِيعَ القُرُبَاتِ وَالإِكثَارَ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَهُوَ حِليَةُ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ، وَزَادُ المُصلِحِينَ المُخلِصِينَ، وَإِنَّ أَمَامَ الأُمَّةِ غَايَاتٍ بَعِيدَةً، وَبَينَ أَيدِيهَا مَيَادِينُ طَوِيلَةٌ، لا يَفُوزُ فِيهَا وَلا يُهدَى إِلاَّ المُجَاهِدُونَ، وَإِنَّ ثَمَّةَ عَقَبَاتٍ صِعَابًا وَمُهِمَّاتٍ ثِقَالاً، وَأَزمِنَةَ فِتَنٍ وَمَلاحِمَ وَهَرجٍ وَمَرجٍ، لا يَتَجَاوَزُهَا وَيَحمِلُهَا إِلاَّ المُستَهلِكُونَ حَيَاتَهُم في عِبَادَةٍ وَطَاعَةٍ، وَقَد قَالَ - تَعَالى - لِنَبِيِّهِ:   {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 1 - 5] وَقَالَ لَهُ: {إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا عَلَيكَ القُرآنَ تَنزِيلاً * فَاصبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنهُم آثِمًا أَو كَفُورًا * وَاذكُرِ اسمَ رَبِّكَ بُكرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيلِ فَاسجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيلاً طَوِيلاً * إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُم يَومًا ثَقِيلاً} [الإنسان: 23 - 27] وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - مُمتَدِحًا العِبَادَةَ وَلا سِيَّمَا في مِثلِ هَذِهِ الأَزمِنَةِ: «العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِليَّ» (رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ).

فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَتُوبُوا إِلى رَبِّكُم وَعُودُوا إِلى رُشدِكُم، وَكُونُوا مَعَ اللهِ يَكُنْ مَعَكُم، طَهِّرُوا القُلُوبَ ممَّا اعتَرَاهَا، وَأَنقِذُوا النُّفُوسَ ممَّا اعتَلاهَا، حَقِّقُوا العُبُودِيَّةَ للهِ مَحَبَّةً لَهُ وَخَوفًا مِنهُ وَرَجَاءً، وَإِخلاصًا لَهُ وَتَوَكُّلاً عَلَيهِ، وَإِيَّاكُم وَالاستِهَانَةَ بِالمَعَاصِي كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثمِ وَبَاطِنَهُ، وَجَانِبُوا المُجَاهَرَةَ وَالزَمُوا الحَيَاءَ، تَنَاصَحُوا وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ، وَحَذَارِ مِن نِسيَانِ عَهدِ اللهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكُم دَيدَنُ مَن طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم مِنَ المُنَافِقِينَ، الَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم ثم هُوَ قَاطِعٌ يَطُولُ بِهِ عَلَى الأُمَّةِ الطَّرِيقُ، وَتُمنَعُ بِسَبَبِهِ النَّصرَ وَالتَّمكِينَ وَالتَّوفِيقَ، فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تَشتَرُوا بِعَهدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيرٌ لَكُم إِنْ كُنتُم تَعلَمُونَ.

مَا عِندَكُم يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ. مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ.

 

إِنَّ أُمَّةً تَترُكُ الجِهَادَ وَيَقِلُّ فِيهَا العُبَّادُ، وَيُفقَدُ مِنهَا المُتَمَسِّكُونَ وَيَكثُرُ فِيهَا المُخَالِفُونَ، وَيَكُونُ هَمُّهَا الدُّنيَا لا تَغضَبُ إِلاَّ لِفَقدِهَا وَلا تَفرَحُ إِلاَّ بِتَحصِيلِهَا، إِنَّهَا لأُمَّةٌ حَرِيَّةٌ بِأَن تَبقَى في المُؤَخَّرَةِ ذَلِيلَةً فَقِيرَةً، إِنْ لم تَهلِكْ وَتَزُلْ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثتُ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيفِ حَتى يُعبَدَ اللهُ - تَعَالى - وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزقِي تَحتَ ظِلِّ رُمحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَن خَالَفَ أَمرِي» (رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ). وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: «أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم، فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ).

- عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: «مَن كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ في قَلبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَملَهُ وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَن كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ وَفَرَّقَ عَلَيهِ شَملَهُ وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ» (رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

 

فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَأَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، وَلا يَغُرَّنَّكُم تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ، أَو مَا يَنَالُهُ البَاطِلُ وَأَهلُهُ مِن تَمَكُّنٍ أَو عُلُوٍّ، فَتَنجَرِفُوا لِطَلَبِ حُظُوظِكُم مِنَ الدُّنيَا وَتَنسَوُا الآخِرَةَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5].

  • 2
  • 0
  • 172
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    في زمن المجزرة تشتعل النفوس وتلتهب المشاعر مع كل مجزرة يهودية في فلسطين، دون ترجمة هذه المشاعر إلى أفعال أو مواقف على الأرض، بل تبقى حبيسة الصدور أو السطور، بينما تتوالى المجازر والمواجع، وتتوالى معها الصيحات والمدامع ثم تخبو تلك المشاعر تدريجيا، وهكذا حلقة مفرغة من التيه والعجز والقعود في زمن المهاجع والمضاجع. هذا توصيف الواقع بعيدا عن الإفراط والتفريط، لكن السؤال الذي ينبغي أن يُطرح: ما هو الحل لدفع هذه المجازر؟ وما الدروس المستفادة منها؟ في زمن المجزرة سقطت كل دعاوى "السلام" وابنته "السلمية"! فالأولى كانت وسيلة العلمانيين، والثانية كانت بدعة "الإسلاميين"، وكما فشل خيار "السلام"، فشلت "السلمية" بكل صورها في دفع أي خطر عن الأمة أو حقن قطرة دم واحدة من دماء المسلمين خلافا للوهم الذي كان يسيطر على أربابها وأتباعها بوصفها حكمة وحنكة ومنقذة، وأينما حلّت السلمية حلّت المذبحة! بل كانت أشد فشلا من خيار "السلام"! ولذلك وجب على الناس هجر "السلمية" وخياراتها، فهي من المجازر الفكرية التي طرأت ولم تعرفها العصور السابقة. ومن مخلفات السلمية غير الصراخ والعويل؛ التعويل على الحلول "الدبلوماسية" الدولية، وما تغني "الدبلوماسية" في زمن المجزرة؟! وهل "الدبلوماسية" اليوم إلا الوجه الآخر للجيوش والحروب العسكرية؟! وهل تقصف الطائرات وتَحرق الدبابات إلا بإيعاز وتخطيط السياسيين "الدبلوماسيين" الذين يشكلون رأس الحربة في الحروب؟! في زمن المجزرة على المسلم أنْ يعي بأنّ هذا الكون يسير وفق سنن ونواميس إلهية لا تحابي أحدا، وأنّ السبيل الذي وضعه الله للتغيير ودفع الظلم عن المسلمين، لا يوجد له بديل في كل قواميس السياسة و "الوطنية" و "الثورات" المعاصرة، فالجهاد الذي شرعه الله تعالى لنصرة المسلمين والتمكين لهم؛ لا ينوب عنه نائب بحال، لا "سلمية" ولا "مقاومة" ولا "وطنية"، بل الجهاد الشرعي الأصيل الذي مارسه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وصحابته خلال دورة التاريخ الإسلامي، جهاد ليس لديه سوى الشريعة ضابطا وموجِّها ودافعا، جهاد لا يستجدي "مجلس الأمن" ولا مواثيقه الكفرية، هذا الجهاد المفقود في فلسطين وغيرها هو الحل الوحيد في زمن المجزرة. في زمن المجزرة على المسلم أنْ يوقن أنه لا يحدث شيء في أرض الله إلا بعلمه ومشيئته سبحانه، فما يصيب المسلم من محن وجراح مقدّر عليه تماما كما يناله من منح وأفراح، وأنّ المؤمن كما يسعد بالقدر خيره ويشكره، عليه أنْ يرضى بالقدر شره ويصبر عليه وتطيب نفسه به، وقد كشفت الحروب والكروب أنّ لدى الناس مشكلة عميقة في باب الإيمان بالقضاء والقدر، وأنّ المؤمنين بذلك -على وجه اليقين والتسليم- قلة مقارنة بمن يوغلون في الاعتراض على الخالق سبحانه!، قولا وفعلا، بالجنان واللسان والأركان وهذا بحد ذاته مجزرة تفوق المجزرة! إذْ الواجب على المسلم أن يستقبل أقدار المولى سبحانه بالصبر والتسليم والرضى، فنحن خلق الله نتقلب في أرضه وملكه، فالأرض أرضه والملك ملكه، والخلق خلقه، ونحن عبيده، وهذه هي العلاقة بين البشر والخالق، عبودية محضة، من رضي فله الرضى ومن سخط فعليه سخطه. في زمن المجزرة على العبد أنْ يتعظ بكثرة الموت ومشاهده، فيبادر في إحسان ما أساء، وإصلاح ما أفسد، وترميم ما تداعى مِن بناء التوحيد في قلبه وواقعه، فإنَّ آفة الأمة اليوم في عقيدتها، ومن قال غير ذلك فقد غشَّ الأمة وضيّع الأمانة وكتم النصيحة. في زمن المجزرة ليحذر المرء خطورة متابعة دعاة السوء الذين يحركون الناس بعيدا عن منهاج النبوة؛ يبكونهم تارة ويضحكونهم تارة ويخدرونهم تارات، وفقا لمصالح الطاغوت وسياسات الدول، وليدرك المسلم عمّن يأخذ دينه وكيف يحسم موقفه اتجاه قضايا المسلمين، فإنْ لم يكن الداعي إلى نصرة المستضعفين وقضاياهم هو العقيدة والرابطة الإيمانية؛ فإن هذه النصرة سرعان ما تخبو وتتلاشى بمرور الوقت، وهذا الذي يحدث ويتكرر مع كل قضايا المسلمين، ولذلك تختفي النصرة وتستمر المجزرة. في زمن المجزرة ينظر المسلم إلى مجازر فلسطين على أنها امتداد لمجازر الكافرين بحق المسلمين في كل مكان، امتداد لمجازر التاريخ القريب والبعيد، امتداد لمجازر العراق والشام واليمن وخراسان، وقبلها مجازر الشيشان والبوسنة والهرسك وغيرها التي ارتكبها أعداء الإسلام نصارى ووثنيين وشيوعيين ومجوس، وإن التفريق بين دماء وقضايا المسلمين تبعا للفوارق والحدود الجاهلية، هو بحد ذاته جزء من المجزرة الفكرية التي ضربت عقيدة المسلمين وكانت أخطر عليهم من المجزرة نفسها، فيا لهوان موت المرء مقارنة بموت توحيده!.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً