خطورة انتشار الخمور والمسكرات

منذ 2024-09-06

إنها الخمر: مُذهِبة العقل الذي كرَّم الله تعالى به الإنسان وفضَّلَه على سائر المخلوقات؛ فهو مناط التكليف بالعبادة؛ ولذا فقد حرَّم الإسلام جميع أنواع المسكرات والمخدِّرات...

إنها الخمر: مُذهِبة العقل الذي كرَّم الله تعالى به الإنسان وفضَّلَه على سائر المخلوقات؛ فهو مناط التكليف بالعبادة؛ ولذا فقد حرَّم الإسلام جميع أنواع المسكرات والمخدِّرات، وكل ما من شأنه أن يؤثر في العقل، ويضرَّ به، أو يعطل طاقته؛ كالخمر والحشيش وغيرهما، قال النووي رحمه الله: (وأما الخمر فقد أجمع المسلمون على تحريم شرب الخمر، وأجمعوا على وجوب الحدِّ على شاربها، سواء شرب قليلًا أو كثيرًا).

 

• وقد حرَّمَها الله تعالى؛ لما فيها من الأضرار في الدين والدنيا والآخرة، ومن ذلك:

1- أن الله تعالى وصفها بأنها رجس من عمل الشيطان، وأنها من أعظم ما يصُدُّ عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، وأن اجتنابها من أسباب الفلاح، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90- 91].

 

2- وهي من الكبائر الموبِقات المهلِكات، وهي أُمُّ الخبائث؛ لأن مَن شربها يقع في أنواع كثيرة من الخبائث؛ كالسرقة، والقتل، والزنا؛ بل وربما وقع في زنا المحارم- أعاذنا الله- عن عثمان رضي الله عنه، قال: ((اجتنبوا الخمر؛ فإنها أُمُّ الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعَبَّد، فعلقته (أي: عشقته وأحبَّته) امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها، فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها، فطفقت كلما دخل بابًا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر (أي: إناء) فقالت: إني والله، ما دعوتك للشهادة؛ ولكن دعوتك لتقع عليَّ، أو تشرب من هذه الخمرة كأسًا، أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقيني من هذا الخمر كأسًا، فسقته كأسًا، قال: زيدوني، فلم يرم (أي: فلم يبرح ولم يترك ذلك) حتى وقع عليها، وقتل النفس. فاجتنبوا الخمر؛ فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه))؛ (رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي).

 

ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أن رجلًا شرب الخمر حتى سكر، فعاد إلى بيته وأراد أن يزني بأُمِّه، فامتنعت وحاولت الهروب منه، فهددها ووضع السكين على رقبتها وزنا بها بالقوة، وبعد أن أفاق وأُخبِر بما فعل، أحرق نفسه حتى الموت".

 

3- وهي مِفْتاح كل شرٍّ وبلاء؛ كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «ولا تشرب الخمر؛ فإنها مِفْتاح كل شرٍّ»؛ (رواه ابن ماجه).

 

4- وتعاطيها يخالف الفطر السليمة، وهي من أسباب الغواية والانحراف، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وأتيت بإناءين؛ في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، قيل: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربت، فقيل لي: هديت للفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر، غوت أُمَّتُك».

 

5- وهي تذهب العقل وتجعل متعاطيها في عداد المجانين:

روى القرطبي رحمه الله في تفسيره: "أن رجلًا شرب الخمر فسكر فبال، فجعل يأخذ بوله ويغسل به وجهه ويقول: اللهم اجعلني من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "لو كان العقل يُشْترى، لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده!" وقال الضحاك رحمه الله لرجل: ما تصنع بالخمر؟ قال: يهضم طعامي، قال: "أما إنه يهضم من دينك وعقلك أكثر".

 

6- ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الناس سيشربونها آخر الزمان، ويستحِلُّونها، ويسمونها بغير اسمها، ففي صحيح البخاري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أنه سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليشربن ناس من أُمَّتي الخمر يسمونها بغير اسمها»، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليستحلن طائفة من أُمَّتي الخمر باسم يسمونها إياه»؛ (رواه أحمد، وابن ماجه، وصحَّحه الألباني) فقد أطلقوا اليوم عليها أسماءً متعددة من باب التغطية؛ فسموها: المشروبات الروحية، والبيرة، والمقويات، والمسهرات، وغير ذلك من الأسماء، وفي الحقيقة هي المدمرات.

 

7- وشرب الخمور والمسكرات وانتشارها: علامة ظاهرة من علامات قرب الساعة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا».

 

• الوقفة الثانية: تحريم الاتِّجار بالخمور والمسكرات:

أيها المسلمون عباد الله، وكما أن الإسلام حرَّم على المسلم شرب الخمور وتعاطي المخدِّرات، فإنه حرَّم أيضًا مجرد الاقتراب منها بأي وسيلة، فلا يكفي أن يمتنع المسلم عن تعاطيها، بل عليه اجتنابها والبعد عن مجرد الجلوس في مجالسها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُشرَب عليها الخمر»؛ (رواه الطبراني).

 

والأشَدُّ من هذا كله الاتِّجار في الخمور وأكل ثمنها، فقد ورد النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم بيع الخمر، فعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن اللهَ حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه» وفي رواية: «ثمن الخمر حرام»، وثمنها: كل ما يؤخذ من مال على بيعها، وهو حرام؛ لأن الله حرَّم شرب الخمر، قال العلماء: إن ما حرَّم الله الانتفاع به يحرم بيعه، وأكل ثمنه.

 

وقد ورد النهي عن نشرها، أو الإعانة على نشرها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها، وشاربها وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها وآكل ثمنها، والمشتري لها والمشترى له))؛  (رواه الترمذي).

 

مع الوقفة الثالثة: عقوبة شارب الخمر والمسكرات:

أيها المسلمون عباد الله، لقد جاءت نصوص الوعيد الشديد لمن يشرب الخمر والمسكرات بجميع أنواعها، وإليكم طرفًا منها:

1- شارب الخمر والمسكرات: عاصٍ لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قال: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها مِفْتاح كل شَرٍّ».

 

2- شارب الخمر: ملعون مطرود من رحمة الله؛ بل ولخطورتها فقد ورد اللعن في كل من شارك في نشرها، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعَنَ اللهُ الخمرَ، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومُبْتاعها، وعاصرها، ومُعْتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه»؛ (رواه أبو داود، وصحَّحه الألباني)، فهؤلاء كلهم مشاركون في الإثم.

 

3- شارب الخمر: يسلب منه الإيمان حين شربها، في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبةً يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» يخرج من قلب متعاطيها الإيمان والعياذ بالله.

 

وعنه أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا زنى الرجل أو شرب الخمر، خرج منه الإيمان كان عليه كالظلة، فإذا انقطع، رجع إليه الإيمان»؛ (رواه أبو داود).

 

4- شارب الخمر: لا تقبل له صلاة أربعين يومًا، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يشرب الخمر رجل من أُمَّتي فيقبل الله منه صلاةً أربعين يومًا» وفي رواية: «من شرب الخمر وسكر: لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه»؛ (رواه النسائي، وصححه الألباني).

 

قال العلماء: "لكون هذا الذنب الغليظ إذا قابل طاعته في تلك المدة أحبطها، وليس معنى هذا أن يترك شارب الخمر الصلاة".

 

5- شارب الخمر ومدمنها: كعابد وثن؛ لشدة تعَلُّق قلبه بها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مدمن الخمر كعابد وثن»؛ (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

 

6- شارب الخمر ومدمنها: قد حرم الله تعالى عليه الجنة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع حق على الله ألَّا يدخلهم الجنة، ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه».

 

7- ومن شربها في الدنيا حرَّم من شربها في الآخرة، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة»، وفي رواية: «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها، حرمها في الآخرة»، ومن المعلوم أن الجنة فيها خمر لكنها ليست كخمر الدنيا: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: 15].

 

8- بل ويسقيه الله تعالى من صديد وعرق أهل النار، في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال»، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار»، أو: «عصارة أهل النار»، وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رَحِم، ومُصدِّق بالسحر، ومن مات مدمن الخمر، سقاه الله جل وعلا من نهر الغوطة»، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: «نهر يجري من فروج المومسات (الزانيات)، يؤذي أهل النار ريح فروجهم»؛ (رواه أحمد).

 

نسأل الله العظيم أن يحفظ شبابنا من الخمور وسائر المسكرات.

_________________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي

  • 1
  • 0
  • 439
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    شبهات وردود: دائماً ما يُشغِّبُ الوطنيّون بأنَّ حبَّ الوطن من الإيمان! ويتغنَّون بأنَّ الموتَ في سبيل الوطن شهادة! وغيرهما من الشبه التي يُلقونها في أسماع رعيّتهم. وللردّ على ذلك نقول: أما مقولة (حبُّ الوطن من الإيمان) فلا هي بحديث ولا أثر، فهي مقولة ساقطة تعارض الشرع، لأنَّ جعل حبِّ الوطن أحد معايير أو درجات الإيمان فيه افتئات على شرع الله تعالى. وأما مقولة (الموت دفاعاً عن الوطن شهادة) فهذه فِرية واضحة، فالشهيد هو مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا كما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم، أما مقولة: "من قُتل دون أرضه فهو شهيد" فهي زيادة على حديث (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنّسائي والتّرمذي بسندٍ صحيحٍ، ولم نعثر على هذه الزيادة في كتب الحديث! ولو سلّمنا جدلاً بأنَّ هذه المقولة صحيحة؛ فإنَّ الأرض التي يقاتل المسلم دفاعاً عنها هي دارُ الإسلام التي تُحكَم بشريعة الله، فيُدافعُ عنها المجاهدُ ويقاتلُ كلَّ مَنْ يصولُ عليها حفاظاً على أحكام الإسلام التي تعلوها لا حفاظاً على تربتها التي قد تصيرُ في يومٍ ما دارَ كفرٍ وردةٍ وحرابةٍ كما في الكثير من البلدان اليوم. مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 5 مقال: لله لا للوطن السنة السابعة - السبت 2 صفر 1437 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً