تأملات في الآفاق السياسية والاستراتيجية لحرب غزة وإسرائيل طوفان الأقصى

منذ 4 ساعات

إننا لا نهدف هنا لإجراء استقراء كامل لكل الدروس والمعالم التي  أبرزتها حرب طوفان الأقصى ولكن نريد أن ندفع لقدر من العصف الذهني حول بعض المعالم المهمه التي أثارتها.

 

حرب أكتوبر 2023 أو طوفان الأقصى بين غزة وإسرائيل أبرزت العديد من المعالم الفكرية ذات الطبيعة العسكرية و السياسية و الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها أن تفرض نفسها على الواقع الفكري في العالم بشكل عام ولدى العرب والمسلمين بشكل خاص، وخاصة أن هناك نقاشات سياسية واستراتيجية دارت ومازالت تدور في العالم العربي والإسلامي حول العديد من شئون الصراع مع الكيان الصهيوني وتضمنت هذه النقاشات العديد من المقولات التي بدت لكثيرين كمسلمات تحكم هذا الصراع، فتأتي دلالات "طوفان الأقصى" فتفرض نفسها على هذا النقاش فتدحض بعض هذه المقولات وتدعونا لمزيد من التأمل بشأن البعض الآخر من هذه المقولات.

 نمط الحرب اللا متماثلة

في البداية نؤكد أن حرب أكتوبر2023 مختلفة عن حرب اكتوبر 1973 لأنه يغلب عليها أنها من نمط الحرب اللا متماثلة Asymmetric Warfare رغم أنها بدأت كنوع من الحرب النظامية Regular Warfare ثم تحولت تاليا لحرب غير متماثله أشبه بحرب عصابات من قبل المقاومة الفلسطينية ضد الغزو والاعتداء الصهيوني.

إننا لا نهدف هنا لإجراء استقراء كامل لكل الدروس والمعالم التي  أبرزتها حرب طوفان الأقصى ولكن نريد أن ندفع لقدر من العصف الذهني حول بعض المعالم المهمه التي أثارتها.

هزيمة الدفاع والقوات الجوية الاسرائيلية

أول درس تقدمه لنا حرب طوفان الأقصى هو دلالة استخدام المقاومة للمسيرات البدائية في الهجوم على قوة عسكرية كبيرة متقدمة تكنولوجيا، لقد رأينا استخدام المسيرات على نطاق واسع في أوكرانيا و أذربيجان و ليبيا، ولكنها في هذه الصراعات كانت مسيرات متقدمة، إنما المسيرات التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية هي بدائية ومع ذلك نجحت في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية في 7 أكتوبر وأنجزت المهام المنوطة بها كما استخدمت المقاومة طائرات شراعية بدائية ومرت بنجاح من الدفاع الجوي الإسرائيلي، وهذا الدرس يأتي بجانب درس آخر وهو تمكن قوات المقاومة الفلسطينية من الصمود ومواصلة الاشتباك والمعارك وتكبيد العدو للخسائر رغم الهيمنة الجوية الكاملة الإسرائيلية سواء بالطائرات التقليدية أو المسيرات أو الهليكوبتر، فإن هذين الأمرين يدفعان لمراجعة المقولات التقليدية المعتادة التي كان يطرحها العسكريون العرب بشأن تأثير التفوق الجوي الإسرائيلي إبان الحروب العربية مع إسرائيل خاصة في حروب 1967 ثم الاستنزاف ثم 1973 وما بعدها.

هذه المقولات كانت تركز على أن التفوق الجوي الإسرائيلي يصعب مواجهته صعوبة تقترب من درجة المستحيل ولكن يأتي هذا الإنجاز الذي حققته المقاومه في الجو وعلى الأرض ومازالت تحققه بنجاح للشهر الحادي عشر -على التوالي- بهذه الأسلحة التي تصنف كلها ضمن الأسلحة الخفيفة والصغيرة حتى أنها لا تصل لمستوى الأسلحة المتوسطة وكلها بدائية جدا وتم تصنيعها يدويا بإمكانيات فقيرة جدا، ورغم هذا تمكنوا من تحقيق كل هذه الإنجازات، إذن فالتفوق الجوي والتكنولوجي الإسرائيلي بدعم أقوى القوى العسكرية في العالم لم يمنع من تحقق هذه الإنجازات، ومن ثم آن لنا أن نسأل كيف لم تتمكن الجيوش العربية -بما امتلكته من امكانات ضخمة- أن تصنع توليفة تكتيكية تمكنها من تحقيق إنجازات مماثلة لإنجازات المقاومة في تكبيد العدو خسائر ضخمة في المعارك البرية في الحروب السابقة؟؟

صمود المقاومة الفلسطينية

المراجعة الاستراتيجية التالية تتعلق بقدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود تحت القصف الجوي والهجوم البري الإسرائيلي حتى الآن، فلم تتمكن اسرائيل من تحطيم قدرة المقاومة الفلسطينية ولا تمكنت من نزع زمام المبادرة العسكرية من يد المقاومة الفلسطينية حتى الآن وهذا أمر اذا قارناه بأن الجيش الإسرائيلي تمكن من تحطيم 80% من جيش مصر الضخم في ستة أيام فقط في حرب 1967، وفي نفس الوقت دمرت اسرائيل جيوش الأردن وسوريا في نفس الأيام الستة، ووقتها كانت القوات الإسرائيلية تملك 212 طائرة فقط بينما ملكت مصر وقتها 340 طائرة، بما فيها قاذفات استراتيجية من طراز TU التي كانت وقتها هي أحد أبرز أعمدة الردع الاستراتيجي للقصف بعيد المدى لدى الاتحاد السوفيتي ضد حلف الناتو و الولايات المتحدة، وهنا نسأل كيف تمكنت المقاومة الفلسطينية من الحفاظ على قواتها الرئيسة كل هذا الوقت رغم الفارق في عدد المقاتلين وتسليحهم كما ونوعا؟

لذلك كله يجب ان نراجع الأمر، وقد يقال أن هذه حرب عصابات وتختلف عن الحرب النظامية، لكن في التخطيط وادارة المعارك العسكرية لا يمكن الاتكاء على مثل هذه الحجج، ففي الحرب أو في أي صراع  يتحتم فعل كل ما يجلب النصر بغض النظر عن الأبنيه والقوالب والصياغات والشعارات، فإذا كان أمر إعادة تقسيم القوات واعادة النظر في نوعية تسليحها سيجعلك تنتصر فلماذا تمتنع؟

 وبالتالي فلو أن تقسيم القوات الى مجموعات صغيرة وتفريقها وتحصينها في خنادق أو في أنفاق أو جعلها محمية بوسائل الاخفاء والتمويه سيجلب لك النصر فما المانع من ذلك لدى جيوشنا النظامية؟ واذا كانت الأسلحه الصغيرة المحمولة للأفراد فعاله في مواجهة المدرعات فائقة التحصين شديدة الحداثة فلماذا لا نتوسع فيها؟

 ولماذا لا نسلح المجموعات القتالية هذه بأسلحة خفيفة ولكن أكثر حداثة وأكثر فاعلية مثل الصواريخ المحمولة المضادة للدروع والصواريخ المحمولة المضادة للطائرات؟ ما المانع ولماذا نظل جامدين على نظم وتكتيكات عسكرية تقليدية تكبدنا الخسائر في مواجهة جيش متفوق تقنيا وماديا واقتصاديا؟؟

ان هذه المراجعه توصلنا لفهم أن هناك تقصيرا لدى النخب العسكرية العربية في الحروب العربية السابقة التي جرت بين العرب واسرائيل كما أنها توصلنا الى أنه ينبغي أن تأخذ النخب العسكرية العربية والاسلامية بخلاصات هذه الدروس وتعيد التدريب والتسليح والتنظيم لقواتها وفقا لهذه الدروس.

لقد رأينا صمودا لقوات المقاومة الفلسطينية في غزة بينما لم نر صمودا مشابها في الصراع العربي الإسرائيلي في حرب 1956 حيث استغرقت الحرب أربعة ايام فقط وفي حرب 1967 ستة أيام فقط وحتى في حرب اكتوبر 1973 حدثت ثغرة الدفرسوار بعد مرور عشرة أيام فقط من الحرب وكانت الانتكاسة أكبر و أسرع على الجبهه السورية حيث تقدمت القوات الإسرائيلية إلى مسافة تقدر بعدة كيلومترات فقط من دمشق بالأيام الأولى من الحرب.

إسرائيل تحملت حرب استنزاف 11 شهرا

والدرس الثالث المستخلص من حرب أكتوبر 2023 أنه كان من الشائع لدى النخب الاستراتيجية العربية القول أن إسرائيل لا يمكنها أن تتحمل حربا تزيد عن عدة أسابيع متواصلة لأن اقتصادها لا يمكن ان يتحمل هذا، ولذلك رأوا ان حرب الاستنزاف التي استمرت بعد نهاية حرب 1967 الى 1970 أوجعت اسرائيل جدا، ولكن في حقيقة الأمر تستمر حرب طوفان الأقصى حتى كتابة هذه السطور 11 شهرا، ومع ذلك ورغم تكبد اقتصاد اسرائيل لخسائر ضخمة بسبب هذه الحرب، فإنها تتحمل هذا حتى الآن بسبب الدعم الأمريكي والأوروبي لها، وهذا جدير بالمراجعة الاستراتيجية، نعم اسرائيل تتوجع بسبب هذه الاستمرارية لكنها قادرة على الاستمرارية، ولذلك لا يمكن القول أنها لا يمكنها أن تتحمل صراعا عسكريا ساخنا طويل المدى.

أغلبية الشعب الصهيوني مع الحرب

أمر آخر جدير بالمراجعة والتأمل وهو ما أثبتته استطلاعات الرأي الإسرائيلية من أن أكثر من 80% من الشعب الإسرائيلي يؤيد الحرب على غزة حتى إبادة المقاومة، ولكن خلافهم هو خلاف حول تكتيكات هذه الحرب، فالبعض يرى إيقاف الحرب لفترة وجيزة والتفاوض مع حماس لاستنقاذ أسرى إسرائيل أحياء ثم بعد ذلك العودة لاستئناف الحرب، بينما البعض الآخر يرى استمرار الحرب أيا كان الثمن حتى لو أدى الأمر لمقتل الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، وهذا أمر جدير بتأمل عميق كي نراجع الأفكار التي كانت تطرح حول وجود تيار يدعو للسلام بين الشعب الإسرائيلي وأن هناك قوى سلام بين الشعب الإسرائيلي و يمكن التفاوض معها، ولعل هذا يلخصه ما قالته احدى الناشطات اليساريات الأوروبيات في احدى المناسبات من أن هذا الشعب هو شعب عنصري وبالتالي لا يمكن ان يفرز قوى يسارية بداخله.

هل يمكن مواجهة أمريكا أو أي قوة عظمى

وأخيرا هناك درس آخر مهم جدا يقدمه لنا طوفان الأقصى وهو إجابة سؤال: هل يمكن لطرف ضعيف أن يواجه الباغي اذا كان مسنودا من الولايات المتحدة أو أي قوة عظمى؟

نحن المسلمون عندنا بديهية شرعية، إذ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: « يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد ‌أخذ ‌مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار» " [ رواه مسلم] في صحيحه،  ولدينا روح الجهاد التي تدفعنا للمقاومة دائما والصبر والثبات من أجل حقوقنا العادلة، ولكن ما كان يدور في النقاشات وورد على ألسنة قادة سياسيين هو أننا لا يمكننا محاربة أمريكا إذ تعلل جمال عبد الناصر بهزيمة 1967 بالمساندة الأمريكية لإسرائيل، كما أن السادات في حرب 1973 تعلل في وقفه للحرب بأنه في البداية كان يحارب إسرائيل ولكن عندما صارت حربا بينه وبين أمريكا لزمه أن يتوقف لعدم امكانية حرب أميركا.

لكننا نرى اليوم أن الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها يدعمون إسرائيل ضد غزة التي لا تملك قوة جوية ولا تملك مصانع حربية ولا تملك اسلحة ثقيلة ولا متوسطة، ومع ذلك فأهل غزة صامدون للشهر الثامن حتى كتابة هذه السطور في مواجهه التحالف الدولي، إذن فإن مقولة أنه لا يمكننا ان نقاتل أمريكا أو أن نقاتل قوة عظمى ظهر عوارها لكل ذي عينين، فحتى لو انهزمت المقاومه الفلسطينية اليوم (لا قدر الله) أمام الاعتداء الوحشي الصهيوني فقد سجل التاريخ أنها صمدت منذ 11 شهرا قاتلت خلالها إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها.

إن المحصلة النهائية لهذه الدروس وغيرها مما لم نذكره هو أن السير في سبيل الجهاد بإخلاص وصدق سوف ييسر لك الوصول للهدف، قال الله تعالى: {{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا}} [سورة النساء آية 84] ، وقال سبحانه وتعالى: {{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}} [سورة العنكبوت آية 69] .

 

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 1
  • 0
  • 38
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    معركة الجماعة والفصائل (4) فوضى الفصائل المسلّحة في الشام 3- إفراج النّظام النّصيريّ عن المئات من معتقلي سجن صيدنايا: بعد عام من انطلاق المظاهرات ضدّه، أقدم النّظام النّصيريّ وفي خطوة مفاجئة على إطلاق سراح المئات من معتقلي صيدنايا، وكان ممن أُطلق سراحهم سجناء منتمون إلى المذاهب والتيّارات والأحزاب التي تصنّف على أنّها "إسلاميّة"، من "الإخوان المسلمين" و"السروريّة" و"السلفيّين" و"التحريريّين" و"الجهاديّين" وغيرهم. كان في الإعلان عن إطلاق سراح هذه الدفعة الكبيرة من المعتقلين ذوي الأحكام القاسية غاية إعلاميّة في إظهار أنَّ النّظام يبدي ليونة تجاه مطالب الثّائرين عليه، ولكن حامت فيما بعد الكثير من الظّنون والمزاعم حول الغاية الحقيقيّة للنّظام من هذا "العفو"، خاصّة بسبب نوع من سيطلق سراحهم، فهم أولاً "إسلاميّون" وبالتّالي ممارستهم للعمل ضدّه خارج السّجن سيكون على هذا الأساس، ما سيحرم "الثّوار" من الأغطية العلمانيّة والسّلميّة التي تدثّروا بها أمام الغرب وطواغيت العرب، وهم ثانياً ممّن جرّب الخروج على النّظام وتحدّيه، وذلك في أحداث سجن صيدنايا حيث سيطر السجناء على السّجن لمدة 9 أشهر تقريباً نتيجة عصيانهم وانتفاضتهم داخل جدران السّجن، رغم أن معظمهم رفضوها أو دخلوا فيها كارهين بحكم استهداف النّظام لجميع المساجين، ومنع قادة الانتفاضة للسّجناء لاحقاً من الخروج من الزنازين وتسليم أنفسهم للنّظام، وبالتالي فإن إمكانية دخولهم إلى صفّ المسلّحين أمر شبه مؤكّد، وتسلّمهم قيادة العمل أمر محتمل بحكم أعمارهم وتجاربهم وسمعتهم التي اكتسبوها من سجنهم ومن كونهم معارضين للنّظام. رغم أنّ هذه الظّنون يمكن ردّها بأنّ النظام أفرج في الوقت نفسه عن المئات من العلمانيين، من المرتدين المنتمين إلى حركات "المجتمع المدني"، ومرتدي PKK والحركة الشعبية لتحرير كردستان، ومن مرتدي البعث اليميني، بالإضافة إلى الكثير من المحكومين بقضايا التهريب، والتجسس وغيرها، وكان الجامع بين كل المفرج عنهم أنّهم كانوا قد أنهوا ثلاثة أرباع مدّة حكمهم. وفعلاً خرج هؤلاء من السّجون على دفعات، ومع تصاعد العمل المسلّح ضدّ النّظام بدأ الشباب يتجمّعون حول قسم من هؤلاء المفرج عنهم، بحكم الصّداقة أو القرابة أو الجوار، بحكم الثقة والانجذاب إلى السّمعة الكبيرة التي نالها معتقلو صيدنايا من انتفاضتهم، وشكّل هؤلاء كتائب مستقلّة فكانوا قادتها، أو انضمّوا إلى كتائب وفصائل موجودة، ليشغلوا فيها مناصب قياديّة، وقد كان لبعض منهم والذين أطلق عليهم فيما بعد لقب "مجموعة صيدنايا" دورٌ كبيرٌ في زيادة تمزّق السّاحة وتكاثر الفصائل واستحكام العداوات بينها، وفضلاً عن انتماءاتهم المختلفة، فإن أحداث السجن الطويلة العصيبة، جعلتهم ينقسمون إلى مجموعات وتيّارات، وزرعت بينهم من الخلافات والعداوات ما أوصلهم أحياناً إلى تهديد بعضهم بالقتل، فلا مجال للتلاقي بينهم خارج السّجن. 4- دخول المهاجرين: وبسبب الكمّ الكبير لهؤلاء المهاجرين، فقد دخل قسم منهم في الكتائب والفصائل الموجودة في السّاحة، وخاصّة ذات الصبغة "الإسلاميّة"، في حين اعتزل القسم الأكبر منهم هذه الفصائل مشكّلين بذلك العشرات من الكتائب والفصائل المستقلّة ذات الرايات الإسلاميّة، والتي أُسّس معظمها على أسس إقليمية، بل على أساس الدول التي جاؤوا منها، أو على أساس اللغة بالنسبة للمهاجرين العجم، وإن دخل فيها الكثير من الأنصار لاحقاً، وتركّزت هذه الظاهرة على وجه الخصوص في منطقة الشمال (حلب وإدلب والساحل). وتحت تأثير هذه العوامل امتلأت ساحة الشام بالفصائل المتباينة، المختلفة عن بعضها شكلاً وحجماً ومنهجاً وتبعيّةً، حتى إنّ عدد هذه الفصائل بلغ بحسب بعض الإحصائيات أكثر من 2000 فصيل، ربما اشترك العشرات منها أحياناً بالاسم نفسه دون أن يكون بينها أي ارتباط، أمّا الألقاب فكانت عجيبة، فأعطت الفصائل لأنفسها ألقاب الألوية والجيوش والفرق رغم قلة عدد عناصر معظمها إلى حد يجعل المقارنة بين اسم الفصيل وحقيقة واقعه أمراً مثيراً للسخرية. وفي ظل هذه الفوضى الكبيرة كان ينبغي على مجاهدي الدّولة الإسلاميّة أن يشقّوا طريقهم، ويحقّقوا الأهداف التي أوفدوا من أجلها إلى ساحة الشام. مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 5 مقال: معركة الجماعة والفصائل (4) فوضى الفصائل المسلّحة في الشام

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً