الحمد لله رب العالمين
معرفة الرب -جل وعلا- لا تنتهي إلى حد، بل كلما ازداد إيمان العبد وعلمه، ازدادت معرفته بربه
قال المصنف رحمه الله: وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2].
الشرح الإجمالي:
(والدليل) على أنه سبحانه وتعالى هو الرب المربي الذي ربى جميع العالمين، وهو المعبود المستحق للعبادة الذي لا يستحق العبادة سواه؛ لكونه سبحانه وتعالى مربيًّا لجميع العالمين هو: (قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
والألف واللام في قوله: {الْحَمْدُ} للاستغراق؛ فتفيد استغراق جميع أنواع الحمد، مما هو موجود، أو وجد، أو يوجد، واللام في قوله: {لله} لام الاستحقاق، فجميع المحامد مستحقة لله، الإله الذي لا يُعبد بحق إلا هو، وهذا فيه الإثبات بأنه سبحانه هو المعبود وحده لا شريك له، وقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: رب السماوات والأرض وما بينهما، وفيه إثبات ربوبيته سبحانه وتعالى، والربوبيةُ هنا مضافة إلى العالمين، فهي عامة شاملة لكل أحد، وهذا يُطابق المعنى الذي ذكره المصنف في قوله: (فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه)[1].
الشرح التفصيلي:
معرفة الرب -جل وعلا- لا تنتهي إلى حد، بل كلما ازداد إيمان العبد وعلمه، ازدادت معرفته بربه، ولما كان كمال الله عز وجل مما يعجز المخلوقون عن الإحاطة به، صارت معرفة الله على وجه الإحاطة متعذرة في حقهم، لكن هناك قدر من تلك المعرفة يتعين ويجب على كل أحد، وما زاد عن هذا القدر، فإن الناس يتفاضلون فيه بحسب ما يفتح الله لهم من رحمة، وأصول معرفة الله المتعينة على كل أحد أربعة:
أولها: معرفة وجوده بأن يؤمن أنه موجود.
وثانيها: معرفة ربوبيته بأن يؤمن أنه رب كل شيء.
وثالثها: معرفة ألوهيته بأن يؤمن العبد أنه هو الذي يعبد بحق وحده.
ورابعها: معرفة أسمائه وصفاته بأن يؤمن العبد بأن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلا[2].
وهذه هي الأصول الأربعة اللازمة لكل أحد في معرفة الله، وهذه الآية التي أوردها المصنف تتضمن الأصول الأربعة، فالربوبية في قوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ إذ فيها التصريح بذلك، والألوهية في قوله تعالى: {الحمد لله}، فهي دالة على ألوهية الله جل وعلا، فهو المستحق للحمد لكونه مألوهًا، وهي دالة أيضًا على وجود الله؛ لأن المعدوم لا يحمد، وذكرُ الربوبية والألوهية في الآية متضمنٌ لإثبات أسمائه الحسنى وصفاته العلا التي ينبغي أن يؤمن بها العبد، وفي الآية فردان من أفرادها وهما: اسم (الله)، واسم (رب العالمين)، المتضمنان لصفة الألوهية وصفة الربوبية، وهذا وجه دلالة الآية، وهي: فاتحة الكتاب على الأصول الأربعة التي انطوى عليها كلام المصنف فيما يتعين على كل أحد من معرفة الله سبحانه وتعالى[3].
[1] ينظر: شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (57-58)؛ وحصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله الفوزان (56)؛ وشرح الأصول الثلاثة، د. خالد بن عبدالله المصلح (22).
[2] تعليقات على ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالله العصيمي (17).
[3] المصدر السابق (17).
________________________________________________
الكاتب: د. فهد بن بادي المرشدي
- التصنيف: