إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع
مِن أسباب الخشوع أن تُصلي صلاة مُوَدِّع، لأن استشعار هذا الإحساس مُذكر لك بوصيته صلى الله عليه وسلم
د. أشرف عبدالرحمن
مِن أسباب الخشوع أن تُصلي صلاة مُوَدِّع، لأن استشعار هذا الإحساس مُذكر لك بوصيته صلى الله عليه وسلم لأحد صحابته رضي الله عنهم: «((إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع))» [1].
صلِّ وقُم إلى صلاتك، وأَدِّها أداء من يعلم أنه ليس بينه وبين القدوم على ربه غير التسليم، صلاة من يعلم أن ملك الموت هنا في انتظاره بعد صلاته، بالله عليك، كيف سيكون حضور قلبك، وانفعال جوارحك؟! ليتنا نستحضر قوله صلى الله عليه وسلم: (( «اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لَحَرِيٌّ أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أن يُصلي صلاة غيرها» ))[2].
♦ كان لأبي الحلال العتكي طريقة عجيبة في ذلك حيث كان ينادي: يا فلان بن فلان (من الأموات)، ثم يُقبل على الناحية الأخرى، فيقول مثله: حتى يأتي على الأركان الأربعة، ثم يقول: {﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴾} [مريم: 98]، ثم يقبل على الصلاة[3]، بعد أن استقر ذكر الموت في قلبه، فصلاته حينئذ صلاة رجل مودع لهواه، مودع لذنوبه، مودع لشهواته، مودع لدنياه، فما أجملها من صلاة، وما أطيبه من عبد!
التدبُّر والتفاعُل:
♦ انطلاقًا من قوله عز وجل: {﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾} [ص: 29].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا قرأتم سجدة {﴿ سُبْحَانَ ﴾} فلا تعجلوا السجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه))[4].
ومما يعين على التدبر ترديد الآيات وتكرارها، كما كان يفعلُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قام بآية حتى أصبح يُرَدِّدها، وهي قوله سبحانه: {﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾} [المائدة: 118][5].
وعلى الدرب نجد سعيد بن جبير رحمه الله قام من الليل يصلي فقرأ قوله سبحانه: {﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾} [البقرة: 281]، فرددها بضعًا وعشرين مرة[6]، لذا قال سفيان بن عيينة: "التفكُّر مفتاح الرحمة"[7].
• ولقد رأى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله رجلًا يعبث بالحصى ويدعو ربه: "اللهم زوِّجني من الحور العين"، فقال له: "بئس الخاطب أنت، تعبث بالحصى وتطلب الحور، ما أقل حياءك!"[8]، ومن هنا وجب العلم بمعنى ما نقرأ في الصلاة والاهتمام بالتفسير يقول الإمام الطبري: "إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله (تفسيره)، كيف يلتذ بقراءته"[9]؟!
وكان دأب النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله عنه حذيفة رضي الله عنه: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، يقرأ مترسلًا، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ..."[10].
فافهم - عبد الله - ما تقرأ؛ ليسلم خشوعك، وليعي قلبك عظمة كلام المولى سبحانه وتعالى.
استحضار عداوة الشيطان لك:
أتى عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها، فقال صلى الله عليه وسلم: (( «ذاك الشيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوَّذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثًا))، قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني» [11].
(خنزب): شيطان الصلاة الذي لا عمل له سوى إفساد صلاتك، وتضييع خشوعك، يبدأ عمله مع تكبيرة الإحرام، وينتهي مع التسليم، وبينهما الوسوسة ونسف الحسنات وتضييع الطاعات.
♦ عدو يريد هلاكك، والسكن بجواره في نار جهنم، كيف حالك معه؟! وهل تستسلم له؟!
استقبال القبلة:
إنَّ التوجُّه للقبلة في ديننا له معانٍ عظيمة؛ ذلك أن في النفس الإنسانية ميلًا فطريًّا إلى اتخاذ أشكال ظاهرة للتعبير عن المشاعر القلبية.
وعلى هذا الأساس الفطري أقام الإسلام شعائره التعبدية كلها، فهي لا تؤدَّى بمجرد النية، بل تتخذ شكلًا ظاهرًا؛ قيامًا واتجاهًا إلى القبلة، وتكبيرًا وقراءة، وركوعًا وسجودًا في الصلاة، وإحرامًا من مكان معين، ولباسًا معينًا، وحركة وسعيًا، ودعاء وتلبية، ونحرًا وحلقًا في الحج، ونية وامتناعًا عن الطعام والشراب والمباشرة في الصوم، وهكذا في كل عبادة حركة، وفي كل حركة عبادة، ليؤلف بين ظاهر النفس وباطنها، وينسق بين طاقاتها.
ولهذا لم يكن بُدٌّ من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه؛ كي يتميز هو بتصوره ومنهجه، ومِن هنا كان النهيُ عن التشبه بغير المسلمين في خصائصهم، التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة، ولم يكن هذا تعصبًا ولا تمسكًا بمجرد شكليات، وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم» ))[12].
• فالقبلة بهذا المفهوم ليست مكانًا أو جهة يتجه إليها المسلم، وليست شكلًا وديكورًا، كلا إنما هي رمز للتميز في التصور، والشخصية، والهدف، والاهتمامات.
• وكأنك بتوجهك نحو القبلة تستحضر وحدة الأمة الإسلامية وضرورة تحقيقها فلتعزم - أيها المصلي - أن تكون يدًا فاعلة للقضاء على التشتت والتعصب، يدًا بانية لكل ما يثمر الخير والمعروف.
وأسألك: أيليق بك أن تتجه بوجهك تجاه القبلة وقلبك متجه إلى دنيا، إلى هوى، إلى... إلى؟!
القيام:
من أمارات التعظيم والتقدير لله سبحانه وتعالى أن تقوم بين يديه خاضعًا ذليلًا؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القيام للناس بقوله: (( «مَن سرَّه أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار» ))[13].
قيامك يذكرك بوقوفك بين يدي الله في الآخرة، وأنت بلا حول ولا قوة، فلتحسن هنا القيام، لتكافأ هناك بالجواز والقبول، فمن عَظَّم أمر ربه عُظِّم لا ريب؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
التكبير: (الله أكبر):
تكبيرة الإحرام: إعلان منك أن الله وحده هو المتصف بكل كمال، والمنزه عن كل نقص؛ لذا قال عمر رضي الله عنه: "قول العبد: "الله أكبر" خيرٌ من الدنيا وما فيها"[14].
♦ تكبيرة الإحرام: بداية الصلاة، كي تُشعر قلبك هيبة مَن تُصلي له، وعظمة من تتوجه إليه بالعبادة، وتكرارها مقصود؛ كي تسيطر هذه الهيبة على قلبك، وهذا يُورثك تجريد التوحيد لله سبحانه، وهذا التَّكرار كمَن يُداوم القرع على الباب يُوشك أن يُفتح له، فكررها - صادقًا - لعل في ذلك فتحًا لقلبك وإنارة لعقلك.
وأسألك: من ذا يستحق أن تعلي أمره فوق أمر ربك؟
من ذا يستحق أن تطيعه وتخالف أمر ربك؟
من ذا يستحق أن تدعوه وتغفل عن مناجاة ربك؟
أهناك مَن هو أجل وأعظم من الله سبحانه؟! كلا.
♦ الله أكبر: أمامها ينبغي أن تنكمش الدنيا وتصغر في عينيك، فتكون في نظرك كما هي في نظر الله لا تساوي جناح بعوضة، وإذا سهوت أثناء قيامك أو ركوعك أو سجودك أيقظك صوت: (الله أكبر)؛ لينبهك: أي شيء يستحق صرف القلب إليه؟ من ذا الذي استولى على فكرك فشغلك عن طاعتك؟
واعلم أيها العابد: أن القدر المشترك بين الأصنام التي تُعبد، والأشخاص التي تؤله، والأشياء التي تُقدس، والقوى التي يخضع لها - هو العظمة والكبرياء، من هنا يأتي ذكر (الله أكبر)؛ ليبطل دعاوي المتكبرين، وليبعث في قلبك العزة والأنفة ألا يستعبدك أحد، أو يَدفعك لمخالفة ربك، فالله أعظم ممن يأمرك، وأحق أن يخضع له من كل ما سواه.
• ولعلك تذكر قصة ربعي بن عامر رضي الله عنه عندما أرسله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قبل القادسية رسولًا إلى رستم قائد الفرس، فدخل عليه وقد زيَّنوا مجلسه بالنمارق واللآلئ، وعليه تاجه، ودخل ربعي بثياب متواضعة ومعه ترسه وفرسه، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل عليه، فقالوا له: ضَعْ سلاحك، فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رُستم: ائذنوا له، فأقبل يَتَوَكَّأ على رُمحه فوق النمارق، مستخفًّا بقائد الفرس وحاشيته؛ لأنَّ قلبه استقر فيه عظمة مولاه وكبرياؤه وجلاله.
• ومن ذلك ما وقع من الشيخ الأزهري (حسن الطويل) المشهور بتواضعه في ملبسه ومظهره، وقد دُعي إلى مقابلة الخديوي بقصر عابدين، فذهب للمقابلة دون اعتناء بملبسه المتواضع، فلما تقدم إليه كبار موظفي القصر يلفتون نظره في أدبٍ إلى استبدال ملابسه، صاح فيهم بشموخ وعزة العالم العامل: "والله لا أخلعها؛ ألقى بها ربي كل يوم ولا ألقى بها الخديوي"!
• ومِن قبله سلطان العلماء (عز الدين بن عبدالسلام): فقد طلع مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد العسكر، فالتفت الشيخ إلى السلطان، وناداه قائلًا: يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال: ألم أبوِّئ لك ملك مصر، ثم تبيح الخمور؟ فقال: هل جرى هذا؟ فقال: نعم، الحانة الفلانية يباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، فقال: يا سيدي، هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي، فقال: أنت من الذين يقولون: {﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾} [الزخرف: 22]، فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة.
وسُئل الشيخ بعد خروجه من عند السلطان: كيف الحال؟ فقال: يا بني، رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه؛ لئلا تكبر عليه نفسُه فتؤذيه، فقيل له: يا سيدي، أما خفته؟ فقال: والله يا بني استحضرت هيبة الله، فصار السلطان قُدَّامِي كالقط[15].
والتكبير يذكرك بأمرين: من أنت؟ وبين يدي من تقف؟
• أنت العاجز الضعيف الفاني، ومولاك الباقي ذو الجلال والإكرام.
• أنت الذي لا غنى لك عن ربك طرفة عين، ولو وكلك إلى نفسك لحظة لهلكت.
• أنت الظالم لنفسك بالمعصية التي بارزت بها مولاك دون حياء.
• أنت المحتاج للمغفرة والرحمة، وربك هو العزيز القهار، الذي لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، وهو الغني عنك وعن عبادتك.
فاسمع أيها الكريم مني وأنصت إليَّ بقلبك، فإن الحديث هنا حديث قلوب: ما الصلاة في حقيقتها إلا تعظيم لله، ولجوء إليه، واستعانة به، وتذلل له؟!
رفع اليدين بالتكبير:
• الرفع: تعظيم وتقديس لله سبحانه، وإعلان لتمام الاستسلام له، وإظهار للافتقار إليه.
• الخفض: إعلان بهجر كلِّ ما سوى الله تعالى، وكأنك بهذه الحركة ترمي كلَّ ما خالف ربَّك وشرعه في الأرض.
• وقبضهما أثناء القيام: هو مظهرٌ مِن مَظاهر الذل والانكسار بين يدي المعبود الحق، وعلامة على جَمْع القلب؛ ليتدبَّر ما يقرأ ويرتل، وكأن القبض تجديد للعهد، وتذكير للنفس بضرورة التمسك بالحق والثبات عليه، كما هو حال يديك الآن في الصلاة.
وضع اليمين على الشمال في حالة القيام:
هذه هيئة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن وائل بن حجر: أنه "رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر، ثم الْتَحَف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى"[16]؛ وذلك للمبالغة في الذل بين يدي الله عز وجل، ولحفظ اليدين مِن العبث أثناء الصلاة.
النظر إلى موضع السجود:
عن ابن سيرين رحمه الله قال: "كانوا يستحبون أن ينظر الرجل في صلاته إلى موضع سجوده"[17].
وهذا النظر المحدد كي لا تلتفت لمن عن يمينك أو يسارك، أو تجوب عينك في نقش الجدران، أو تتلمح زينة المحراب، أو زخرفة القبلة...، فارمِ ببصرك نحو الأرض إلى سجودك كي يكونَ الخشوع أضمن، ولترسل لخنزب (شيطان الصلاة) رسالة أن: ابحثْ لنفسك عن مكان آخر، فليس لديَّ متسع لك، ولستُ أنا صيدك الذي تريد.
عدم الالتفات في الصلاة:
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث وفيه: ((... « وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت» ))[18].
• والالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان:
أحدهما: التفات القلب عن الله عز وجل إلى غيره.
والثاني: التفات البصر.
وكلاهما منهي عنه، ولا يزال الله مقبلًا على عبده ما دام العبدُ مقبلًا على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرَض الله تعالى عنه، وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته فقال: (( «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» ))[19]، ومثل مَن يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه مثل رجل قد استدعاه السلطان، فأوقفه بين يديه، وأَقْبَلَ يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينًا وشمالًا، وقد انصرف قلبه عن السلطان، فلا يفهم ما يخاطبه به؛ لأن قلبه ليس حاضرًا معه، فما ظن هذا الرجل أن يفعلَ به السلطان؟ أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتًا قد سقط من عينيه؟!
فهذا المصلي لا يستوي مع حاضر القلب المقبل على مولاه في صلاته مستشعرًا عظمته، ولنتأمل ما قاله شُفَيّ الأصبحي: "إن الرجلين ليكونان في الصلاة مناكبهما جميعًا، ولما بينهما كما بين السماء والأرض"[20]، وأعلنها الحسن البصري: "كلُّ صلاة لا يحضُرُ فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع"[21].
• ومما يعينك على عدم الالتفات استحضارك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((... فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه))[22].
• ومن مشكاة النبوة انطلق (حاتم الأصم) عندما سُئل عن صلاته، فقال: "إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيتُ الموضع الذي أُريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الخوف والرجاء، وأكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعًا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشع...، وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا))[23]؟!
تحريك السبابة:
بشراك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لهي أشد على الشيطان من الحديد))[24]؛ لأن هذا التحريك يذكر العبد بوحدانية ربه، وتفرُّده بالألوهية، وهذا مما يغيظ الشيطان.
الطمأنينة في الصلاة:
اقتداء به صلى الله عليه وسلم: كان صلى الله عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، وأمر النبي المسيء صلاته تدبر ذلك وقال له: ( «(لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك» ))[25].
كما قال أيضًا صلى الله عليه وسلم: (( «مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئًا» ))[26].
استفتاح الصلاة:
لقد وردتْ عدة أحاديث في استفتاح الصلاة، ومنها:
أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلتُ: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني مِن خطاياي كما يُنقى الثوب الأبيض مِن الدنس، اللهم اغسلني مِن خطاياي بالثلج والماء والبرد))» [27].
• هنا استحضر الآثام التي تُشعل نار الذنب في قلبك مما يحتاج إلى ماء وثلج وبرد لإطفاء هذه النار.
• هنا تذكر أنَّ اتساخ ثوبك لا يفيدُه التعطُّر، إنما يحتاج إلى غسل لإزالة هذا الوسخ، فكذلك ذنوبك تحتاج منك لعزمٍ صادقٍ تغسل به آثارها، هذه الآثارُ التي تمحق الخير، وتمنع الرزق.
ب) عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة، قال: (( «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» ))[28].
• فقولك: ((سبحانك اللهم وبحمدك))؛ أي: أُنَزِّهك ربي عن كلِّ نقص، كمن اتهم شرعك أنه لا يصلح للناس، وكمن نسب لك الزوج والولد، فأنت المنزَّه عن كلِّ ذلك وأمثاله؛ لأنك المحمود على كلِّ شيء والمتصف بكل كمال.
• ((وتبارك اسمك))؛ أي: سما اسمك وتعالى وارتفع، وكمل وتقدس، ولفظة (تبارك) تدل على كمال العظمة، ((وتعالى جدك))؛ أي: ارتفعت عظمتك.
• فهذا الذكر: تحية إجلال وتقديس، وثناء وتعظيم، من عبدٍ مملوك لسيده المالك، وكأنك بهذا التعظيم تمهِّد لسؤالك وحاجتك. وهذا التمهيد من الآداب الواجب مراعاتها عند الطلب والدعاء.
[1] أخرجه أحمد: (23498)، وابن ماجه: (4171)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (742).
[2] أخرجه الديلمي (1/ 431)، (1755)، وصححه الألباني في الصحيحة (1421).
[3] صفة الصفوة لأبي الفرج ابن الجوزي: (494).
[4] قوت القلوب في معاملة المحبوب: (1/ 87)، والمراد قوله تعالى: ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 109].
[5] أخرجه أحمد: (21388)، وابن ماجه: (1350)، وغيرهما، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: (1205).
[6] الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 300).
[7] حلية الأولياء: (5/ 228).
[8] قوت القلوب في معاملة المحبوب: (1/ 87)، والمراد قوله تعالى: ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 109].
[9] تفسير الطبري، مقدمة المحقق الشيخ محمود شاكر (1/ 10).
[10] أخرجه مسلم: (772).
[11] أخرجه مسلم: (2203).
[12] أخرجه البخاري: (3462)، ومسلم: (2103).
[13] أخرجه أبو داود: (5229) والترمذي: (2755) وغيرهما، وهو حديث صحيح، "هناك تفصيل لأحكام القيام للناس" انظره في كتب الفقه.
[14] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: (10/ 345).
[15] انظر كتاب "الصلاة لماذا؟" محمد أحمد المقدم.
[16] أخرجه مسلم: (401).
[17] تعظيم قدر الصلاة، لمحمد بن نصر: (145)، وابن أبي شيبة في مصنفه: (6503).
[18] أخرجه الترمذي: (2863)، وحسنه.
[19] أخرجه البخاري: (751).
[20] حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني: (5/ 167).
[21] موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين، لمحمد جمال الدين القاسمي، مبحث المنهيات: (1/ 33).
[22] أخرجه مسلم: (832).
[23] إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 151).
[24] أخرجه أحمد (2/ 119) وسنده حسن، كما قال الألباني في صفة الصلاة (159).
[25] رواه أبو داود برقم (858).
[26] الطبراني في الكبير (4/ 115) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع".
[27] أخرجه مسلم: (598).
[28] أخرجه أبو داود: (776)، والترمذي: (243)، والنسائي: (899)، وابن ماجه: (804)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (749).
- التصنيف:
- المصدر: