آثار الذنوب والمعاصي

منذ 2024-10-15

فحِفظُ النِّعم وتفادِي النِّقم لا يكون إلَّا بطاعةِ الله ورسوله، ومَن خالف جَرَت عليه سنَّةُ الله، وإنَّ ما يُصيب المسلمين اليومَ لهي نذُرٌ إلهيَّة لئلَّا ينسى الناسُ ربَّهم، ليعودَ الشارِد، ويتنبَّه الغافِل، ويستغفرَ المذنب.

معاشرَ المسلمين، إنَّ ممَّا جاء في مشكاةِ النبوَّة قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَن أصبحَ منكم آمنًا في سِرْبه، مُعافًى في جَسَده، عنده قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَت له الدُّنيا»؛ (رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبدالله بن محصن رضي الله عنه وحسَّنه الألباني) .

 

فجعلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصولَ حيازة الدنيا ثلاثةَ أشياء: الأمنَ في الأوطان، والمعافاة في الأبدان، والرزقَ والكفاف، ففَقْدُ الأمْنِ فَقْدٌ لثُلُث الحياة، والثلثُ كثير.

 

عباد الله، ولما كان الأمنُ ثُلُثَ العَيش امتنَّ الله به على الأسلافِ مِن قُريش: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4].

 

أيُّها المسلمون، الأمنُ والأمان والطمأنينة والاستقرار مطلبٌ ضروريٌّ من مطالبِ الإنسان، ففي ظلِّ الأمن يرغَد العيشُ، وينتشر العِلم، ويتفرَّغُ الناس لعبادةِ ربهم ومصالح دنياهم، وتنبُت شجرةُ الهناء؛ لذا كانت دعوةُ إبراهيمَ الخليل عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم: 35 - 37]، فانظر كيف قدَّم الأمنَ على طلب الرزق؛ لأنه لا يهنَأ عيشٌ بلا أمان.

 

أيها المسلمون، إلَّا أنه ليس بين الله وبينَ أحدٍ نَسَبٌ، فبِقدر الإيمان والتَّقوى تكون النِّعَم والخيرات، نَعم الإيمانُ والتقوى بهما تُفتَح بركاتُ الأرض والسماء، بهما يتحقَّق الأمنُ والرخاء، وصدقَ الله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96].

 

الأمنُ مربوطٌ بالإيمان، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، أمَّا إن بدَّل العِبادُ وغيَّروا فإنَّ سُنَن الله لا تحابي، وقد قال: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].

 

إنَّنا - ولله الحمد- لا زِلْنا في خيرٍ من الله بديننا وفضلِ الله علينا، لكن النُّذُر الإلهية مذكِّرةٌ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، فحِفظُ النِّعم وتفادِي النِّقم لا يكون إلَّا بطاعةِ الله ورسوله، ومَن خالف جَرَت عليه سنَّةُ الله، وإنَّ ما يُصيب المسلمين اليومَ لهي نذُرٌ إلهيَّة لئلَّا ينسى الناسُ ربَّهم، ليعودَ الشارِد، ويتنبَّه الغافِل، ويستغفرَ المذنب.

 

إنَّ المعاصيَ والذنوب سَبَبٌ رئيس للخوفِ والقَلَق والمصائِب والفِتن، قال الله تعالى مُحَذِّرًا مِن مخالفةِ رسوله صلى الله عليه وسلم {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، ولمَّا أمر الله تعالى بطاعته وطاعةِ رسوله في قوله سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] قال فيما بعد: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمَرَ اللهُ المؤمنين ألَّا يُقِرُّوا المنكرَ بين أظهرهم، فيعمَّهم العذاب).

 

ثمَّ بعدها امتنَّ الله على المؤمنين بتذكيرهم بما كانوا عليه من خوفٍ، ثم آمنهم في إشارةٍ إلى أنَّ مخالفةَ أمرِ الله ورسوله مُؤذِنة بالفتن والخوفِ وانعِدام الأمن: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ } ﴾ [الأنفال: 26].

 

أيُّها المسلمون، طاعةُ الله ورسولِه سبيلٌ للثَّبات والنجاة من الأزَمات، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 66 - 68].

 

الذنوبُ والمعاصي عباد الله كم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم أحلَّت من مذلّة وبَلية، وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة ما يعود على الفرد والجماعة، وما يصيب القلبَ والبدن، وما يعمُّ الدنيا والآخرة، ما لا يعلمه إلَّا الله جل وعلا، وإن من أضرار الذنوب والآثار السيئة للمعاصي يعود على الناس كافة، ويضرُّ بالمجتمع عامة.

 

فمن تلك الأضرار البالغةِ والآثار السيئة أن المعاصي سببٌ لحرمان الأرزاق، وسببٌ لفشوِّ الفقر وحرمان البركة فيما أُعطي العباد، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إنَّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبُغْضًا في قلوب الخلق).

 

المعاصي والذنوبُ متى تفشَّت في المجتمع تعسَّرت عليه أمورُه، وانغلقت أمامَه السُّبُل، فيجدُ أفرادُه حينئذٍ أبوابَ الخير والمصالح مسدودةً أمامهم، وطرقَها معسَّرة عليهم، ولا غَرْوَ، فالله جل وعلا يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].

 

المعاصي سببٌ لهوان العبد على ربِّه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري رحمه الله: "هانوا عليه فعصوه، ولو عزُّوا عليه لعصمهم".

 

ومتى هان العبدُ على الله جل وعلا لم يُكرمْه أحدٌ، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18].

 

وإن المجتمعَ المسلم متى فَشَتْ فيه المعاصي والموبقاتُ وعمَّت بين أبنائه الذنوبُ والسيئات، كان ذلك سببًا في ذلته وصغاره أمام المخلوقات جميعها، ففي مسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وجُعلت الذلة والصغارُ على من خالف أمري» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وصحَّحه الألباني.

 

فالعِزَّة إنما هي في تحقيق طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10].

 

لما فُتِحت قُبْرص بَكى أبو الدرداء رضي الله عنه، فقيل له: ما يبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلامَ وأهله؟ فقال: (ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملكُ تركوا أمرَ الله فصاروا إلى ما ترى).

 

أيها المسلمون، من عقوبات المعاصي والآثام انتشارُ الأمراض النفسية بين أفراد المجتمع، وحلولُ المخاوف والقلق، وحصولُ الهمِّ والضجر. ذلكم أن الذنوبَ تَصرِف القلوبَ عن صحَّتها واستقامتها إلى مرضها وانحرافها، فلا يزال القلبُ مريضًا معلولًا لا ينتفع بالأغذية التي بها حياتُه وصلاحُه، فتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوبُ أمراضُ القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا بتركها.

 

قال جل وعلا: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14].

 

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولا تحسبنَّ أنَّ النعيم في هذه الآية مقصورٌ على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم الثلاثة هم كذلك، أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودارَ القرار. فهؤلاء - أي: أصحاب الطاعة - في نعيم، وهؤلاء - أصحابُ العصيان - في جحيم، وهل النعيم إلَّا نعيمُ القلب؟! وهل العذاب إلا عذاب القلب؟! وأيُّ عذابٍ أشدّ من الخوف والهمِّ والحزن وضيق الصدر؟!"؛ انتهى كلامه رحمه الله.

 

ولذا - عباد الله - فأهلُ الطاعة والتقوى في مأمن من الهموم والغموم، وفي بُعْد عن الضجر والقلق، ذلك بأنهم حقَّقوا طاعة الله، واجتنبوا معاصيَه، فربنا جل وعلا يقول: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأنعام: 48]، ويقول عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13].

 

فاتقوا الله عباد الله، وحقِّقوا طاعتَه تفلحوا، واجتنبوا معاصيَه تسعَدوا، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].

 

أيَا عبدَ الله، حاسِب نفسَك قبلَ أن تُحاسَب، ولا تنظُر إلى الهالِك كيفَ هلك، ولكن انظُر إلى الناجي كيف نجا، ولا تمتدَّ بك حبالُ الأمانِي والغرُور، فالعمرُ قصير، والأجَل محدود، والناقِد بصير، وموقفُ العَرض على الله عَسير، إلَّا على من يسَّره الله عليه، {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47].

 

تأمَّل في مَطْعَمك ومَشْربك، وانظر ماذا تَرى وتسمَع وتقول، وماذا تُسِرُّ وتُعْلن، ولئن خَفِيت منك اليومَ خافية فهناك في أرض المحشَر يُكشَف الغطاءُ وتتكلَّم الجوارح، لقد جاءتك مِن ربِّك النذُر، فمن تذكَّر فإنما يتذكَّر لنفسه، وصدق الله: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: 70]، والتَّائبُ من الذنب كمن لا ذنبَ له، والله يعفو ويصفَح.

 

عباد الله، إن معصيةَ العاصي تعود على غيره بشؤم هذا الذنب، فيحصل الضرر حينئذٍ على الجميع، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم)، ويقول غير واحد من أهل السلف: "إنَّ البهائم تلعن عصاةَ بني آدم إذا اشتدَّت السنة، وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم".

 

الذنوبُ والمعاصي تجرِّئ على العبد ما لم يكن يجترئْ عليه من أصناف المخلوقات، فتجترِئ عليه الشياطينُ بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين وإنسائه ما به مصلحتُه في ذكره ومضرَّته في نسيانه، ويجترِئ عليه حينئذٍ شياطينُ الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، بل ويجترِئ عليه أهلُه وخدمه وأولادُه وجيرانه، قال بعض السلف: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلُق دابَّتي وامرأتي"، ذلكم أن اللهَ يدفع عن المؤمنين الطائعين شرورَ وأضرارَ الدنيا والآخرة، فالله جل وعلا يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38].

 

ألا وصلُّوا - عباد الله - على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن الخلفاءِ الأربعة الرَّاشدين.

__________________________________________________
الكاتب: د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي

  • 2
  • 0
  • 317
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    لله لا للوطن "١" • إنَّ المرءَ مجبولٌ على حبِّ الديار التي وُلد أو عاش فيها، فهذه محبّة فِطريّة لا يجحدُها إلا من انحرفتْ فطرتُه، ومثلُ هذا الحبِّ، كباقي أنواع المحابِّ الفطرية التي جُبل الإنسان عليها، ليس بمحظور ولا مكروه، لكنْ بشرط أن لا تتجاوز المحابُّ حدَّها، ولا تتعارض مع ما أمر الله به ونهى، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: ٢٤]، فمحبّة الإنسان للنفس والأهل والعشيرة والمال والموطن محبّة طبيعية لم يحرّمها الشّرع ما لم تتجاوز حدّها، ومجاوزة الحدّ هنا هو تقديم هذه المحابّ على محبّة الله ورسوله والجهاد في سبيله، ومن أشكال المجاوزة في حبّ البلاد ضلالة "الوطنية" الخبيثة التي انتشرت بين أبناء الإسلام. • الوطنيّة بنتُ القوميّة: القوميّة لغةً من (القوم)، وقومُ الرجل: شيعتُه وعشيرتُه، أما القوميّة اصطلاحاً فهي رابطة للمجتمع تربط بين مجموعة من البشر يشتركون بخصائص وصفات مشتركة، كاللغة أو اللون أو العرق أو التاريخ... إلخ. فالقوميّة من المناهج الجاهليّة المنحرفة التي غزت ديار الإسلام، حيث كانت نابتةُ القوميّة من أُولى معاول الهدم التي دكّت أسس العقيدة الإسلامية، وجعلت من الانتماء للقوميّة -العربيّة أو الخليجيّة أو الإفريقيّة أو التركيّة... أو غيرها- أساساً للاجتماع والولاء والنّصرة! ومن رَحِم هذه "القوميّة" الخبيثة وُلدتْ "الوطنية" المقيتة، فمبدؤهما واحد وحكمُهما واحد. • حُكْمُ الوطنيّة في الإسلام: بحسب ما عُرضَ آنفاً مِنْ أنَّ الوطنيّة تعني ترك عقيدة الولاء والبراء الإسلاميّة وإحلال عقيدة الولاء والبراء الوطنيّة؛ فإنَّ الوطنية كفرٌ أكبرُ مخرجٌ من الملّة، وكلُّ مَن اعتنقها أو دعا لها أو عمل لأجلها فهو مرتدٌّ عن دين الإسلام، والنقطة التالية ستبيّن جانباً من ذلك. • بعضُ مفاسدِ دينِ الوطنيّة: أولا: الوطنية شركٌ بالله تعالى: الوطنية دينٌ باطلٌ، ومنهجٌ جاهليٌّ يدعو لاتخاذ الوطن وثناً وطاغوتاً يُعبد من دون الله، فهي تُلزم الناس بالعمل لها وحدها، والتضحية والقتال في سبيلها، وصرف البغض والبراء لكل خارج عن حدود أرضها وإن كانوا أولياء لله، وصرف الحبّ والولاء لكل داخل في حدودها وإنْ كانوا من أعظم الناس كفراً وأغلظهم شركاً؛ وهي بهذا تكون نداً معبوداً من دون الله، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٦٥]. ثانياً: الوطنية تنقضُ عقيدةَ الولاء والبراء: ذلك أنَّ أصل الولاء والبراء في الإسلام قائمٌ على المفاصلة والمفارقة بين المسلمين وغيرهم على أساس الدّين، كما قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: ٥٥]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: ٥٧]، أما الوطنيّون فالموالاة عندهم قائمة على أساس الانتماء للأرض التي تحيطها حدود الوطن، وهذا يلزم منه إزالة الفوارق التي وضعها اللهُ سبباً شرعياً للمفاصلة مع الكفار، وتلك مصادمة صريحة لنصوص الشّرع الصّحيحة، قال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١٣٨-١٣٩]. • مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 5 مقال: "لله لا للوطن" السنة السابعة - السبت 2 صفر 1437 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً