أربع نسوة يسافرن بمكر التغريبيين إلى أقصى بلاد الغرب ضمن وفد برئاسة وزير العدل
الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد؛
فقد اطلعت على خبر نشرته صحيفة الجزيرة بتاريخ الأحد 21/2/1433هـ عن قيام وفد بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة وزير العدل الدكتور محمد العيسى وعضوية عدد من المسئولين وأربع نسوة هن: مديرة جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، ومستشارة في مجلس الشورى، والمشرفة على القسم النسائي بوزارة التعليم العالي، ونائبة مدير الغرفة التجارية بجدة، والملاحظ أن جامعات المملكة زادت على عشرين جامعة ولم يُختر من مديريها إلا امرأة، وأن الغرفة التجارية بجدة ينوب عن مديرها امرأة تساعد المدير وتنوب عنه في حال غيابه وترأس مجلس الغرفة، وليس في الإسلام تولية النساء على الرجال، وولاية المرأة على الرجال دليل عدم الفلاح لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أفلح قوم تلي أمرهم امرأة» (رواه أحمد 20508، واللفظ له والبخاري 4425، 7099).
وقد أوضحت ذلك في رسالة: (الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النِّساء على الرِّجال) طبعت عام 1425هـ وطبعت عام 1428هـ ضمن مجموع كتبي ورسائلي (7/395ـ427)، وفي كلمة: (لا يجوز للمرأة الولاية على الرجال) نشرت في 2/3/1430هـ، وفي كلمة: (الغرفة التجارية الصناعية في جدة رائدة الغرف التجارية في انفلات النساء) نشرت في 30/9/1431هـ، ومشاركتهن في هذا الوفد فيه الجمع بين محذورين: السفور والاختلاط بالرجال، وقد كتبت رسالة بعنوان: (وجوب تغطية المرأة وجهها وتحريم اختلاطها بغير محارمها) طبعت عام 1430هـ، وفيه إعطاء الدليل الحسي للمسئولين في تلك البلاد أن النساء في بلاد الحرمين قد أخذن بالانفلات الذي يهوونه وتركن ما كن عليه من التستر والاحتشام والبعد عن مخالطة الرجال، وإن كن سافرن بدون محارم فتلك معصية ثالثة ومصيبة أخرى لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله! إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج؟ فقال: اخرج معها» (رواه البخاري 1862 ومسلم 3272) عن ابن عباس رضي الله عنهما، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم السائل في هذا الحديث إلى ترك الجهاد ليسافر مع امرأته للحج.
وهذا التنازل وأي تنازل آخر يعجب الغربيين ولكنه لا يكفيهم، ولا يرضيهم إلا شيء واحد وهو اتباع ملتهم كما قال الله عز وجل: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة:120] وفي هذه الآية بيان أن الهدى محصور في هدى الله وفيها الوعيد الشديد لمن ترك هذا الهدى واتبع أهواء اليهود والنصارى.
وكثيراً ما يدندن التغريبيون الماكرون بهذه البلاد حكومةً وشعباً عما يدعون إليه من الاختلاط المذموم بأنه يكون وفقاً للضوابط الشرعية وهو خال منها {يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]، وهذه الضوابط الشرعية المزعومة تتفق مع ما قاله الله عن أمثالهم: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27] وقال:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]، ويصدق على دعواهم هذه مع فعلهم ما يناقضها قول الشاعر:
ومن أمثلة ذلك أن أحد المترفين قال عن فتنة بيع النساء في محلات المستلزمات النسائية في الأسواق العامة المحدثة هذه الأيام: بأن فيه إعطاء الخبز لخبازه لأنه متفق مع ما عليه عمل النساء في دول العالم وأنه سيكون طبقاً للضوابط الشرعية والاجتماعية، وقد ذكرت ذلك في كلمة: (بيع النساء في الأسواق ما يحل منه وما يحرم) نشرت في 10/7/1432هـ، وأما الناصحون لهذه البلاد حكومةً وشعباً فهم ينكرون الضوابط الشرعية المزعومة ويعولون على الضوابط الشرعية المعلومة التي تتفق مع قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب:36]، ومشاركة هؤلاء النسوة الأربع لا يتفق مع الضوابط الشرعية المعلومة لاسيما وأن إحداهن نائبة لرئيس الغرفة التجارية في جدة ومثلها مساعدة أمين مدينة جدة لشؤون تقنية المعلومات التي عينها المهندس عادل فقيه قبل وصوله إلى وزارة العمل، وبين هذا الاختلاط المشين وبين الضوابط الشرعية المعلومة كما بين السماء والأرض.
وقد نشرت صحيفة الرياض بتاريخ الخميس 25/2/1433هـ شيئاً من أخبار هذه الزيارة وما دار بين رئيس الوفد وبعض المسئولين في تلك البلاد؛ ومن ذلك: (وقام الوفد صباح أمس بزيارة للمحكمة الفدرالية العليا بالعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، والتقى رئيس الوفد برئيس المحكمة جون روبرتس وجرى خلال اللقاء طرح العديد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وشرح وزير العدل لرئيس المحكمة مسيرة التحديث والتطوير القضائي للمملكة في إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء، موضحاً بأن قضاء المملكة يتمتع بالحياد والاستقلال وكافة ضمانات العدالة، وأنه يلتقي مع القضاء الأمريكي في العديد من الجوانب الإجرائية، كما يلتقي معه في العديد من المشتركات الموضوعية مشيراً إلى أن قيم العدالة تحمل في طياتها معالم رئيسية يتفق عليها الجميع، وأن قضاء المملكة يعتمد الاتجاه الراجح عند تعدد الاتجاهات الفقهية وتنشأ عن ذلك السوابق القضائية التي تمثل بمجموعها مبادئ العدالة، وقد نوه رئيس المحكمة الفدرالية العليا بالتقارب بين قضاء المملكة والقضاء الأمريكي)، (وقال وزير العدل الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى بأن هذه الزيارة تأتي في إطار تبادل الآراء وطرح الموضوعات ذات الصلة بجوانب العدالة والحقوق)، (وأكد وزير العدل الدكتور محمد العيسى أهمية الزيارة في تبادل الآراء والتفاهم والتعاون في مختلف الجوانب وخاصة الحقوقية ذات الصلة بالجوانب العدلية)، وقال كما في صحيفة الرياض بتاريخ 5/3/1433هـ: (القضاء السعودي مستقل ولا تتدخل أي جهة في عمله وينهل من جميع المدارس القانونية).
أقول: ما أسوء وأفضع وأشنع صدور جملة: (وينهل ـ يعني القضاء السعودي ـ من جميع المدارس القانونية) من وزير ابتليت به مع الأسف وزارة العدل في بلاد الحرمين {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]، وتتفق هذه العبارة مع ما اتخذه مجلس التعليم العالي من إحداث كليات للحقوق والقانون في بعض الجامعات مع إضعاف الجامعات الإسلامية بإحداث كليات دنيوية تزاحم اختصاصاتها، وقد أوضحت ذلك في كلمة بعنوان: (أفي بلاد الحرمين يُنشأ كليات للحقوق وللشريعة والقانون؟! واعجباً ووا أسفاً!!) نشرت في 13/2/1432هـ، وقد ركزت هذه الأحاديث المتبادلة بين الوزير وبعض المسئولين في تلك البلاد على العدالة في القضاء، ومن المعلوم أن العدل الحقيقي هو ما جاء في شريعة الإسلام لأنه وحي من الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم، أما ما يُزعم من عدالة لم يأتِ بها الإسلام فإن أنظمتها من وضع الخلق، والفرق بينها وبين ما جاء عن الله كالفرق بين الخالق والمخلوق، وقد كتبت في ذلك رسالة بعنوان: (العدلُ في شريعةِ الإسلام وليس في الدِّيمقراطية المزعومَة) طبعت عام 1426هـ وطبعت عام 1428هـ ضمن مجموع كتبي ورسائلي (6/330ـ373)، ولا تلاقي ولا تقارب بين القضاء الشرعي في بلاد الحرمين والقضاء الوضعي الأمريكي وغيره في سائر البلاد، وأي عدالة تُنشد من ديمقراطية زائفة تتحكم فيها خمس دول جعلت لنفسها العضوية الدائمة في مجلس الأمن وتتمتع كل واحدة منها بما يسمى بحق النقض (الفيتو) فإذا اتخذ المجلس قراراً لا يعجب واحدة منها استعملت هذا الحق فلا يكون لهذا القرار اعتبار وتهدد قبل اتخاذه باستعمال هذا الحق كي لا يتخذ؛ كالذي حصل من إحدى هذه الدول الخمس مع حليفة لها في الدول العربية هذه الأيام قتلت أكثر من خمسة آلاف من مواطنيها لتبقى في تسلطها ولم توافق تلك الدولة على اتخاذ قرار بإدانتها، وقد قلت عن المتشدقين بالدفاع عن حقوق الإنسان في الكلمة المنشورة في 18/2/1430هـ بعنوان: (دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات هم الذين وراء بدء انفلات بعض النساء أخيراً في بلاد الحرمين) قلت: (ومن أمثلة الظلم والعدوان الذي اتصفت به الديمقراطية المزعومة أنه لما تطاول حثالة من أسفه سفهاء الغرب على جناب من أرسله الله رحمة للعالمين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ وهو أعظم إنسان وأفضل إنسان ـ كان حظهم من ديمقراطية الغرب السلامة من العقوبة على هذا الإجرام المتناهي في الإجرام، ولا يضر السحاب في السماء نبح الكلاب في الأرض، ومن أمثلته أنه لما تسلط بعض أحفاد قتلة الأنبياء قريباً على التقتيل والتدمير في قطاع غزة حيث قُتل أكثر من ألف وثلاثمائة إنسان وجُرح أكثر من خمسة آلاف إنسان، كان حظهم من الديمقراطية المزعومة السلامة من العقاب، بل إن ديمقراطيتهم لم تُجمع على اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، وقد قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله في كلمته في مؤتمر القمة الاقتصادي المعقود في الكويت قريباً : (لقد نسي القتلة ومن يناصرهم أن التوراة قالت، إن العين بالعين، ولم تقل التوراة، إن العين بمدينة كاملة من العيون) يشير بذلك إلى قول الله عز وجل : وَكَتَبْنَا {عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}... الآية [المائدة:45]، وليس من الحكمة إطلاق صواريخ من غزة لا تضر اليهود شيئاً فيترتب على ذلك حصول التدمير والتقتيل لسكان قطاع غزة).
وهذا الوفد في تشكليه وحديث رئيسه لا يمثل عزة الإسلام ومنزلة علمائه والذي مثل ذلك هو الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عندما سافر إلى تلك البلاد بطائرة خاصة للعلاج وما حصل منه من لقاءات وكلمات مثل فيها العلم الشرعي وأظهر فيها عظم منزلة أهله، وقد أوردت كلامه رحمه الله في التحذير من اختلاط الجنسين من شرحه رياض الصالحين (2/484) في كلمة: (أربعة مشايخ يحذِّرون من فتنة السفور واختلاط الجنسين في بلاد الحرمين) نشرت في 7/2/1433هـ ومما قاله في شرحه: (ولذلك نجد أعداءنا وأعداء ديننا -أعداء شريعة الله عز وجل- يُركِّزون اليوم على مسألة النساء وتبرجهن واختلاطهن بالرجال ومشاركتهن للرجال في الأعمال)، وقال: (ولا شك أن أعداءنا وأذناب أعدائنا - لأنه يوجد فينا أذناب لهؤلاء الأعداء، درسوا عندهم وتلطَّخوا بأفكارهم السيئة، ولا أقول إنهم غسلوا أدمغتهم، بل أقول إنهم لوَّثوا أدمغتهم بهذه الأفكار الخبيثة المعارضة لدين الإسلام)، وقال: (علما بأنه يوجد عندنا قوم -لا كثَّرهم الله ولا أنالهم مقصودهم- يريدون هذا الأمر لهذا البلد المسلم المسالم المحافظ، لأنهم يعلمون أن آخر معقل للمسلمين هو هذه البلاد، التي تشمل مقدسات المسلمين، وقبلة المسلمين، ليفسدوها حتى تفسد الأمة الإسلامية كلها، فكل الأمة الإسلامية ينظرون إلى هذه البلاد ماذا تفعل، فإذا انهدم الحياء والدين في هذه البلاد فسلام عليهم، وسلام على الدين والحياء)، أقول: والذي قتل الملك فيصل رحمه الله في عام 1395هـ قد لوث دماغه في تلك البلاد، وقد قلت للملك فهد رحمه الله إبان ولايته للعهد عقب وفاة الملك فيصل عندما كنت مسئولاً في الجامعة الإسلامية بالمدينة قلت: (الملك فيصل قتله الابتعاث) ذكرت ذلك في كلمة: (خطر التوسع في الابتعاث على بلاد الحرمين) نشرت في 18/7/1431هـ.
أما رئاسة وزير العدل لهذا الجمع المختلط من الرجال والنساء ففيه جمع هذا الوزير بين القول والفعل في الاختلاط المذموم، وهذا هو الاختلاط بالفعل وأما القول فله في تأييد الاختلاط والانكار على من يمنعه مقال نشرته صحيفة الرياض بتاريخ 5/11/1430هـ وقد رددت عليه بكلمة: (لماذا النشاط المحموم في تأييد اختلاط الجنسين في بلاد الحرمين) ذكرت فيها جملاً من كلامه المنفلت المتهافت الذي لا يُشم منه رائحة العلم والعلماء والذي لا يليق أن يصدر من وزير للعدل يعد أحد خلفاء سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في ولاية هذا المرفق العظيم وهو مع ذلك عضو في هيئة كبار العلماء، ومما قلته في هذه الكلمة: (وقد ذكّرني هذا الكلام الهابط كلاماً ساقطاً ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (4/364) وعقَّب عليه بقوله: (وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه)، ومن الناس من يُبتلى بكلام يكون سبباً في إسقاط نفسه، وقد قيل: كم من كلمة قالت لصاحبها: دعني، ولو رُفع اسم هذا المسئول المكبَّر عن مقاله لتبادر إلى الأذهان أن كاتبه شخص لا علاقة له بالعلم الشرعي، وصدق الأديب الذي قال: حصوننا مهددة من داخلها، وقد ختم هذا الكاتب مقاله بكلمة جميلة فقال: (وكل سيحاسب على قوله وفعله، ودين الله لا يخاطر به ولا يزايد عليه)، والمأمول منه وفقه الله أن يكون أول المستفيدين من هذه الكلمة فيتقي الله في نفسه وفي غيره ويرجع عن هذا المقال الذي شانه ويتبرأ منه فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل)، وكتبت أيضاً كلمة بعنوان: (في القول بإباحة الاختلاط المذموم في بلاد الحرمين غش للراعي والرعية) نشرت في 26/1/1431هـ ومما قلت فيها: (ففي الآونة الأخيرة وقبل سنوات قليلة اهتمت بعض الصحف المحلية وعُنيت عناية تامة بنشر كل ما من شأنه التنويه بانفلات النساء في بلاد الحرمين وسفورهن واختلاطهن بالرجال في مختلف المجالات وكان ذلك في أول الأمر مقتصراً على نشر ما تفرزه أذهان التغريبيين المتبعين للشهوات الذين يريدون أن تميل هذه البلاد ميلاً عظيماً، وأن تكون النساء في بلاد الحرمين مشابهة لنساء الغرب في الانفلات الذي لا يقبله عقل ولا يقره دين، وبعد افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في 4/10/1430هـ، ووجود السفور فيها والاختلاط بين الجنسين اتجه الصحفيون إلى البحث عمن يؤيد هذا الاختلاط ممن ينتسب إلى العلم الشرعي، فوجدوا عند بعض المفتونين منهم شيئاً مما يَصْبون إليه، فنشروه محتفين به مبرزين له، وكان اهتمامهم بالتنويه على وجه الخصوص بنسبة إباحة ذلك الاختلاط لبعض أعضاء من هيئة كبار العلماء مهوِّلين بذلك وكأنه من المسلَّمات، فإن كبار العلماء حقاً من الهيئة ينصحون لأهل هذه البلاد حكومةً وشعباً ببيان منع الاختلاط المذموم والتحذير منه لتبقى البلاد آخذة بأسباب السلامة من العقوبات العاجلة والآجلة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك» (وهو حديث صحيح رواه الترمذي وغيره)، وأما من هوَّن منهم في أمر الاختلاط بين الجنسين وأباحه في أماكن الدراسة والبحث والعمل ونحو ذلك فهو من المكبَّرين لا من الكبار، ولئلا يُظن أن في نفسي شيئاً لأنه فاتني -وأنا أحد طلاب العلم في هذه البلاد- التقدير المعنوي الذي ظفر به بعض المكبّرين ممن ابتلي بإباحة الاختلاط المذموم أقول: قد رغب خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله أن أكون عضواً في تلك الهيئة فاعتذرت عن ذلك عندما أبلغني رغبته هاتفياً ابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز حفظه الله، والإفتاء بإباحة الاختلاط المذموم غش للراعي والرعية والأخذ بذلك من أعظم أسباب زوال النعم وحلول النقم؛ كما قال الله عز وجل: {وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]، وقال: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال:53] وقال: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، وقال: {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:211]، وقال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]، وقال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كما في مجموع فتاواه (4/127): (فما يصيب الأمة أو الأفراد من فتن أو صد عن سبيل الله أو أوبئة أو حروب أو غير ذلك من أنواع البلاء فأسبابه ما كسبه العباد من أنواع المخالفات لشرع الله؛ كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وقد بيَّن الله جل وعلا ما حصل لبعض الأمم السابقة من العذاب والهلاك بسبب مخالفتهم لأمره ليتبيَّنه العاقل ويأخذ من ذلك عظة وعبرة)، ومما قلته أيضا: (ومن حسن حظ كل مسلم ناصح لنفسه وللمسلمين أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، لا أن يكون مغلاقاً للخير مفتاحاً للشر، ومثل هذه الفتاوى الجديدة الطائشة الشاذة التي لا تخدم إلا الغربيين والتغريبيين والتي سلم من سماعها الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهما من العلماء الربانيين -رحم الله الجميع- لن يلتفت إليها بإذن الله ولاة الأمر في هذه البلاد حفظهم الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد رضي الله عنه: «جئت تسأل عن البر والإثم؟ قلت: نعم! قال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك» (رواه أحمد وغيره)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (رواه النسائي)، والحديثان من أحاديث الأربعين النووية، هذا على أقل الأحوال، وإلا فإن الاختلاط المشين تأباه العقول السليمة وترفضه الفطر القويمة، وقد قيل: من يعش ير عجباً، وقد عشنا بعد الشيخين الجليلين فرأينا العجب العجاب!! فإلى الله المشتكى ونسأله تعالى كشف الغمة واللطف بالأمة، والله عز وجل يبتلي بالخير والشر؛ كما قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، وأي مسئول يكون قادراً على دفع الشر قبل وقوعه أو رفعه بعد وقوعه لو أصيب بمرض عضال لم يجد له شفاء وقيل له: إنه يزول عنك بدفعك هذا الشر أو رفعه لبادر إلى إزالة المنكر الذي يقدر عليه ليحصل على الشفاء، ومن المعلوم أن ما يُخشى في القبر وما بعده أعظم مما يُخشى منه في الحياة الدنيا).
والغالب على الظن أن هذا الوزير وصل إلى هذه الوزارة بترشيح ومكر من التغريبيين، ومن عجيب الاتفاق أن تعيينه حصل في 19/2/1430هـ وبعد تعيينه بثلاث سنوات كاملة عين بمكر التغريبيين وكيدهم في 19/2/1433هـ رئيس جديد لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على شاكلته له مقال في تهوين أمر الاختلاط وبيع النساء في الأسواق رددت عليه بكلمةٍ بعنوان: (لماذا الكلام المُوهِم في فتنة اختلاط الجنسين يا حفيد شيخ الإسلام؟) نشرت في 5/7/1431هـ، وقد أشرت إلى هذا التعيين في كلمة بعنوان: (طوفان بيع النساء بالأسواق العامة المحدَث هذه الأيام يزداد ضرره كلَّ يوم) نشرت بتاريخ 22/2/1433هـ، وتعيين هذا الوزير وهذا الرئيس في هذين المرفقين العظيمين بمكر التغريبيين وكذا تعيين وزير العمل وأمثاله من التغريبيين داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة: «إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (رواه البخاري59)، وكل عاقل ناصح لنفسه ولهذه البلاد حكومةً وشعباً يحب لهذه الدولة السعودية أن تبقى محافظة على الأسس التي قامت عليها؛ وهي أخذها بأسباب النصر والتمكين في الأرض كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] ، وقال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:39-40]، ويحب لها أن تسلم من مكر وكيد التغريبيين الذين يسعون إلى إضعافها ودمارها؛ وقد كتبت في ذلك كلمة بعنوان: (لا يليق بأهل المجد أن يكونوا مستنداً للتغريبيين الماكرين بمجدهم) نشرت بتاريخ 7/2/1432هـ، وكلمة بعنوان: (نحب لدولتنا السعودية دوام عزها ونبغض التغريبيين الساعين بمكرهم لإضعافها) نشرت بتاريخ 20/8/1431هـ، ويحب لخادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله أن يسلم عهده من المنكرات التي أحدثت فيه بمكر التغريبيين حتى لا تلحقه تبعاته في الحياة وبعد الممات.
وأسأل الله عز وجل أن يحفظ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها وأن يوفق قادتها لكل خير وأن يحفظهم من كل شر وأن يوفق خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله للقضاء على هذه الفتن التي حدثت في عهده بمكر التغريبيين إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
6/3/1433هـ.
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
المحدث الفقيه والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، ومدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً
- التصنيف: