من فضائل ذكر الله عز وجل

منذ 2024-11-08

قال ﷺ: «مَثَلُ الذي يذكر ربَّه، والذي لا يذكر ربَّه، مَثَلُ الحيِّ والميت».

الوصية المبذولة لي ولكم - عباد الله - هي تقوى الله جل شأنه، والاستقامة على شَرْعِهِ، فإن من اتَّقى الله كفاه، ومن توكَّل عليه أرشده ووقاه.

 

عباد الله: يقول الله جل في علاه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 151، 152].

 

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الذي يذكر ربَّه، والذي لا يذكر ربَّه، مَثَلُ الحيِّ والميت».

 

وذلك أن الذي يذكر الله تعالى قد أحيا الله قلبه بذكره، وشرح له صدره، فكان كالحي، بسبب ذكر الله عز وجل والمداومة عليه، بخلاف من لا يذكر الله، فهو كالميت الذي لا وجود له، فهو حيٌّ ببدنه، ميت بقلبه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].

 

اعلموا - يا عباد الله المؤمنين - أن أزكى الأعمال وخيرَ الخِصال، وأحبَّها إلى الله ذي الجلال، ذكرُ الله عز وجل؛ روى الترمذي وغيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مَلِيكِكم، وأرفعِها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والوَرِقِ، وخير لكم من أن تلقَوا عدوَّكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذِكْرُ الله تعالى»، هذا الحديث - عباد الله - فيه بيان أن ذكر الله من أشرف العبادات وأجَلِّ القُرُبات، التي يتقرب بها العبد إلى رب الأرض والسماوات؛ لأن ذكر الله - يا معاشر المسلمين - هو حياة القلوب، فلا حياةَ لقلوبنا إلا بذكر ربنا سبحانه وتعالى.

 

فالذاكرون - يا معاشر المؤمنين - هم السبَّاقون في ميدان السير إلى الله والدار الآخرة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبق الْمُفَرِّدون»، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»، وهؤلاء - عباد الله - هم الذين أعدَّ الله لهم المرتبة العالية، والمنزلة الكريمة، والثواب العظيم عند رب العالمين؛ قال جل وعلا: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

 

أيها الموحِّدون الذاكرون: إن لذكر الله تعالى فضائلَ، وللذاكر أجورًا وجوائزَ؛ ومن ذلك:

أن ذكر الله جل وعلا كلماتٌ خفيفة على اللسان، لا تكلِّف العبد جهدًا ولا عناءً، ولا يناله منها مشقةً، إلا أن لها ثوابًا عظيمًا، وأجرًا جزيلًا؛ في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده».

 

ومن فضائل ذكر الله وأسراره على أنه غِراس الجنة؛ أخرج الترمذي عن جابر بن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: سبحان الله وبحمده، غُرِست له نخلة في الجنة»؛ (رواه الترمذي).

 

ذِكْرُ الله - عبادَ الله - سبب من أسباب مغفرة الذنوب، فالذكر يحطُّ الأوزار، ويكفِّر السيئات، ويرفع الدرجات، عند رب البريَّات؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحر».

 

ومن أسرار ذكر الله - يا معاشر المسلمين - أنه سبب من أسباب النجاة يوم القيامة؛ روى أحمد بسند صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمِل آدميٌّ عملًا قطُّ أنجى له من عذاب الله من ذكر الله».

 

بل إن الذكر أفضل شيء يأتي به العبد يوم القيامة؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عِدلَ عشرِ رِقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرْزًا من الشيطان يومَه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء به إلا أحد عمِلَ أكثرَ من ذلك».

 

عباد الله، اعلموا أنه ليس للقلوب قرار ولا طمأنينة، ولا هناءة ولا لذة، ولا سعادة إلا بذكر الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

 

وقد امتدح الله تعالى قومًا يذكرونه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم؛ قائلًا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 190، 191].

 

وذكر الله تعالى - عباد الله - هو الفَرَجُ بعد الشدة، واليُسْرُ بعد العُسر، والفرح بعد الغمِّ والهمِّ، فما عُولِجَ كربٌ، وما أُزِيلت شدة بمثل ذكر الله جل وعلا؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الكرب: «لا إله إلا الله العظيم، لا إله إلا الله الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله كربَه».

 

عباد الله، ذكر الله جل في علاه هو الطارد للشياطين، والمخلِّص من وساوسها وشرورها، وكيدها وحبائلها؛ قال جل وعلا: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200]، وقال سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97، 98]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]، وقال جل شأنه: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].

 

فيقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 43]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فإذا فعلتم ذلك؛ أي: أكثرتم من ذكر الله تعالى، صلى الله عليكم وملائكته"، وصلاة الله على عباده ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى، وصلاة ملائكته استغفارهم وتسبيحهم للمؤمنين.

 

ويقول الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، ألَا فَلْتَعْلَمْ يا عبدَالله أن المسلم إذا واظب على أذكار الصباح والمساء، وأذكار أدبار الصلوات، وأذكار النوم، وأذكار الركوب، وعند الطعام وعند الشراب، وعند الدخول والخروج من البيت، وعند الدخول والخروج من المسجد، ومتابعة الأذان، إلى غيرها من الأذكار في أيام المسلم ولياليه، كُتِبَ بذلك من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، الذين أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا، والكَيْسُ - عباد الله - من دان نفسَه وعمِل لِما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأمانيَّ، والله المستعان.

 

اللهم اقسِمْ لنا من خشيتك ما تَحُول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنَّتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، اللهم متِّعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوَّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمنا، ولا تُسلِّط علينا من لا يرحمنا.

_______________________________________________
الكاتب: أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري

  • 3
  • 0
  • 246
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    الجهاد على بصيرة - إلّا ليعبدون (3) • فوضوح الغاية وهي الجنّة والعلم بقيمتها (ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إنّ سلعة الله الجنّة)، ومعرفة السبيل إليها وهو اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، هما الضمانة للمسافر في طريق العبوديّة لله ألّا ينحرف في الطريق فينتقل من تيه إلى تيه، وهو يحسب أنّه يحسن صنعاً، وبمقدار التزام العبد بذلك يسهل عليه تجاوز العقبات التي في طريقه (حُفّت الجنّة بالمكاره)، وتجنّب أسباب الانحراف عن هذا الطريق المتمثّلة بالشهوات والشبهات، فمن حصر همّه ببلوغ المراد، اجتهد في البحث عن الطريق الذي يبلغه به، ولم يلتفت لبنيّات الطريق. ويستوي للعابد في ذلك كلّ عمل، من إماطة الأذى عن الطريق حتّى إقامة (لا إله إلا الله)، إذ كلّها درجات يسمو بها في طريق بلوغه الجنّة، وعلى هذا الأساس أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام. فبعد سنوات من العمل في مكّة الذي تركّز على توحيد الله وترسيخه في النفوس، وإعلان البراء من المشركين وفعالهم التي أخرجتهم عن التوحيد، حان الوقت لإقامة دار الإسلام التي سيكون فيها الدين كلّه لله عزّ وجلّ، ولما كانت إقامة هذه الدار ستزيد من حدّة عداء المشركين لهذا الدين ومن رغبتهم في استئصاله، كان من الضروري الانتقال بالمؤمنين من مرحلة إقامة هذا الدين في أنفسهم إلى الاستعداد للدفاع عنه بأنفسهم وأموالهم. ورغم أهميّة هذا العمل وضرورة إنجاحه والحاجة إلى حشد الأنصار إليه، فإن منهج النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة إليه قام على أصول صلبة، أدّت وبلا شك إلى حصر العاملين في فئة قليلة وعزوف الكثيرين عنها ربّما مع قناعتهم بصحّة الطريق وجدارة القائد بالاتّباع، وكان من أهم هذه الأصول: - وضوح الهدف: (من يؤويني وينصرني حتى أبلّغ رسالات ربي). - وضوح المهمّة التي يجب على الأنصار أداؤها: (تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون عنه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم). - توضيح الصعوبات والعقبات التي ستعترض الأنصار في سبيل قيامهم بالمهمّة: بإقراره قول صاحبهم: (إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن يعضّكم السيف). - توضيح الغاية الوحيدة والمقابل الوحيد الذي سيحصل عليه الأنصار لقاء قيامهم بالمهمّة: (قالوا: نعم فما لنا؟ قال: الجنة). وبخلاف هذا المنهج في حشد الأنصار تعمل الجماعات المنحرفة في سعيها المزعوم لإقامة الدّولة الإسلاميّة والخلافة الإسلاميّة. • | مقتطف من افتتاحية النبأ العدد (1) السنة السابعة - السبت 3 محرم 1437 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً