وصايا للوالدين والمعلمين

منذ 2024-11-19

إنَّ المعلِّمَ لا يستطيع أنْ يربّيَ تلاميذَهُ على الفضائلِ إلَّا اذا كانَ هو فاضلًا، ولا يستطيعُ إصلاحَهَم إلَّا إذا كانَ هو صالحًا؛ لأنهم يأخذونَ منهُ بالقدوةِ أكثرَ مِمَّا يأخذونَ منهُ بالتلقين.

أيها المؤمنون، الإسلامُ دينُ الأدب والمروءة، والأخلاقِ والفضائل والقيم، وقد كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم مثالًا حيًّا للأخلاقِ العاليةِ الرفيعة؛ ولذا فقدْ نَوَّهَ اللهُ بهذه الأخلاق والآداب، فقال جلَّ وعلا: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مَعَ ذَلِكَ لَا يَنْفَكُّ يَدْعُو رَبَّهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ: «اللهم اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ؛ فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ»؛ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وفي قوله سبحانه: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، قال ابنُ عباسٍ وغيرُه: أدِّبُوهُم، وعلِّمُوهم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مكارِمَ الأخْلاقِ» ؛ (رواه البزَّار).

 

عباد الله، ومنْ مظاهرِ الأدبِ وأجلِّ خصائصه: الأدبُ مع الله، والأدبُ مع رسولِ الله، والأدبُ مع العلماء والأمراء، والأدبُ مع الأمهات والآباء، والأدب مع الأهل والصغار، والأدبُ مع الأصحابِ والكبار، قال ابن القيم رحمه الله: والأدبُ هو الدِّينُ كُلُّه؛ ا هـ.

 

وإنَّ مِنَ الآداب التي نُريدُ أن نُعرِّجَ عليها- معاشر المسلمين - والتي ينبغي أنْ يحرصَ عليها كلُّ مسؤولٍ عن رعيَّتِه، تربيةَ الناشئةِ تربيةً إسلاميةً صحيحة، نقول هذا - عباد الله - مع عودةِ التلاميذِ والطُّلَّابِ إلى أحضانِ المدارسِ ودورِ التعليم، التي هي أصلُ منابتِ العلمِ والأدبِ والتربية، قال عبدالله بن المبارك رحمه الله: نحن إلى قليل من الأدب، أحوج منا إلى كثير من العلم.

 

وقال الإمام مالك رحمه الله قال: كانت أمي تُعمِّمُني وتقولُ لي: اذهب إلى ربيعة فتعلَّم من أدبه قبل علمه؛ (ترتيب المدارك 1/119).

 

هذا مثالٌ لكِ يا أَمَةَ الله، فإنَّ الأدبَ والخُلقَ والدِّينَ هو أهمُّ مُهِـمَّاتكِ وأولى أولوياتِكِ، وإنَّما يكونُ ذلك بتعلُّمِك وتفقُّهِكِ في دينِ الله عز وجل؛ إذْ فاقدُ الشيءِ لا يُعطيه، قال العلامةُ البشير الإبراهيميُّ: إنَّ المَرأة المُسلِمة يَجِبُ أنْ تَتَعلَّم، ويجِب أنْ تَتَهَذَّب، لكِن بِشرط أن يكُون ذلِك في دائِرة دِينِها وبِأخلاقِ دِينِها، فإذا جَهِلَت المرأة أتعَبَتِ الزَّوْج، وأفْسَدَتِ الأولاد، وأهْلَكتِ الأُمَّة؛ (الآثار).

 

وأما الوصيةُ للآباء، فهي وصيَّةٌ واحدةٌ، إنْ تكفَّلْتَ بها ووُفِّقتَ، فأمِّلْ كلَّ خيرٍ ترجوهُ مِنْ ولدِكَ بإذنِ اللهِ الواحِدِ الأحد، ألا فاسمعْ وتأمَّلْ واعتبِر يا عبدالله، قال أحد السلف: علِّمْ ابنَك القرآن، وسيُعلِّمُه القرآنُ كلَّ شيء.

 

ما عليك- أيُّها الأبُ الكريم- إلَّا أنْ تُعلِّمَ ابنَك القرآنَ منذُ الصِّغر، بتحفيظِهِ والحِرصِ عليه، ونُصحهِ بمعاهدَتِه، وتذكيرِه بأوقاتِ دروسِهِ ومراجعتِه، وإنْ تطلَّبَ الأمرُ أنْ تأتيَهُ بمعلِّمِ قرآنٍ مقابلَ أجرةٍ، فلَعمري تلكَ هي النفقةُ الكُبْرى والبذلُ المُبارك، وصدقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القائل: «خيرُكُم مَنْ تعلَّـمَ القرآنَ وعلَّمَه»، فما بالُ الناسِ يحرِصونَ كلَّ الحرصِ على توفيرِ حاجيَّاتِ أبنائهم الدنيوية، وعلى نجاحِهِم في دراسَتِهِم، لكي يسعدُوا في الدنيا، بتحصيلِ وظيفةٍ أو سيارةٍ، ثم بناءِ بيتٍ مُستقلٍّ مع زوجةٍ وأبناءِ، وهذا كلُّه مطلوبٌ نعم، لكنَّهم لا يحرصونَ على فلاحِـهـِم في آخرَتِهم، ولا على نجاحِهِم في اختبارِهم يومَ وقوفِهم بينَ يدَيْ ربِّهم سبحانه وتعالى، فقلَّ من ينصح ولدَه بالصلاة والطاعة، بمراقبةِ الله جلَّ وعلا وخشيَتِه في السرِّ والعلانية؛ ولذلك لمَّا قيل للحسن البصرى: إنَّ فلانًا يحفظُ القرآن، قال: بل قولوا: إنَّ القرآن هو الذي يحفظُهُ.

 

 

أما الوصيةُ الثانيةُ - عباد الله - بعدَ الوصية للآباءِ والأُمَّهات، فهي وصيَّةٌ أخويَّةٌ للمعلِّمين والمُعلمات، أنقُلُ لهم كلمةً عظيمةً ووصايا جليلةٍ للإمام علَّامةِ الجزائر الشيخ البشير الإبراهيمي، قال رحمه الله: إنكم تجلسونَ منْ كراسي التعليم على عروشِ ممالك، رعاياها أطفالُ الأمَّة، فسُوسُوهُم (أي: رَوِّضوهم) بالرِّفقِ والإحسان، وتدرَّجوا بِهِم مِنْ مرحلةٍ كامِلةٍ في التربية إلى مرحلةٍ أكمَلَ منها، إنهم أمانةُ اللهِ عندكم وودائعُ الأمّةِ بينَ أيديكُم، سَلَّمَتْهُم إليكم أطفالًا لتَرُدُّوهُم إليها رجالًا، وقَدَّمَتهُم إليكم هياكِل لتَنْفُخُوا فيها الروح، وألفاظًا لتغْمُروها بالمعاني، وأوعيةً لتملأوها بالفضيلةِ والمعرفة، إنكُم رُعاةٌ وإنكم مسؤولونَ عنْ رعيَّتِكم، وإنكم بُناةٌ وإنَّ الباني مسؤولٌ عما يقعُ في البناء مِنْ زَيْغٍ أو انحراف.

 

إنَّ المعلِّمَ لا يستطيع أنْ يربّيَ تلاميذَهُ على الفضائلِ إلَّا اذا كانَ هو فاضلًا، ولا يستطيعُ إصلاحَهَم إلَّا إذا كانَ هو صالحًا؛ لأنهم يأخذونَ منهُ بالقدوةِ أكثرَ مِمَّا يأخذونَ منهُ بالتلقين.

 

كونوا لتلامِيذِكُم قدوةً صالحةً في الأعمالِ والأحوالِ والأقوالِ، لا يرونَ منكم إلا الصَّالح مِنَ الأعمال، ولا يسمعونَ منكم إلَّا الصادِقَ مِنَ الأقوال، رَبُّوهُمْ على الرُّجولةِ وبُعْدَ الهِّمَّةِ، وعلى الشجاعةِ والصبرِ، وعلى الإنصافِ والإيثار، وعلى البَساطةِ واليُسْر، وعلى العِّفَةِ والأمانة، وعلى المروءةِ والوفاءِ، وعلى الاستقلال والاعتدادِ بالنَّفسِ، وعلى العِزَّةِ والكرامة، وعلى التَّحابُبِ والتَّسامُح، وعلى حُبِّ الوطنِ والدِّينِ والعِلمِ والوالدينِ والمعلم؛ ا هـ. [آثار الإبراهيمي رحمه الله 2 / 115].

 

وفي الختام، أيها المعلِّمُ الحبيب، أُذّكرُ نفسي وإيَّاكَ بأبياتٍ وأنت تعرفُها لأبي لأسودِ الدؤليُّ رحمه الله، جاء في [«جواهر الأدب» للهاشمي (481)]:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْــــــــــــــــــرَهُ   **   هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ 

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى   **   كَيْمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ 

وَأَرَاكَ تُصْلِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَــــــــــــــا   **   أَبَدًا وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَقِيمُ 

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَـــــــــــــــهُ   **   عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيـمُ 

ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَــــــــــــا   **   فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ 

فَهُنَاكَ يُقْبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَـــــــــدَى   **   بِالعِلْمِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيــــمُ 

 

فيا أيُّها المُربُّون، أنتم مؤتَمَنون على تربيةِ الجيل، وإعدادِ القادة، وحِمايَةِ الأخلاق، وصِيانةِ المروءات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا..» (رواه مسلم).

 

المعلِّمونَ والمُربُّون أنتم شُركاءُ النَّاس في أولادِهم، استَرْعاكُم اللهُ فلذَاتِ أكبادِهم، في الصحيحين من حديثِ عن مَعقِلِ بن يَسار رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»، ألا فجمِّـلوا عمَلَكم بالإخلاصِ، فأجرُ الدنيا آتٍ، وأجرُ الآخرةِ أعلى وأبقى..

 

اللهم يا معلم إبراهيم علِّمْنا، ويا مفهِّم سليمان فهِّمنا، اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

____________________________________________________
الكاتب: أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري

  • 1
  • 0
  • 141
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    القتال تحت راية اليهود كالقتال تحت راية الصليبيين • تفاجأ بعض الناس لما سمعوا بمقتل أحد المرتدين تحت راية جيش اليهود في الحرب على غزة، وتعجبوا كيف لمن يدَّعي الإسلام أن يقاتل تحت راية اليهود، وكيف يصلي عليه قومه الجنازة؟! وما تعجبهم هذا إلا بسبب جهلهم بالعقيدة الصحيحة في حكم من يقاتل تحت راية الكافرين، ولذلك لا تراهم يتكلمون في من يقاتل تحت راية الصليبيين من جنود الحكومات المرتدة العربية وغيرها، ولا ندري ما الفرق بين من يقاتل تحت راية اليهود أو راية الصليبيين، أوليس الجميع ممن كفر بالله وأشرك به وحارب الإسلام منذ بعثة النبي ﷺ إلى يومنا هذا؟! إن كتاب الله تعالى يرد عليهم بقول صريح يبين فيه سبحانه وتعالى أن تولي اليهود أو النصارى سواء، وأنهم أولياء بعض في حربهم على المسلمين كما هو الحال اليوم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فلماذا يستقبح أولئك ويشنِّعون على موالي اليهود ولا يفعلون هذا بمن يوالي الصليبيين والحال واحد، فحتى لو جئنا بالمقارنة؛ فمن قتلهم الصليبيون في زماننا أضعاف أضعاف من قتلهم اليهود، وحروب الصليبيين في أفغانستان والعراق والشام ومالي وليبيا شاهدة على ذلك، بل إن حرب اليهود في غزة اليوم بمعونة الصليبيين وهم فيها مشاركون، فما الفرق بين القتال مع اليهود في غزة ومع الصليبيين في العراق والشام وأفغانستان وغيرها من الدول التي تتحالف جيوشها معهم لقتال المسلمين باسم الإرهاب والتطرف؟! إن دين الله محكم لا يُتعامَل معه بحسب الأهواء والآراء، فمن قاتل المسلمين تحت راية الكافرين أو معاونا للكافرين في أي مكان فهو من الكافرين، أيا كان أولئك الكافرون يهودا أم نصارى أم مجوسا أم مرتدين.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً